شمس في،،الليالي،،
محمد شحلال
تعج وسائل التواصل الاجتماعي حاليا، بتوزيع التهاني ومظاهر الاحتفاء بحلول السنة الأمازيغية الجديدة 2975،حتى ليخيل لمتابع الصور المرفقة ،وكأن الفصل في أوج تجلياته !
لم يكن أهالينا الأمازيغ بمسقط الرأس يتحدثون في الماضي عن حلول سنة جديدة،بل إن الساكنة كانت تستعد لمنزلة ،،الليالي،،التي ارتبطت بموجة طويلة من تناوب الأمطار والثلوج والبرودة بكل مصادرها.
وهكذا،فإن الناس كانوا يتوجسون من قدوم،،الناير،،بسبب مخلفاته القاسية على القطعان،ذلك أن مواليدها الجديدة ،غالبا ما كانت تنفق تحت وقع الصقيع،بل إن الخسائر كانت تشمل كذلك رؤوس الماعز والغنم الهزيلة،بحيث لا يستفيد من وجبات لحم مجاني، إلا كلاب الحراسة التي تنتقم لشح الوجبات في الأيام العادية.
كان جل السكان يقيمون في الخيام التي يتقاسمونها في أيام،،الليالي،،الثقيلة مع الحيوانات والدواب ،خوفا على حياتها،ومن ثم، تفقد هذه الخيام نظامها،فيختلط فيها صوت الحيوان وزمجرة الرياح،ليسود كشكول من الموسيقى المزعجة،والتي لا يلطف منها إلا قطرات المطر المتسربة من حصير الخيمة التي تنساب تباعا، لتتجمع في الأواني التي تعدها ربة الخيمة حتى لا تبلل الفراش والغطاء الزهيدان.
تعرف قطرات المطر المتسربة من سقف الخيمة وأطرافها،ب،،ثامقيث،،وكانت تتوزع بين الإزعاج والغواية،ذلك أن الأطفال ،كانوا يستمرئون هذه السنفونية، فيغطون في نوم عميق،بينما تقضي الأمهات ليالي بيضاء لمطاردة هذه القطرات العنيدة حيثما فتحت جبهاتها .
كانت منزلة،،الليالي،،من مفاصل السنة التي يحسب لها البدو ألف حساب،ويسعون لتجاوزها بأقل الخسائر الممكنة،عبر توفير حطب التدفئة والمؤونة الكافية للأسرة والحيوانات التي يتعذر عليها الخروج إلى المراعي.
لقد تمكن الأهالي من تحمل قسوة،،الليالي،،عبر أطعمة ناجعة ،وفي مقدمتها ،،السمن البلدي،،المدخر، ليرفع من فعالية خبز الشعير ثم زيت الزيتون الذي يتزامن استخلاصه مع حلول فصل الشتاء.
كان تجاوز أيام،،الليالي،،( الحية والميتة) *،يعني انتهاء هجعة الأرض التي تتهيأ بعد ذلك، لإخراج ما في بطنها من خيرات ونعم،وفي مقدمتها نمو الحبوب والكلأ الذي ينمي القطعان ويسعد الساكنة.
نحن الان في أواسط شهر يناير الذي، يرتبط في أذهان جيلنا ،بصور افتقدناها تدريجيا حتى فوجئنا بالشمس تنسينا في فصل الأمطار والثلوج، وكأن الطبيعة قد انفلتت منها أنظمتها،فاستسلمت للفوضى المحيرة !
ما زالت الأرض قاتمة في جل ربوع الوطن،لكن الناس يتحدثون عن،،الناير،، وكأن كل شيء على ما يرام،ولست أدري ماذا ينتظرون للخروج في جماعات عفوية ،لطلب الغيث كما كان معهودا في الماضي دون قيد أو شرط،ما دامت الطريق إلى المولى عز وجل سالكة،ولا حاحة فيها لوسائط.
كان،،المغرب النافع،،في مثل هذه الأيام،قد جدد حلته،وأصبحت الخضرة هي السائدة،ولا تتأخر إلا في شرق البلاد،لكنها كانت منتظرة،أما الان،فإن جوا من القلق يخيم على النفوس،وخاصة على نفوس أبناء البادية الذين طالت معاناتهم مع شح الأرض، فاللهم جد علينا بالغيث الكافي والنافع ولا تجعلنا من القانطين.
* تصنيف لمنزلة الليالي التي تدوم أربعين يوما،وقد فصل فيها الفلاحون،وميزوا بين خصائص كل قسم من هذه الأيام.
Aucun commentaire