Home»National»إضاءة تقديمية للديوان الزجلي، لعبد القادر بوراص

إضاءة تقديمية للديوان الزجلي، لعبد القادر بوراص

1
Shares
PinterestGoogle+

بلقاسم سداين


بعد سفرٍ فنّي، وإبداعِي طويلٍ عبرَ مجالاتٍ كتابيّةٍ مختلفةٍ واهتمامات واسعةٍ، مفعمةٍ بعطاءِ غير متوقف في ميادينَ مختلفة. يحطُّ [عبد القادر بوراص] رحاله بمهل شديد عند كتابة القصيدة الزجلية ويتربّع عرشَ تَشييد معماريتها الفنيّة، فَيُلبس كلّ قصيدة زينتها مبنى، ومعنى. وينسجُ رداء زجليّاته نسجاً متميّزاً تُغذّيه روافدُ قَضايا اِجتماعيّة ٱنيّة تراودُ شاعرنا وتشغل بالَهُ، فيُبدع بطريقته في صياغة مضامينها فيقدّمها إلينا باقات معطرة بأربج كلمات تأخذ موقعها المناسب ثم يفرغها في قوالب زجلية/هي عبارة عن رسائلَ بحمولةٍ دلاليّةٍ شكلاً، ومضمُوناً. ٱثر مُرسلُ هذه القصائد (الرّسائِلَ) أن يستعير عنوان كتابه من أحد قصائد الدّيوان. فأطلق عليه:
([ بريّة اَلمَجْذوب ])
عنوانٌ بلفظتين بسيطتين تفيضانِ كثافةً تأويليّة عميقةً، وتتدفّقان دلالةً لفظيّة. بعيدة في جوهريتهما عن المعتاد المألوف..
فكلمة (برية)/الرسالة: هي من الأسرة اللّغوية، والدّلاليّة للفعل الفصيح (بَرَى) وهي من أصله أيضاً. فنقول بَرَى بمعنى أَعَدَّ، وَسَوَّى القلمَ الذي تُكتب به الرّسائلُ وغيرهَا..لكن هذه الرسالة في مشروع الزجال[ عبد القادر بوراص] (برية) تُنسب لشخص لهُ ثقلُه، ووزنُه، ولهُ حمولتُهُ في الموروث الشّعبي. إنّه: (المجدوب) اِسم على صيغة مفعول من الفعل (جَذَبَ): جَمْعُهُ مجذوبون، ومجاذيب وهو رجلٌ صُوفيّ جَذَبَهُ، وَجَبَذَهُ الحقُّ إلى الحضرة الإلالهيّة..
وتبقَى العلاقةُ بين مُكوني العنوانِ علاقة اِيصاليّة/اِرساليّة لمضمونٍ، ومُحتوى يُوقِع أثراً في المُتلقّي. فيحمل حضرة هذا العنوان رسائلَ مثقلة بحمولة فنيّة، تعجُّ بزخم دلالي يتوهّج جاذبيةً، ويُشرقُ متعةً.. إنّه عنوان مستفز تلفّه البساطة لكنه يفيض بايحاءات ذات بعد عميق شكلاً، ومضموناً..
فالمجذوب هنا يمتاز بحمولة تاريخية، صوفيّة ودينيّة تستمدّ توهّجها من الموروث الثّقافي الشّعبي. فالعنوان إذن يجمع بين الكثافة الدّلالية ل (برية)، والحمولة الإيحائيّة ل (المجذوب )..وبين ثنايا الكلمتين يشرق، ويتوهج وميض الدّيوان من مبتدإه إلى منتهاه..ومن وراء ذلك كّله شاعر يبثّ رسائله، فيغمرنا بأحاسيسه، وانفعلالاته المتدفقة، الّتي تمرّ عبر مخزونه الدّاخلي، فيُوقِّعها بمواقفَ، وميولات، ومعتقدات يؤمن بها الشّاعر. فينشدُ:

يا داير الخير ومعاه تتصور
مستغل حاجة لفقرا مساكين
قفة الذل حتافظ بها لنفسك
لفقير عايش براسو مرفوع
ولا تفكر تشري صوتو بقفتك
فسوق الانتخابات ما هو مبيوع

ونحن ندخل مساحة الدّيوان في إطار سفر ممتع فنّي و أدبي، لنتجوًل بين قصائد الشّاعر، نجده يخيط قصائده بمهارة المبدع فيجعلها تسيل بهاءً، وتشرق متعةً وجاذبيةً. فتغمرنا دهشة الإشتهاء لمتابعة قراءة الدّيوان. فنقرأ له في قصيدة (جمال بلادي):

يا اللي جاي لشرق عل سعيدة عرج
تمتع بجمالها وفي زرقة بحرها تفرج
نسيم صافي عليل عل النفس يفوج
مارينا لباهيا ما يسخى حد منها يخرج
كَنوس كثيرة مشتى وصيف لها تحج

وعبر ثلاث، وثلاثين( برية)/رسالة يبثّ الشّاعر قضايا من صميم واقع يشغل باله، وهي أحداث الساعة، وفي انحياز تام لحياة الهامش حيث تستمد القصيدة الزجلية نفسها العميق من تجارب حياتية معاشة، وتنهل من تكوين الشاعر الثقافي المتنوع. فيفرغ [عبد القادر بوراص] في زجلياته بصدق أحاسيسه المتدفقة:

(القفة: دير الخير، وتصور معاه)، (هذي اليوم حوالنا )، (لحريك)، (كلاب الحومة)، (وكّال الورث)، (البلية)، (الدنيا العوجة )، (التريبورتور )، (السوق حامي)..
ومن أجواءِ رسائلِهِ تُطالعنا أيضاً مواضيعُ ذات صلة بالبعدِ التّأمُلي، وظلاله البعيدة:

(توبة)، (برية المجدوب)، (ياجدي وحنا)، (وحي البحر)، (الوقت تبدل)، (خبزة لحرام)، ( لقراية)..
ومن خلال هذه العناوين، وغيرها يطلّ الشّاعر علينا برؤية إبداعيّة تستمدّ زخمها، ومرجعيتها من عناصر أساسية:
الذّات، الإنسان، الحياة…
وهو يركب هذا الفنّ بنفسِ المغامر منتصراً لنسج مشروعه نسجاً بخيوط المُتخيّل الجمالي لتفيض زجلياته متعةً، وتزهر حيويةً. وهي مثقلة بحكمٍ لا تخلو من عِبرٍ. فنجده يقول:

عل المخدرات بعد يا لعاقل
طريقها كحلة عامرة خسارة
ما يدخل سوقها غير جاهل
تقلب حياتو وتحولها مرارة
عل البلية يضيع رزقك كامل
وتعود منبوذ النظرة ليك مشرارة
كثير يظنو لخروج منها ساهل
ولمبلي حصل ما عرف لطريق شارة

ويبقى الشّاعر [عبد القادر بوراص] يزهرُ عطاءً زاخراّ لا تتّسع هذه الأسطر القليلة، أن تسدل السّتار عن ثرائه، وعن غناه وهو يعبر بشموخ فنّي إلى المشهد الزجلي بعمق أدبي، ليرسٌخ بفاعلية تجربته في النظم والتّأليف، والاصدار..فتحتاج هذه التّجربة وهذا الصّوت الشّجي إلى فتح نوافذها من أجل اكتشاف ما تزخر به من قيم فنيّة واسعة..

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *