باشا مدينة فاس يجتهد…
.عرفت فاس في الذاكرة الشعبية المغربية بقاضيها الذي أصبح مضرب الامثال،وها هو ذا باشاها الفقيه المجتهد ينضاف إلى هذه الذاكرة على اثر رفضه استلام إشعار تجديد مكتب ومقر نقابة وطنية معترف بها لها مكاتب جهوية وإقليمية على طول التراب الوطني ،ولها منتخبون يمثلونها في اللجان المتساوية الأعضاء ،ومنخرطوها من أطر الوطن العزيز……..
إلى باشانا المبجل أقدم هذه الورقة عله يحكم على قراره ،بعيدا عن كرسي الإدارة ،لان هذا الأخير هو الذي شجعه في اتخاذ قرار ليس من اختصاصه.
سيدي الباشا… .
لقد تبين من تجارب الأمم قاطبة، أن الحرية ليست خاتمة التقدم بل أول شروطه و أنبل إنجازاته كما اتّضح بما لم يعد فيه مجال لجدل ، أنه لا وجود لشعب حقق أهدافه في العدالة و التنمية والكرامة والسيادة والرقي وهو سليب الحرية . وهكذا لا يوجد في عصرنا هذا ، شعب لم يجعل الحرية له هدفا و وسيلة.
و في سياق المسار العام لتطور البشرية لم يقصّر وطننا بكل مكوناته ، الذي صقلته قرون من الوجود المنظم والعطاء الجزيل للحضارة ، عن تقديم كل التضحيات للتحرر من تسلط الأجنبي و ظلم ذوي القربى لتحقيق مجتمع عادل متقدم و إنسان تسمو به الحرية إلى أرفع درجات الكرامة.
و قد اتخذ هذا التوجه نسقا متسارعا في مطلع القرن من أجل إرساء دعائم دولة الحق والقانون وانطلاق تحديث المجتمع، والانتقال من دسترة حقوق الإنسان والحريات إلى تعزيزها و ضمانها وحمايتها ،فبادرت الحكومات بقيادة صاحب الجلالة إلى إصدار ترسانة قانونية غنية استهدفت تعديل قانون الحريات وجملة من المدونات كمدونة الأسرة ومدونة الشغل ،إضافة إلى إنشاء مؤسسات ومجالس كالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وديوان المظالم والمرصد الوطني لحماية الطفولة …..كل هذه المنجزات كانت كفيلة بنقل بلادنا الى دولة الحق والقانون. لولا جيوب المقاومة وذوو الامتيازات الذين جعلوا من هذا الورش العظيم مجرد خطاب مركز على احترام حقوق
. الإنسان و تحرير المرأة و تكاثر القوانين في نفس الوقت الذي تناقصت فيه الحقوق في المجتمع؛ فاتسعت الهوة بين الخطاب و الممارسة.وأصبحنا نلحظ جملة من المضايقات في مجال الإعلام كما في مجال العمل الجمعوي والنقابي ،هذه المضايقات التي اتخذت أشكالا مختلفة تتراوح بين المنع من التجمع أو التظاهر أو التأسيس أو تجديد المكاتب ،وكلها مضايقات لا تستند على القانون بقدر ما تستند على اجتهادات رجال السلطة محليا ،وهكذا يتعدد القانون المنظم وهو قانون واحد بتعدد الاجتهادات في الجهات والأقاليم والمقاطعات…وحسب مزاج المجتهد وموقفه الشخصي من الجمعية أو الرابطة أو النقابة .ان هذه الوضعية وعلى الرغم من التخفيف عن الاتعكاسات التي خلفتها وتخلفها بدعوى أننا نحيا مرحلة انتقالية لابد من الحسم فيها بشكل يصبح القانون فوق الجميع ،ويصبح القانون ملزما لرجال السلظة كما هو ملزم للمواطنين أفرادا وهيئات ومنظمات.وهذا يقودنا إلى البحث في متطلبات دولة القانون.وفي هذا الباب نقف عند تصورين،
يروم الأول تقييد الحضور الكلي والمهيمن للدولة قصد حماية الحريات الفردية بواسطة سن القوانين وإقامة المحاكم المستقلة، في حين يسعى الثاني إلى اعتبار القانون أداة للتنظيم العقلاني للدولة،
.* فالتصور الأول يعطي حيزا واضحا للقانون، باعتباره وسيلة بيد الإدارة تستعملها بحرية مطلقة، قصد تحقيق انصياع الأفراد له، دون أن تخضع في ذلك لأية ضوابط أو قواعد سامية، أو كما كتب. يتحقق هذا التصور عندما تكون السلطة الإدارية قادرة " C. Demalberg عن ذلك دومالبورغ.
بطريقة تقديرية وحرية مطلقة على جعل المواطنين خاضعين للإجراءات التي يراها ضرورية لمواجهة الظروف وتحقيق الأهداف المتوخاة. »
*في حين يروم الثاني تأكيد سمو القانون على الإدارة على صعيد التطبيق والممارسة. فالدولة لا تكتفي بالامتناع عن التدخل بشكل مخالف للقانون، بل هي مجبرة على التصرف وفق قواعده وأحكامه. بعيدة عن الاجتهادات الشخصية والأحكام الميزاجية لذلك، لا يعني هذا التصور عند الفقهاء فرض الإدارة والالتزامات القانونية على الأفراد فحسب، بل يقصد به إجبارها على احترام الشرعية القانونية أيضا ،. فهكذا تكون دولة القانون إطارا لتنظيم السلطات،. وبذلك .تكون الحقوق في منأى عن كل خرق أو مس من أية جهة، بما في ذلك الجهاز التشريعي.
وبعد تقديم التصورين التمس من السيد الباشا الاطلاع على التعديلات التي مست قانون الحريات العامة ،ومدونة الشغل خاصة الكتاب الثاني منها المرتبط بالعمل النقابي ،ليطلع على محتوياتها،لعله يقتنع بأن المغرب حكومة وشعبا بقيادة صاحب الجلالة قد اختار المضي في إرساء دولة الحق والقانون .
Aucun commentaire