قضى قبل العشاء
محمد شحلال
كانت رواية القصص من المواعيد التي لا نتخلف عنها في أيام الصبا،حيث تميز بعض الشيوخ والعجائز بادخار ثروة من الحكايا التي غالبا ما تمزج الأحداث الحقيقية بالأساطير.
وفي غياب مصدر اخر للثقافة والترفيه،فانه كان علينا أن نتحلق حول هؤلاء الرواة للانتشاء بأحداث نتمثلها بطرقنا المختلفة،بل ربما اخترنا لها النهايات التي تستجيب لمخيالنا الناشىء.
كان المرحوم،، صالح،،أحد كبار القصاصين الذين شنفوا أسماعنا بقصص طويلة مثيرة بأحداثها،وكان وقود هذا الشيخ،لا يتجاوز كؤوس الشاي ليسرد ما طاب من أحداث الماضي.
والى جانب السيد،،صالح،،،رحمه الله،فقد كان في جل الأسر أو بين الجيران، من يختزن كما هائلا من القصص التي اختفت بغيابهم، لذلك ارتبط الحكي الجميل بأسماء محددة من الرجال والنساء.
لم نستطع القطع مع القصص والحكايات الشعبية لأن معظمها كان يغطى على شح الأخبار ،ويخفف من وقع اليومي الذي غزا حياة البدو حتى جردهم من مصادر الدعة البسيطة التي تخلقها قصة ضاربة في الماضي، ليعقبها نوم لا ثمن للذته !
واذا كان رواة القصص في بلدتنا أوفياء لحكايات مشتركة بين العديد من مناطق البلاد،بما يصنفها ضمن التراث الشعبي المغربي،فان المرحوم ج. ب.كان يحتفظ بقصص مختلفة لا تخلو من دروس وعبر،حيث كان يلجأ الى مخزونه في هذا المجال ليعزز به رأيا أو فكرة يدافع عنها.
سألت الرجل يوما عن أهم قصة شعبية أثرت في نفسه،فأجاب بأنها قصص عديدة،لكنه اختار منها واحدة لأستخلص منها الدرس وأنا مقبل عاى الحياة.
يحكى أن مسافرا في أرض الله قديما قد نفذ زاده،فتوقف أمام أول بيت صادفه في طريقه.
استضافه صاحب البيت الذي لم يكن معه الا زوجته،فرحب بالرجل الغريب وجلسا يتبادلان أطراف الحديث ريثما يحضر طعام الكسكس.
كان الضيف مثقلا بهموم الدنيا،فوجد الفرصة ليتخلص من بعض ما يعانيه عبر استعراض مجموعة من الأحداث التي واجهها في الحياة،بينما كان المضيف ينصت بامعان للرجل حتى أفرغ ما في جعبته.
أعرب صاحب البيت عن تأثره لحال الرجل وحثه على الصبر قبل أن يستأذنه في سرد حدث واحد مما واجهه في الحياة.
شرع المضيف يروي أحداث قصته الطويلة والضيف يتابعه باهتمام وتأثر بالغين،فلما بلغ ، عقدة،، الحدث،لم يتمالك الضيف نفسه فخر على الأرض جثة هامدة !
عرف صاحب البيت بأن الرجل الغريب قد فارق الحياة متأثرا بهول ماعاشه،فخاطب زوجته :
(يامن تبركشيه،اشكون ياكلو ليك،الضيف مات!)
لم أكن بحاجة لتفسير من الراوي لأبعاد هذه الحكاية،ذلك أنه لو نظر المشتكون الدائمو الشكوى فيما يصمت عنه غيرهم،لاستصغروا شأنهم بدل نقل ضجيجهم النمطي الى الساحة التي ضاقت بفاقدي الهمة.
Aucun commentaire