تاريخ سهل أنجاد وثقافة سكانه (8)
تاريخ سهل أنجاد وثقافة سكانه (8)
الأستاذ: الفيلالي عبد الكريم
- ـ شذرات من السيرة الهلالية ببسيط أنـﯕـاد.
في المنطقة حكايات متفرقة يبدو أنها مجتزأة من السيرة الهلالية، ويعود سبب وجود شذرات فقط منها إلى بُعد الفترة الزمنية لبداية سردها شفهيا، وللتباعد الجغرافي بين السكان وللأحداث المتعاقبة على المنطقة خاصة دخول الاستعمار الفرنسي إلى الجزائر ثم فرض الحماية على المغرب.
ومما يثير الانتباه أنّ هذه الشذرات تُروى عند القبائل العربية والأمازيغية، فلبني يزناسن رواية متميزة لشذرات من السيرة الهلالية، وقد وثّق بعضا منها محمد بن رحال حين مرّ بالمنطقة نهاية القرن التاسع عشر، وقد نقلتُ نصّ رواية محمد بن رحال إلى العربية[1]، كما أثبتُّ رواية لا تزال تُروى بين أهل هذا الجبل الشامخ. وقد لاحظتُ تداخلا في أحد النصوص بين حكايتين الأولى ذات أصل أمازيغي والثانية تنتمي للسيرة الهلالية، وقد حاولتُ توثيق هذه الحكايات والتعليق عليها وقد أثبتُّ أسماء رواة هذه الشذرات.
النص الأول: – غانم:
رواية عن والدتي (دوار أولاد عامر).
« أرسل الرجلُ زوجته إلى إخوتها من أجل فكّ ألغاز أملاها عليها؛ وهي: « احلا مناش؟ » « واخف مناش؟ » « وامر مناش؟ ».
كانت إجابة الإخوة: « احلى مناش: العسل الحرة ». و »امر مناش »: العسل الكحلة.
حين عودتها من مقام إخوتها مرّت بولدها غانم يرعى الإبل، فسألها: أين كنت؟ قالت: عند أخوالك. فقال لها: لِمَ ذهبت عندهم؟. قالت: بعثني والدك إلى أخوالك ليفكوا اللغز الآتي: » احلا مناش؟ ». واخف مناش؟ ». و »امر مناش؟ ».
قال لها غانم:
– « احلا مناش: الاولاد مين يلعبو في الفراش ».
– اخف مناش: الموت.
– وامر مناش: مين يرفدوهم في النعاش.
حين عادت الزوجة إلى المنزل سألها زوجها إن كان قد تمكن إخوتها من فك اللغز، فقدمت إليه الحل الذي أخبرها به غانم، مدعية أن إخوتها هم الذين توصلوا إلى حله. فقال لها زوجها: لابد أنك صادفت غانما في طريقك وفكّ لك اللغز، غير أنها أنكرت الأمر.
بعد هنيهة قال لها: إن الأعداء قد أغاروا على غانم، وسلبوا منه الإبل. فنسيت ما كانت قد أنكرته من قبل من عدم رؤيتها لغانم، فقالت لزوجها: إني راجعة من عنده توّا، فافتضح أمرها وأمر إخوتها.
قرر الأب معاقبة غانم على فعلته، فركب إليه وحين اقترب من القطيع ناداه:
– « آشاو البل ».
فلم يجبه. ثم نادى ثانية:
– « آجناب البل ».
فلم يجبه. ثم ناداه للمرة الثالثة.
– « آمول البل ».
وبعد ذلك قال له والده: ِلمَ لَمْ تجب حين ناديتك، فقال له:
– « شاو البل: رؤوسها. وجناب البل جنابهم. ومول البل خالقها.
ازداد حنق الأب وأراد معاقبته، أشعل نارا وهمّ بدفع غانم إليها، فقال لوالده:
– لمَ تدفعني إلى الغالبة ومغلوبة؟
سأله والده:
– من يغلبها؟
قال:
– يغلبها الماء.
ثم سأل الأب:
– ومن يغلب الماء؟
قال:
– تغلبه العقبة.
ثم سأله:
– ومن يغلب العقبة؟
فردَّ:
– تغلبها الخيل؟
قال له:
– ومن يغلب الخيل؟
قال:
– ركّابها.
قال الوالد:
– ومن يغلب ركّاب الخيل؟
قال غانم:
– تغلبهم نساؤهن.
قال الأب:
– ومن يغلب النساء؟
قال غانم:
– أطفالهن.
قال الأب:
– ومن يغلب الأطفال؟
فردّ غانم:
– « الفقيه ».
وسأل الأب من جديد:
– ومن يغلب الفقيه؟
قال:
– « السلكة[2] ليلة السابع والعشرين».
النص الثاني: الزناتي خليفة رواية ببني يزناسن[3].
رواية بوعلام دخيسي عن والدته. (دوار اشحالفة)
« الزناتي خليفة سلطان جاء من ليبيا، سكن جبلا قبلة اجداين وأولاد شريف والقجاوعة وخلف الشحالفة.
وقعت مصاهرة بين ذياب بن غالب (=غانم) من عرب هلال، والزناتي خليفة. إذ تزوج ذياب ابنة الزناتي ، وكانت زوجة ثانية، فلذياب زوجة أولى هلالية.
خاطب ذياب زوجتيه قائلا: من تتمكن من فك اللغز الآتي:
- « الحُلْو من آش؟ ».
قالت زوجته الهلالية (الزوجة الأولى).
- « الذراري مين يلعبوا في الفراش ».
قال:
- « والمُرّ من آش؟ ».
أجابت الهلالية:
- الحبيب حين يحملوه في « النعاش ».
سخر ذياب وزوجته الهلالية من ابنة الخليفة.
غضبت ابنة الزناتي ورفضت الحديث. وظلت على حالها مدّة.
جاءت عجوز في زيارة ذياب، طلب منها أن تحدث زوجته ابنة الزناتي لتعرف سبب صمتها.
كان لابنة الزناتي طفل أنجبته من ذياب، حملته العجوز وصارت تردد:
ـ « راري راري يا وليدي وراريت، مال بنت الزناتي خليفة حازنة. حازنة على الخبز الطالع بلا خميرة.
حينها تكلمت وقالت: « يحرق بوك ويحرق جدك، حازنة على والدي الذي كان يسَوّط والدك سبع مرّات في النهار وتكون في نظره قليلة ».
غضبت ابنة الزناتي، وذهبت عند والدها.
أراد قوم ذياب ردّ زوجته، كان ذياب يرعى الغنم، حين لحق به قومه وجدوه جلسا « يفلي القمل ويتناول الخبز ويشرب الماء ».
حين رأوه في هذا الوضع رغبوا في الرجوع، وقد رثوا لحاله، ناداهم ذياب وسألهم عن سبب مجيئهم، أخبروه بواقع حاله البئيس، قال لهم:
ـ « أنا ناكل غدايا ونقتل عدايا ».
قالوا له نريد أن نردّ لك زوجتك ابنة الزناتي.
حين اتصل القوم بابنة الزناتي، وحدثوها في مسألة عودتها رفضت.
في فترة كان الزناتي فيها يقوم بالبناء داخل قصر، اندس بعض القوم داخل أكياس الرمل من أجل اختطاف ابنة الزناتي.
انتبهت خادمة للخدعة، وصارت تدخل المخيط في الأكياس. لم تستطع إخبار الزناتي، فصارت تدير الرحى، وتردد: « قولوا لسيدي قولوا لسيدي فتش ما في الغرارة ».
سأل الزناتي عن قول الخادمة، فأخبرته بواقع الحال. فحاول الزناتي القضاء عليهم، ثم ركب فرسه وقفز من جبل ونجا من عرب بني هلال».
[1] ـ أشكر الأستاذ محمد العرجوني الذي راجع ترجمة النص العربي وقوّمه.
[2] ـ المقصود « بالسلكة » ختم القرآن في يوم السابع والعشرين من شهر رمضان، والتي يسود اعتقاد عند العامة أنها تمثل ليلة القدر.
[3] ـ لقد تم الدمج بين حكايتين بالنسبة للرواية عند بني يزناسن.
Aucun commentaire