من مذكرات الاستاذ الجامعي بنيونس المرزوقي / الارتسامة رقم 38: 1980-1979: حماس في العمل.. رغم آثار « دعوة » عجوز ساخطة
ليس غريبا أن تقرأ في الصحافة الصادرة في وقت قريب (مثلا نوفمبر 2011) أن هناك شقوق تهدد بانهيار مكتبة كلية الحقوق بوجدة..
وأن هذه المكتبة « تعرضت في أكثر من مرة لإصلاحات و ترقيعات ».. لكن الأضرار بقيت قائمة..
فالموقع الحالي لمكتبة كلية الحقوق.. لوحده يحمل تاريخا غامضا..شُرع في بناء المكتبة، لكن بمجرد مرور بضعة أشهر تصدعت جدرانها..
ورغم عمليات البناء والترميم والإصلاحات، فإنه في كل فترة تعود التصدعات..
ولم يكن هناك من حل إلا إنزال الكتب إلى الطابق الأرضي..
قيل الكثير عن هذه البناية لاحقا..
تم الحديث عن الغش في البناء..
وعن الغش في مواد البناء..
وعن عدم صلاحية الأرض لبناء من هذا الحجم..لكن ما هو مؤكد.. هو أنه قبل الشروع في عملية البناء كانت هناك خيمة..
خيمة تقطنها امرأة عجوز لوحدها..
كان الطلبة والطالبات يتضامنون معها.. يمدونها بما يحملونه معهم من بقايا مطعم الحي الجامعي..
كان لا بد من طردها من هناك للشروع في البناء..
يقول بعض العارفين بالأمور أن تلك المرأة العجوز..
عندما أرغموها على مغادرة المكان..
لم تجد ما تقوم به المسكينة.. إلا..
إلا …
إلا انها « دْعات » عليهم.. فتقبل الله دعواتها..
ورغم أنها توفيت منذ زماااااااان..
إلا أن آثار الاستجابة لدعوتها بقيت قائمة إلى الآن.لا أعرف دعوة العجوز صاحبة الخيمة بالضبط..
لكن بحكم سنها وثقافتها لا يُمكن أن تكون قد « دعت » إلا يما يلي:
« لَهْلا ييسر أموركم.. والله يعطيكم « لخلا ».. وقس على ذلك …
هذه « الدعوة » نتج عنها التصدع المتتالي لجدران البناية..
وكذلك نفور الطلبة من المكتبة..
وبالتالي من حب القراءة..
وهنا أيضا لا زالت آثار دعوتها قائمة لحد الآن.بعد تجربة الدرس الأول، التحقت المجموعة الثانية من الأساتذة المغاربة..
أصبحنا نشكل الأغلبية العددية..
محمد سليم، عبد الهادي الصبابي، محمد شكري، أحمد اصنيهجي، عبد الرحمان أوسامة، عمي علي، محمد شرف، (محمد) أكروح، عبد الباقي أگرار …
مفاجئة هذه المجموعة أننا كنا نعتبر أن اسم عمي علي هو اسم لتوقير أستاذ كبير السن..
خابت تخيلاتنا فقط كان « عمي » اسم عائلي.أصبح هاجس العمل الجماعي يسيطر علينا تدريجيا.
الجو الأكاديمي و »الاجتماعي » كان رائعا بالجامعة:
كنا نتناول وجبات الغذاء خاصة بالحي الجامعي إلى جانب الطلبة..
تدخل مكتب تعاضدية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب لمنحنا الأسبقية في ولوج المطعم دون الالتزام بالصف..
كان الطلبة والطالبات يحيوننا من بعيد: احتراما لنا ولخصوصية جلساتنا..
واضطر مدير الحي الجامعي أن يخصص لنا قاعة خاصة..
طبعا قاعة خاصة وليس أكلا خاصا.في المدرجات والقاعات كانت الدروس تسير جنبا إلى جنب مع أشغال البناء..
أصبح من قبيل الأمور العادية، وأنت منهمك في إلقاء الدرس، دخول مجموعة من العمال..
قد يضطر الأستاذ -أمام ضجيج العمال- أن يتوقف عن إلقاء الدرس.حصيلة تلك السنة: مدرجان وعشر قاعات.. ومعركة:
كانت الإدارة تحرص على تسمية أحد المدرجات بمدرج القدس..
وكان الطلبة يصرون على تسميته بمدرج فلسطين.العلاقة بين الأساتذة بدأت تتوطد..
بحكم انتمائي للتنظيم السري 23 مارس بدأت أفكر في طريقة عمل سياسية بالجامعة..
لم يكن ذلك ممكنا في البداية.. بسبب كون أغلبية الأساتذة غير مسيسين أو بالضبط غير متحزبين..
التحاق الأستاذ عبد الله الإدريسي لاحقا جعلني أشعر بالأمان..
فقد كنت أحس بأنني لوحدي في المعمعة..
ومن الطبيعي أن اشعر بالأمان صحبة أحد الرفاق.علاقة الأساتذة بالطلبة كانت جيدة جداً..
كان الطلبة منظمين ومنضبطين..
كانوا يحتجون على كل شيء إلا الدروس والامتحانات..
بالعكس كانوا يطالبون بمغربة هيئة التدريس..
كانوا ينسقون معنا قبل أي احتجاج..
كان الاتحاد الوطني لطلبة المغرب معهدا للتكوين السياسي قبل النقابي..
كثيرا ما فكرت في هذا الموضوع..
وأعتقد أنهم كانوا يدركون أنه رغم أننا أساتذة فإن جلنا عمل في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب..بدأت الدروس تسير بشكل جيد..
الأشغال التطبيقية إلى جانب الأشغال النظرية..
الطلبة يستمعون في المدرجات للدروس..
ويحملون كل أسئلتهم إلينا نحن « معشر » المساعدين في الدروس التطبيقية..أتذكر أيضاً حملة التشجير التي تمت بالكلية..
كانت حملة مشتركة..
ساهم فيها عميد الكلية..
الأساتذة والإداريون، … والطلبة والطالبات.
كان الحماس كبيرا..
قام الجميع بحملة تنظيف لكل محيط الكلية..
جمع الطلبة والطالبات كل الأتربة والأحجار ومخلفات البناء..
قمنا جميعا بنزع « الشوك » الذي كان أمام الدرجات والقاعات..
بل إن نبتة « السدرة » كانت موجودة في كل مكان..
كل هذا والدراسة تسير بخير في إطار نظام الإصلاح الجامعي لسنة 1978..
نظام الأربع سنوات بعد أن كانت ثلاث سنوات فقط وهذا موضوع سآتي على ذكره..
…
المهم هو أن رحلة الألف ميل تجاوزت الخطوة الأولى
Aucun commentaire