Home»Régional»وماتت البقرة وانقطع الحليب

وماتت البقرة وانقطع الحليب

3
Shares
PinterestGoogle+

كنت دائما أكتب عن هموم ومشاكل الآخرين، وكنت دائما اعتقد أن خدمة الأخر هي رسالة وواجب ديني ووطني، وكنت أحس على وجهي بألم كل صفعة توجه إلى مظلوم في هذا الوطن،لم أتردد يوما لحظة واحدة عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن القضايا العادلة، لقد خسرت الكثير من أجل مرافعاتي لصالح أبناء وطني أو مدينتي، وما مسنا لغوب ،كنت أشعر بالسعادة والفرح عندما تقضى حوائج الناس على أيدينا،كنت مسكوناً بآلام وآمال شعبي …كنت ذلك الشخص الذي يمثل صوت من لا صوت لهم، ويجسد قيمهم ويستمسك بها من دون مساومة أو تفريط حاولت دائما البقاء بعيداً من السلطة في جميع أشكالها حتى لا تقيد تفكيري أو تحد من مسار أفكاري أو توجهه وفق مصالحها ورغباتها، وخسرت الكثير من صداقات المسؤولين، ولم نكترث لذلك… و كان ذلك حلقة من صيرورة طويلة…لقد كتبت على الناس طويلا، فاسمحوا لي اليوم أن اكتب عن نفسي، حتى يعلم الناس أن الكتابة لم تكن » لوكس » أو متعة، أبدا بالنسبة لنا بل متنفسا وعلاجا.
خلال سنوات النضال ورغم قساوة المخزن وسنوات رصاصه البغيض، كنت دائما أرى أن تبني قضايا شعبنا الطيب المغلوب على أمره هو اختيار إرادي باعتبارنا جزء منه، وكنت دائما أرى أن الموت ألف مرة فوق تراب الوطن أهون من التفكير بالخروج خارجه،إن الحرب الطبقية التي شنت علينا منذ سنوات التقويم الهيكلي السوداء، دفعت الكثير منا للتخلي عن عالم الأفكار والنزول إلى الشارع للمطالبة بالحرية، والدفاع عن حقوق المجتمع في العيش بكرامة وتحقيق العدالة الاجتماعية،وحتم علينا وضعنا الطبقي النضال مع الجماهير التي وجدت نفسها مقصاة، ومحرومة من أي نصيب لها من مكاسب نضالها الطويل ضد الاستعمار الأجنبي…  كنت أحمل كفني في حقيبتي فوق دراجتي الهوائية النسائية الحمراء، ولم أكتب أبدا وصيتي، لأنني كنت اعلم أن المناضلين من ورائي كثر…حوالتي لم تكن تتعدى 3000 درهم،كان كافية لتغطية 18 يوما من كل شهر، وكنا نكمل بقية الشهر بزيارة الأقارب وصلة الرحم، ورغم ذلك كنت سعيدا ومعتزا بوطنيتي…

كنا نملك أشياء كثيرة لكننا لم نكن ندرك قيمتها،مات أبي رحمه الله ولم يترك لي إرثا ما عدا 10 إخوة صغار، كان رزقهم على الله،شاركت والدتي، شافها الله، في مقاومة الاستعمار الفرنسي وكذلك أبي، لكن اللجنة التي جاءت من المركز ذات يوم لإحصاء المقاومين في الجهة الشرقية، والتي اتخذت « كازا أسبانيا » مقرا لها، طالبت والدي ب 200 درهم، لم يكن يملكها حتى يصبح مقاوما، وهكذا تنتهي القصة…وماتت البقرة وانقطع الحليب… لقد ورثني أبي رحمه الله حب الوطن،وها أنا أعيد إنتاجه،لم أعد أعرف هذا الوطن الذي ناضلنا من أجل إقرار الديمقراطية داخله، كنت أظن أن الشعوب تتعلم في الديمقراطية، حتى ولو أخطأت، لكن أهلنا لم يتعلموا شيئا، وانتشرت « الأمية الثورية »، وتقاضى المناضلون والثوار ثمن نضالهم وسنوات سجنهم إلا من رحم ربك، واغتنوا في حضن المخزن،وأصبحوا جزءا منه،وظهرت عليهم مظاهر النعمة و »المال الثوري »،وتنكروا للفئات الشعبية، وغاب صوت المثقف وضاعت النماذج والقيادات، وظل المثقف إما رهين الخوف، وإما محامي الشياطين، ما بين متملق، أو خائف منزو يريد السلامة… وأصبح المغنيون والمغنيات والراقصون والراقصات هم القدوة،وباعت النقابات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار » الماتش »، واستغلوا الدين وركبوه، فأخذوا المكاسب والمغانم، ولم يتركوا للناس دين ولا دنيا، فأخذوا الدنيا، وفتنوا الدين ،وساء ما يفعلون ،وتواطؤوا مع المخزن في تدجين القوم، وسجل زعماؤها وحفظوا مقاعدهم على رأس هذه الكيانات، ولن يزحزحهم منها إلا ذو القوة، ومن حقهم فعل ذلك لأن لا أحد طالب من الأحزاب والنقابات أن تكون ديمقراطية،وحتى مفهوم الديمقراطية كآلية للوصول للسلطة لم يناقش بجدية في هذا الوطن،ربما لأن لا أحد يؤمن بها،أولأنها فكرة « كافرة » أو هما معا…وهاهم يساهمون في تفكيك الدولة الاجتماعية تحت إنارة القنديل، سواء بمباركة علانية أو بسكوتهم المريب، وها هم ينفذون توصيات صندوق الدمار الشامل، هاهم يمررون قرارات لا شعبية لم تستطيع أي حكومة في تاريخ المغرب القيام بها،بينما صمت المثقفون الموظفون في المؤسسات البحثية والأكاديمية، والخائفون من ضياع وظائفهم بمجرد إبداء آراء أو مواقف ضد النظام، فانتشرت  » فوبيا الإعفاءات »، فتخاذل المثقف عن أداء دوره التاريخي، خيانة لأمانة التفكير الإنساني العقلاني النقدي التي أُوكلت له وتواطؤ عمليا مع السلطة. كلنا تأخرنا عن شعوبنا، وبتنا نخشى على أنفسنا، ومصالحنا ووظائفنا، وقليل قليل منا من طرد الخوف، ورفض التقرب أو التحالف مع السلطة، ولم يبع ضميره لأي شيطان كان، لقد عاد زمن « فوست ».
هنــآك أناس يشعـرون بالغربة وهم بين أهلهم في وطنهـم، فأنا اشعر بالغربة وسط أهلي وأصدقائي، وحيث ما ألتفت فلا أجد أحد يفهم ما بداخلي، إنني أعيش ما يعرف ب »متلازمة غربة الروح »، لماذا يا وطني كل رجعت لك إلا وأصابني الحزن. أن أشد ظلم هو ظلم الأقربين ، وإذا كان الخذلان من ذوي القربى فهو الظلم العميق ، الذي لا تمحوه حوادث الأيام، فأقول لهم إن أكلتم لحمي… وفرت لحومكم، واعلموا أن الاغتراب صعب ، والبقاء داخل الوطن أصعب ،فاصبر فالعاقبة بالصبر جميلة ، فصبر جميل ، والله المستعان على ما تصفون، سنكتب يوما،سنكتب كلنا،عن ذلك القطار الذي انتظرناه في المحطات طويلا،لكنه لأسباب غامضة لم يأت…
محمد حومين

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *