ملاحظات اولية حول المذكرة الوزارية رقم 60
ملاحظات اولية حول المذكرة الوزارية رقم 60
تلقى رجال التعليم في المدة الأخيرة مذكرة وزارية تحت رقم 60صادرة عن وزارة التربية الوطنية يوم 24 ابريل 2008 وهي تتعلق بتنظيم الدخول المدرسي لموسم 2008 / 2009. فبعد الأشادة بالخطوات التي قطعها التعليم ببلدنا اثر تطبيق بنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، تقوم المذكرة بتحديد بعض الأهداف الأستعجالية التي تعمل الوزارة جادة قصد بلوغها ومن جملة هذه الأهداف تعميم التعليم الأولي والأبتدائي والأعدادي مع توسيع قاعديته في التعليم الثانوي التأهيلي وترسيخ الحكامة الجيدة وتوطيد اللامركزية والاتمركز لتحقيق الجودة . ومن أجل تعزيز هذه المكتسبات اعتماد مقاربة جديدة تجعل التلميذ والفصل الدراسي والمدرسة في صلب الأنشغالات اليومية للفاعلين في الحقل التربوي .
لحد الآن تبدو هذه المقدمة من المذكرة المذكورة عادية جدا لكنها سرعان ما تتناقض مع نفسها ومع الواقع حيث تقول في فقرة من فقراتها " …يقتضي اعتماد مقاربة جديدة …" وكأن المقاربة القديمة لم تكن ناجعة وهي فعلا لم تكن كذلك من منطلق آخر الا وهو تقرير البنك الدولي والمجلس الأعلى للتعليم ، هذه اشارة عابرة فقط لتهافت المذكرة وليس هذا أساس هذه الملاحظات .
وتستمر المذكرة بعد ذلك في تحديد أهداف الدخول المدرسي المقبل وهي كالتالي :
ــ تأهيل المؤسسات التعليمية
ــ الحد من الهدر المدرسي
ــ الحد من الأكتظاظ ومعالجة حالاته
ــ محاربة ظاهرة غياب الأساتذة
ــ الأرتقاء بالقدرات التدبيرية لهيأة الأدارة
بعد تعداد هذه الأهداف يتم التوسع في تبيان كيفية تصريفها على ارض الواقع
ففي النقطة المتعلقة بظاهرة التكرار والأنقطاع والهدر المدرسي تدعو الى تقليصه الى 50 في المائة في افق هذا الموسم الدراسي وذلك باعتماد مجموعة من الآليات التي تم ذكرها و أغلبها اذا لم أقل كلها اعتمد بدون نتائج تذكر . ان نسبة النجاح الموجودة حاليا وبكل صراحة ونظرا للمستويات المتدنية التي نعايشها يوميا ، لا يعقل ان نعمل على الرفع من نسبة الرداءة أكثر مما هو حاصل الآن ؟
أعتقد ان من أهم الأسباب التي ادت الى فشل المنظومة التربوية عندنا هو الحديث بلغة الأرقام فنحن في التعليم الأساسي نطبق الخريطة المدرسية التي تفرض على الأستاذ السماح لكل من هب ودب بالنجاح الى المستوى الموالي ، وكل استاذ سولت له نفسه الحرص على انجاح الذي يستحق فقط يعارض بشدة من طرف الأدارة التي تقف له بالمرصاد " الكل ناجح " ومن هنا تبدأ المشاكل : فهل يعقل ان نقبل بنجاح تلميذ من مستوى الى آخر بمعدل لا يتجاوز 2/20 فهذا التلميذ سيراكم الفشل وسينتقل من الأعدادي الى الثانوي بمعدل 7/20 ولن يفلح لا محالة في الأمتحان الجهوي ومن ثم الوطني …
وتتحدث المذكرة عن الأكتظاظ وكأنها ستقدم حلولا سحرية ينعم بها التلميذ ومن ثمة المدرس لكن مع الأسف يظل الرقم 40 و 45 تلميذ في القسم عند الوزارة لا يعتبر اكتظاظا… فمن يعرف جيدا قاعات الدرس خصوصا تلك التي شيدت في السنوات الأخيرة وهي لا تستوعب في فضائها أكثر من 30 تلميذا مما يعني ان دار لقمان ستبقى على حالها … وللتنفيس عن كربة التلاميذ من غمة الأكتظاظ تقترح المذكرة تحفيز التلاميذ على المشاركة في الأنشطة التربوية للمؤسسة في برامج الدعم المختلفة ..
ان تلميذا او مدرسا يعيش طيلة ساعات يومه ضمن أقسام تلك خصوصياتها لا ينتظر الا الخلاص والهروب من هذا القسم والنفاد بجلده من المؤسسة التعليمية ما دامت أغلب جداول الحصص بدورها " مكتظة " لا تسمح للتلميذ بأي نشاط مواز … نفس الشيء ينسحب على المدرسين الذين يشتغلون بجداول حصص غالبا ما تكون كاملة : فهل يعقل ان يطلب من المدرس تأطير انشطة موازية في مثل هذه الظروف ؟؟؟
النقطة التي أفاضت الكأس في هذه المذكرة رقم 60 وهي التي اثارت حفيظة رجال التعليم تتعلق بمحاربة ظاهرة غياب الأساتذة تقول المذكرة " في اطار الحد من ظاهرة التغيبات غير المشروعة لنساء ورجال التعليم يتعين ….."
لغة غريبة تتكلم بها الوزارة في هذه المذكرة …كنا نلصق التغيبات بالتلاميذ فقط والآن نلصقها برجال التعليم وهذه سبة لا يمكن ان تغتفر حيث انعدمت الثقة وكأن كاتبي ومحرري المذكرة لا ينتمون الى حظيرة التعليم …فهل الشواهد الطبية المقدمة الى الوزارة تدخل في اطار التغيبات غير المشروعة ؟ هل الأضرابات تدخل هي الأخرى في التغيبات غير المشروعة ؟ هل رخص الزواج والولادة والوفاة تدخل هي ايضا في التغيبات غير المشروعة ؟ هل بعد انقطاع التلاميذ استعدادا للأمتحانات يمكن اعتبار عدم توقيع الأستاذ غيابا غير مشروع ؟
فلنقم الآن باحصاء أعباء المدرس سواء داخل او خارج الفصل :
ــ انه يقوم بتهيئ الفروض وتصحيحها ليلا
ــ انه يقوم باقتراح مواضيع الأمتحانات الأشهادية ويصححها
ــ يشارك بشكل فعال في عملية الحراسة خلال كل الأمتحانات التي تجري بمؤسسته
ــ انه يشارك في المداولات
ــ فهو عضو مجالس المؤسسة ـ يحضر الأجتماعات التربوية والتأديبية والتدبيرية
ــ يشارك في العديد من اللقاءات التربوية سواء مع الأدارة ، او في اطار المقاطعة مع المراقب التربوي
ــ يمثل المؤسسة في العديد من الأنشطة الثقافية او الرياضية خارج اوقات العمل
ــ تحضير الدروس الذي قد يستغرق احيانا ثلث الليل خصوصا امام برامج تتطلب مجهودا كبيرا من طرف المدرس
هذا بالأضافة الى العديد من الأعباء المرتبطة بالتلاميذ والقسم والمؤسسة …الخ فكل المهام التي يقوم بها رجل التعليم يتم المرور عليها مر الكرام بحيث لم يتبق عند واضعي هذه المذكرة الا بعض الغيابات القليلة والتي لا يمكن ان تكون قاعدة تنطلق منها
فاذا تمعنا في معدل العمر بالنسبة لرجال التعليم ــ حسب قول مسؤول رسمي ـ نجد ان أغلبهم تجاوز سن الخمسين ، فهل يعقل ان يمارس استاذ مثلي لمدة 30 سنة في القسم ولا يشعر بالعياء والأرهاق والتعب في قسم يضم أكثر من 45 تلميذ بحصة اسبوعية 21 ساعة ، ومع ذلك لا يكون من حقه شهادة طبية الا مرة في السنة ولا يتجاوز 3 مرات … فأغلبنا يصاب بالزكام خلال السنة الدراسية ومع ذلك لا يتغيب برخصة ، والذين اشتغلوا في النظام الفرنسي القديم يعرفون ان المدير كان يأمر مثل هؤلاء المدرسين بمغادرة المؤسسة وتقديم شهادة طبية لكي لا تنتشر عدوى المرض بين تلاميذ الفصل ، اما اليوم فيكتفي اي مسؤول بالقول " غير الرواح او صافي …هذا ساهل " … هذا بالأضافة الى ان الكثير من رجال التعليم يعانون من عدة امراض ولربما أجزم ان أكثر من 70 في المائة من رجال التعليم مصابون بالسكري ، وبارتفاع الضغط وهي امراض العصر تتركز اساسا عند هذه الفئة المهنية وهي ناتجة عن التوترات التي يتعرض لها المدرس داخل الفصل ( الا يكون من حقنا ان نرفع دعوى قضاية ضد الوزارة التي تسببت لنا في هذه الأمراض ؟؟؟؟)
وهكذا تطالب المذكرة رقم 60 بضبط تغيبات المدرسين وذلك بوضع سجل بداخل المؤسسات التعليمية خاص بتوقيع المدرس لأثبات حضوره ، فقد نتفق مع هذه النقطة لكن ضمن حدود معينة اي مع حضور التلاميذ لكن عندما يغيب التلاميذ وتنتهي عملية اعطاء الدروس لا يطلب من المدرس الحضور يوميا الى المؤسسة الا ضمن المهام التي يقوم بها والتي سبق ذكرها ، اما الحضور للجلوس بقاعة الأساتذة يوميا ( وهي قاعات لا تتوفر حتى على كراسي في الكثير من المؤسسات التعليمية ) فهذه مسألة اعتقد انها مسألة مبالغ فيها ، واذا تم فرضها فان الساحة ستتحول الى سوق ومغسلة ومطبخ …اي الى مخيم صيفي بمعنى الكلمة …
اتمنى ان تكون هذه الملاحظات الأولية قد وجدت من يمحصها خصوصا المسؤولين الذين هم ــ مع كامل الأسف ــ رجال التعليم قبل كل شيء ويسيؤون بمثل هذا التعامل الى رجال التعليم اي الى انفسهم ./.
4 Comments
سلام الله عليكم أستاذي العزيز قويدر عكري. ممن تطلب التمحيص؟ الواجب أن يرفضها رجال ونساء التعليم ولا يرسخوا الشتائم في حقه. أقول: إن الغياب له مسطرته، فلو افترضنا جدلا أن رجال ونساء التعليم يتغيبون، فمن نمى هذه الظاهرة، اليس الإدارة التي لا تفعل القوانين؟ أعتقد أن الغياب يتحمل فيه المسؤولية الشخص نفسه والإدارة ولا يمكن اعتماده في فشل التعليم! إن فشل التعليم ناتج عن فشل السياسة التعليمية. والمذكرة تفسح عن ذلك؛ فكيف نحارب الاكتظاظ بالاكتظاظ. وكيف نطلب من مؤسسة تعليمية لا تحمل من المؤسسة إلا الاسم أن تقوم بواجبها وجدرانها أكلتها عوامل التعرية بما فيها التعرية التي يجريها الإنسان عليها! كيف يتحمل أهل الميدان الفشل وحدهم والكتاب المدرسي كله أخطاء؟ كيف نكون طرفا في الفشل وهيئة التدريس والإدارة التربوية والتفتيش التربوي يعاني من ممارسات الوزارة والأكاديميات والنيابات ما يعانيه من أزمات؟ كيف وكيفيات كثيرة يجب على الوزارة أن تسأل نفسها عنها. إن الوزارة توطن بعض الممارسات الميدانية المريضة ولا تحرك ساكنا تجاهها وأخيرا تلوم أهل الميدان؟ ولي ملاحظة أخرى: ألا يحتاج جهاز التفتيش إلى تطوير أداءه التدبيري أم سقط سهوا من ذاكرة الوزارة. عليك أخي أن تطلع على دليل الدخول المدرسي لسنة 2008/2009 حتى تجد الأجرأة الفعلية التي تنوي الوزارة في شأن المذكرة 60. لكم الشكر على إثارة هذا الموضوع. والسلام
الاستاذ المحترم عكري اشكرك جزيل الشكر على هذه المقالة.واقوم لك انك عبرت عن اراء اغلب رجال ونساء التعليم.ان هذا النوع من المدكرات ينم عن المستوى الذي يتميز به الذين في يدهم مصير قطاع حيوي ببلادنا.فنعد مقولة التعليم قطاع غير منتج .ها هم يريدون تطبيق نظام الشركات على هذا القطاع .اما ما عدا ذلك فلا يهمهم في شئ .لان اغلبهم ان لم نقل كلهم .يدرسون ابناءهم في مدارس البعثات او المدارس الخصوصية .فشكرا لك.
إنها فعلا مذكرة الفتنة، وإحداث البلبلة والتوتر داخل أسوار المؤسسات التعليمية. الموسم المقبل سوف يبدأ بالوقفات الاحتحاجية وصياغة البيانات وجمع العرائض وو… إن إلزام الأستاذ بالتوقيع على رأس كل ساعة حتى بعد انقطاع التلاميذ عن الدراسة إجراء لا يقبله العقل والهدف منه هو الرغبة في إذلاله أو تعذيبه وإهانته عوض شكره على المجهود الذي بذله طيلة السنة الدراسية. كما أن التلويح بالاقتطاع من أجور الأساتذة المضربين هو بمثابة إعلان الحرب على الأستاذ، الشخص الوحيد ربما في المنظومة الذي لازال يقوم بعمله بانتظام وثبات. وإذا كان الأمر يهون بالنسبة للمقيمين، فهل فكر مهندسو المذكرة في المتنقلين يوميا من وجدة إلى تاوريرت وعين بني مطهر وجرادة وبركان…. يذهبون للتوقيع في السجل ثم يعودون؟؟؟!!! ياله من عبث في زمن الارتجال … هل حصلنا على الشواهد العليا من أجل العبث ؟؟؟ كان الأجدر بالمذكرة أن تفكر لنا في شغل ما عوض الذهاب والإياب فقط. القيام بحملة نظافة مثلا وكنس الأقسام وصباغة السبورات وأسوار المؤسسة حتى تكتمل الصورة ويرضى عنا البنك الدولي!!!
إن الإهتمام من الهم ولا شك أنك صديقي تحمل من الهم الشيئ الكثير وهذا الهم يجب أن يضاف إلى الأعباء التي يقوم بها المدرسون في هذا البلد : من يحرك النقابات ؟ ومن يسير الجمعيات ووداديات الأحياء ؟ ومن يتابع الأخبار ويكتب الأشعار ؟ ومن يتجرأ على قول الحقيقة حينما تصبح طريقا مليئا بالأشواك ؟ من يحترق غما لهذا البلد ؟ ومن يخيف الغشاشين والمرتشين؟ من تتابعه الأعين بالحسد ، ويجرتعبه الدائم بصبروجلد ؟ من يحفظ تاريخنا من النسيان ويصون ذاكرة الوطن ؟ من يعطي للحياة معنى كل صباح ، حين تتحرك الأرجل الصغيرة متجهة إلى المدارس ( إلى المستقبل) ؟ لمن تسلمون أيها الآباء أبنائكم حين يكثر الشغب ويمتد تعبكم الطويل ؟