حكايا استاد متقاعد ـ الحلقة 7 ـ : في أحضان الجامعة
غادرنا الفندق في اليوم الموالي لنلتحق بالجامعة.
كان حي،،الملاح،، الذي قضينا الليل بين ظهرانيه أولى المعالم التي شدت إليها أنظارنا.
إن أزقته الضيقة،وكثافته السكانية،وبالخصوص طبيعة البناء، تختزن أحداث قرون خلت بحلوها ومرها.
بعض هذه الأحداث سأستقرؤها فيما بعد حينما أقف بجلال أمام مدرسة ابي عنان المريني،ومدرسة الصفارين والعطارين وغيرها من العلامات الحضارية التي تزخر بها هذه البقعة الطيبة من وطننا.
غير أن هذه المعالم كلها لا تملك إلا أن تنحني إجلالا لضريح المولى إدريس وجامعة القرويين!
عندما تخلصنا من دهاليز ،،الملاح،،كان لابد لنا من التوقف أمام صرح اخر من صروح فاس: إنه القصر الملكي ذي الأبواب المذهبة : لاشك أن المظهر يشي بعظمة المخبر!
بعدما متعت لواحظي في هذا القصر المنيف،تذكرت بلقيس حين كشفت عن ساقيها وهي تطأ بلاط الصرح قبل أن يستقبلها مضيفها نبي الله سليمان،في حين اكتفيت بمضاعفة الخطى مع صديقي وكل واحد منا يحرر أولى انطباعاته حول هذا العالم الجديد علينا!
إن الحي الذي غادرناه،يعتبر وباقي الأحياء المرتبطة به النواة الأولى لمدينة فاس،وهو الحد الفاصل بين المدينة القديمة والعصرية.
وبالفعل،فقد سلكنا شارعا فسيحا ونحن في طريقنا إلى الجامعة مرورا بساحة،،فلورنسا، ثم حي الأطلس فالليدو.
كانت جامعة ،،سيدي محمد بن عبدالله تقع يومئذ خارج المدينة بجانب ثكنات عسكرية،وبداخل الحرم الجامعي معهد للجلد والنسيج طالما يسر سبل العمل لخريجه.
كنا على موعد مع طينة غير مألوفة من المواطنين في هذه المدينة،فسكان ،فاس،حباهم الله بأدب جم في المعاملة إلى درجة تجعلك تخجل من نفسك حينما تخونك الكلمات المناسبة للرد على محدثيك في كل المجالات،فكيف إذا تعلق الأمر بأهل العلم والمشتغلين به؟
لقد تولد لدي شعور بتقبل ما يصدر عن هؤلاء بصدر رحب ولو تعلق الأمر بضياع حق من حقوقي!
لا أجد غرابة في كل هذا : ألم يقولوا: إن من البيان لسحرا !
تمكنا من حجز غرفة بالحي الجامعي،ثم كان على كل واحد منا أن يتخذ القرار الصعب،ألا وهو اختيار الشعبة التي سيحدد مستقبله من خلالها.
صادف التحاقنا بهذه الجامعة افتتاح أول كلية للحقوق بها،فما كان مني إلا أن اخترت شعبة العلوم السياسية،واختار الأخ محمد الوالي العلوم القانونية،بينما انتسب الأخ البشير بنعالية إلى كلية الأدب/ شعبة التاريخ والجغرافيا.
لن أجانب الصواب إذا اعترفت بأنني دشنت دخولي إلى رحاب الجامعة بخطإ في سوء التقدير: لقد خلقت للأدب فنقضت العهد،وكان لا بد من ثمن لنقض العهد.
Aucun commentaire