عندما يتنكر الصحافي لمبادئه
عزيز باكوش
جريدة المساء المغربية تشن في الوقت الحالي حملة طرد واستغناء غير مسبوقة الإنذار على عدد من مراسليها الذين نعتتهم ب"المتعاونين" و غير الجديرين بالاستمرار بالعمل معها وبإسمها، لأنهم وبكل بساطة مجرد متعاونين من غير تعاقد ملزم ،وليسوا موظفين في طاقم هيئة تحريرها" يحدث هذا بعد أن استوت الجريدة من مجرد منبر إعلامي مبتدئ الى مقاولة ناجحة ،وأصبح لها شأن وقراء بعشرات الآلاف بواسطة هؤلاء المراسلين الذين باتوا بين عشية وضحاها مجرد "متعاونين.
بهذه العبارات لخصت الصحافية المتخلى عنها حنان الطيبي مراسلة الجريدة من فاس قضيتها مع جريدة المساء .
والحقيقة ، إن الحديث عن رشيد نيني ومن خلاله جريدة المساء طويل وشيق، لسببين رئيسيين .الأول نظرا لان هذا الصحافي قد ارتبط فكرا ووجدانا بأغلبية ساحقة من القراء المغاربة . الأمر الثاني لأنه واحد من الكتاب والصحفيين الذين اعتلوا درجات الارتقاء المادي والمعنوي في لمح البصر، ودخلوا باب الشهرة عبر الكتابة الصحفية من أوسع أبوابها .
وبعيدا عن أي أطروحات تلميع او مزايدات تقليل أهمية باتت يندرج ضمن اختصاصات المركزيات النقابية و رجال السياسة " وعاشقي نظرية المؤامرة كطريق مختصر وسهل ، الصدق نقول " أن تأثير عمود "شوف تشوف" على الصفحة الأخيرة للجريدة المذكورة في نفوس القراء والرأي العام المغربي بات يتجاوز تأثير كافة الأحزاب السياسية المغربية على الأقل من حيث الاهتمام والمتابعة. مما جعل البعض يصف اليومية ب" الجريدة التي تقرأ من الخلف.
ليس فقط لأن كاتب العمود رجل موهوب ، وإنما لأن رشيد نيني كان يرى وما يزال في العمود الذي يخطه كل صباح لجريدة الصباح ، وفيما بعد " المساء " سلاحا ناجعا وفعالا ضمن معركة لم يسبق لها أن كانت متكافئة بين القلم والرصاصة على هذا النحو ، او هكذا يتصور.
ويعتبر عمود رشيد نيني " شوف تشوف "الذي يخطه كل صباح بجريدة المساء التي يشتغل مديرا لها، واحد من كتاب الأعمدة الناجحين في المغرب وفق استطلاعات غير رسمية . ويحلو للكثير من القراء الذين تجاوزوا عتبة المائة ألف ذات صيف ، أن يصنفوه كاتبا الفقراء بامتياز، وناطقا باسم المعارضة الشعبية في غياب معارضة سياسية حقيقية . وهو في نظرهم الى ذلك ، العمود الذي يفضح ويعري كافة أشكال الفساد في البر والبحر المغربي ..بدء من القيادة السياسية لحزب الاتحاد الاشتراكي الذي يكن له عداوة لا تحد ، مرورا بحزب الاستقلال الذي قال في زعيمه عباس الفاسي ما لم يقله أبو نواس في الخمر .. لكن معظم قراء هذا العمود سيصابون فيما بعد بذهول شديد وخيبة أمل كبرى . ذلك أن عباس الفاسي ورغم كل ما قيل في حقه من تقريع وتشهير ، حصل على رتبة متقدمة في اقتراع 7 شتنبر حيث بؤأته المنهجية الديمقراطية المزعومة منصب الوزير الأول .
العمود نفسه سيدبج في حق عمدة فاس حميد شباط ما لم يقله في… وبذلك لم يكتف حميد شباط "الاستقلالي" بمقعده البرلماني فحسب ، وإنما أضاف وصيفا ثانيا الى لا ئحة حزبه وهي من المفارقات الصارخة في علاقة الصحافة بالرأي العام . وبذلك ضمن المبخس به على صفحات الجريدة حميد شباط الريادة والعمادة والقيادة. ويخشى الكثيرون أن يعمق العمود فجوة شتمه لفتح الله ولعلو " القيادي الاتحادي "الذي بات لازمته في كل مقاربة اقتصادية ، أن يتبوأ هذا الأخير منصبا في أرقى المؤسسات الاقتصادية العالمية، وهو أمر وشيك الوقوع.
حنان الطيبي تستمر في روايتها للأحداث فتقول "
"
إذا كانت جريدة المساء قد أصبحت من بين الجرائد اليومية الأكثر قراءة على المستوى الوطني، فذلك في تقدير الكثيرين راجع بالأساس إلى ما بذله جنود الخفاء من مراسليها من مجهودات جبارة ما كان جزاؤهم عليها إلا جزاء سنيمار، على حد تعبير المراسلة نفسها" هؤلاء الذين "احتكوا وعاشوا وعاينوا أحداث وحوادث مكثفة ومخيفة من انهيارات منازل ومحرقات معامل ، وتعرض بعضهم إلى التهديدات بالخطف والاغتصاب، وكونوا رصيدا لا يستهان به من الأعداء، على خلفية النبش وراء ملفات غامضة ومريبة لا لشيء سوى لإطلاع الرأي العام على حقيقة كواليس المجتمع، في اعتقاد خاطئ منهم أن وراءهم ظهر صلب يحميهم" لكن …."
ليس هناك أدنى شك ، في أن قلما قويا ومثابرا يملك أفكارا رائعة والتزاما صادقا بإمكانه أ ن يغير وضعا قائما .
كما انه ليس هناك شك في أن "مجموعة صغيرة ومثابرة تملك أفكارا وازنة والتزاما صادقا بإمكانها تغيير العالم بأسره".
لذلك ، بفضل تضحيات هؤلاء المراسلين وأولئك المراسلات ،هؤلاء المتعاونين واولئك المتعاونات. الذين لفظتهم الجريدة كأي بوزبال ، الى ان وجدوا أنفسهم خارج التغطية.
بعد مرور أكثر من سنة على ولادتها ، أضحت" المساء "منبرا إعلاميا يتصدر قافلة الورقي برقم مبيعات تجاوز المآت بآلاف. ومع هذا التقدم ، نشآ طاقم من المتعاونين الذين اغنوا التجربة بحبهم للمهنة ورغبتهم في تطوير قدراتهم ومنح " المساء" التي تقرا كل صباح الريادة التي تستحق ، لكن وحينما تحقق للمساء حلم الريادة، تأبى إلا أن تعاكس طموح كافة المتعاونين معها ، إذ في الوقت الذي بدأ يشعر هؤلاء بتحسن ملموس للوضع المادي لجريدتهم ، وبالتالي سينعكس إيجابا على تطوير كفاءتهم ، عبر تكوينهم او ارتقائهم مهنيا ، تقرر الجريدة الأولى الاستغناء عن خدماتهم كما هو الشأن بالنسبة للزميلة حنان الطيبي من فاس . والقائمة طويلة. طبعا من حق اية جريدة التصرف بما يليق وخطها التحريري ..لكن ليس على حساب كرامة الصحافيين والمتعاونين .
لنستمع إليها وهي تحكي بقلمها تفاصيل موجعة عن لقائها بمدير النشر بجريدة المساء الصحفي رشيد نيني "
تقول حنان عندما سألناها فيما إذا كان غرور اليومية والتباهي بتصدرها قائمة الورقي المغربي ، وبوصفها اليومية الاكثر مقروئية في المغرب سببا في الاستغناء عن خدماتها كمراسلة قالت حنان :
..بالفعل ففي تقديري ، فإن رشيد نيني مسه مرض الغرور والاستعلاء والجحود أيضا..فقد استغنى في الوقت الحالي على عدد لا بأس به من المراسلين الذين وقفوا إلى جانب الجريدة منذ ولادتها..للأسف الشديد ليس بعد عشرين سنة كما توقع البعض ، ولكن بعد اقل من سنتين من صدور جريدة المساء..رشيد نيني انتزع اللقمة من أفواه مراسليه..وتمادى في غروره واستعلائه..نتمنى له الشفاء العاجل من هذا المرض المدمر، فما الغرور إلا أول خطوة في طريق الفشل.."
بدورنا نتساءل مع احد الزملاء :
"هل يمكن للصحافي أن يظل منتصرا لأفكاره وقناعاته دائما وأبدا، ولا يمكن أن يعتريها أي تغير أوتحول في سياق مركبات مصالحية او تمظهرات اقتصادية متنامية ؟
الغريب، والملفت هنا ،أن العديد من الذين كانوا الى عهد قريب ، ولا يزالون صحافيين ومدافعين عن الحق العام ، ويطالبون بإنصاف الأجراء في اوراشهم ، ومناصرة المظلومين في المعامل والمشاغل والمركبات التجارية والصناعية والخدماتية ، هم أنفسهم الذين يمارسون الإقصاء التبخيس في حق من يعتبرونهم أجراء . وهم يتصرفون في مصائر وأرزاق متعاونين بالصراخ بقسوة في وجوههم في هذه النقطة بالذات تقول حنان " . ..نظرت إليه" نيني" باستغراب ودهشة وكأنني أؤكد موعدنا..إلا أنه لم يبال بوجودي..ظننت لبرهة أنني شفافة وغير مرئية، تبعته خطوتين عله يتصدق علي بالخمس دقائق..فحمل هاتفه النقال للرد على مكالمة، وفجأة تقدمت نحوه سيارة رباعية الدفع فاخرة سوداء من نوع (الكاط كاط) كما يحدث للقادة السياسيين والشخصيات المهمة كما في الأفلام الأمريكية، وفجأة التف حوله حراسه (من البودي كارد) وفتح أحدهم باب السيارة بسرعة فائقة ليركب رجلنا المهم وانطلق دون أن يعيرني أدنى اهتمام، حينها أحسست بكثير من الهوان والذهول"
من حق حنان ان تغضب وتحزن وتتساءل ، الم يكن باستطاعة هؤلاء الرجال الكبار أن يتواضعوا ، وان يرفعوا إيقاع نجاحهم باستقبال المتعاونين وتأهيلهم بدل بهدلتهم وإشهار الأمن الخاص في وجوههم على سلم العمارة . اللهم لا خجل .
الم يكن من الضروري الاحتفاظ بالصحفية بمكتب الجريدة كمتعاونة كما حدث بمراكش وغيرها من المدن المغربية .. في أفق إعادة هيكلة مكاتب المساء التي تلوح بها الجريدة نفسها ؟
في عمود "شوف تشوف ليوم الخميس 15 ماي نقرأ للكاتب نفسه :
"
يجب أن يتعلم المغاربة معنى الكرامة والشرف وعدم الخضوع للمساومات. والاهم من ذلك انه يجب عليهم ان يختاروا بين أن يكونوا آدميين كما خلقهم الله وكرمهم وبين أن يكونوا مجرد " بخوش" كما يعتبرهم بعض الذين يتحكمون في خبزهم اليومي".
وبناء على وقائع ما جرى لنفس الكاتب مع مراسلة صحفية معه ، فان أحسن شيء كان من المفروض أن يقوم به صاحب العمود هو استقبال المراسلة بما يليق بها ، كأي مواطن له كرامة ، وليس تبخيسها و التشفي فيها في درج العمارة على سلم جريدته من دون احترام لكرامتها . او إنسانيتها او تضحيتها مع الجريدة على مدى سنتين .
بقي أن نسأل هل من مبرر آخر لإثبات المأثور: لا تنه عن خلق وتأتي مثله .
يرى الباحث في علوم التربية محمد بو بكري إن الكائن " المستبد ليس حرا إذ يتظاهر بكونه كذلك ، لكنه في العمق يعتدي على حريته الخاصة باعتدائه على حرية الآخرين". ويضيف في علاقة سياق " فلا يجب أن ننظر الى فشل البناء الديمقراطي لمجتمعنا وتحديثه بوصفه مجرد فشل لمشروع هذا الفرد او ذاك، او هذه الجهة او تلك ، وإنما هو فشل أشمل وأعمق للمجتمع كله. ولا يقتصر هذا إطلاقا على مجرد فشل المشروع بمعناه السياسي الاقتصادي والمعرفي بل هو فشل شامل. فشل العقل في الفهم والاستيعاب والتصدي والفعل والإبداع".
عندما يتحدث مدير جريدة المساء عن الجرائم التي ترتكب في حق الأشخاص والإدلاء بأسماء المنكلين بهم ، فهو بالتأكيد لا يقصد نفسه ، "فالتعليق عن الإخبار حتى وهي لا أساس لها من الصحة هواية مفضلة لديه" ، والسخرية من يعتبرهم مترفعين عن الشأن العام ، ومحتقرين لبوزبال ،تهم الآخرين فقط . لذلك يأبى رشيد إلا أن يجعل للبسمة طريقا واضحا الى وجوه عشرات الآلاف ممن أدمنوا عموده ، فقط للادعاء . ولو علموا ما حدث ويحدث مع من شيدوا المساء وبنوا أسوارها المنيعة ، طوبة طوبة حتى وصلت الى ما هي عليه الآن ، حتما لما ترددوا لحظة في التشكيك بمصداقية العمود، بله صاحبه.
عزيز باكوش
4 Comments
غريب ان يتصرف رشيد نيني بهذه الطريقة وهو من يدعو إلى التواضع
المحترمة سلمى
شكرا لمرورك الراقي
تلك هي المشكلة…وكما تفضلت فالذين ننتظر كلامهم هم اول المارقين
تحياتنا الخالصة سلمى
أنا طالب من مدينة وجدة كانت لدي قضية رغبت في أن يتبناها لي رشيد نيني وحاولت جاهدا أن ألتقي به ولم أستطع، صحيح رشيد نيني أصبح مشغولا جدا في الأيام الأخيرة ولا يقابل الناس لإلا بأخذ مواعيد محددة لكن هذا لا يعني أنه مغرور هو فقط مشغول
الرجاء من السيد عزيز باكوش أن يتأكد جيدا من أقوال المراسلة الصحافية حنان،لأن هناك بعض الأمور بقية غامضة في مقالك و أجزم أن هناك بعض المبالغات وردت في المقال و مع هدا كله تبقى جريدة » المساء » جريدة المظلومين من شعب هدا الوطن العزيز. فيكفي أن هده الجريدة تعرف إرتفاعا في المبيعات مند صدورها و ليس كما جاء في مقالك( تجاوزوا المائة ألف دات صيف) و هي لا زالت لم تفطم و فاقت جميع جرائد الأحزاب السياسية الجديدة و القديمة،وعلى دكر القديمة نأخد جريدة الإتحاد الإشتراكي « يا حسرة » كمثال، أتدكر أن هده الأخيرة و في الثمانينات كانت تتجاوز المائة ألف في المبيعات و خاصة في عددها المزدوج الأحد والإثنين و كدلك الأربعاء حين كان يطل علينا الأستاد و الشاعر « عبد الرفيع الجواهري » من نافدته كل أسبوع،حين كان الإتحاد إتحادا،أما اليوم فبعد أن أكلت من مائدة الحكومة فإنها لا تتجاوز الثلاثين الف و نفس الشيء بالنسبة لضرتها جريدة « العلم » الحكومية و حزبها. و مرة أخرى أتمنى من السيد ع. باكوش أن يتحرى في الأمر،و لا ينساق الى العاطفة.
وشكرا. سلام.