مفارقة التوجيه بين مسلكي الآداب والعلوم الانسانية
عندما يصل التلميذ الى محطة الاختيار عند مرحلة الثانوي التأهيلي بين مسلك الآداب و مسلك العلوم الإنسانية يجد نفسه حائرا وسط الغموض الذي يكتنفه حين يتبين له ان الفارق بين المسلكين لا يتمثل سوى في عدد الحصص الاسبوعية ومعامل النقط وليس في طبيعة المواد المدرسة , بمعنى ان نفس المواد تدرس في كلا المسلكين و لا فرق بينهما لا في المضمون ولا في الشكل بحيث لا وجود لمواد جديدة تميز فيما بينهما. مما يدفع الجميع الى التساؤل حول المغزى من هذه العملية وكيف يتم استغفال التلميذ الذي يجد نفسه في حالة لا تلزمه بالاختيار بل فقط مسايرا للوسط المفروض عليه. حاولت بدوري أن افهم المغزى من هذا التوجيه فلم اجد جوابا شافيا خاصة وان كل من حاورتهم من اصحاب الشأن التربوي أكدوا لي ان المسألة لا تعدو ان تكون سوى نوعا من تزيين المشهد التربوي وإعطائه صفة التنوع والتطور.
المواد الاساسية التي تدرس في كلتا الشعبتين هي: التاريخ والجغرافيا والفلسفة واللغة العربية والتربية الاسلامية والفرنسية واللغتين الاجنبيتين الاولى والثانية , تتميز كلها بكونها اصبحت تدرج ضمن خانة الدروس الكلاسيكية ذات خاصية شمولية تتبنى مسارا معرفيا كميا اكثر مما هو نوعي بالنظر الى التطورات التي تعرفها المرحلة المعاصرة في مجالات المعرفة. ان المنتوج التربوي المقدم في هذه المرحلة من التعليم قد تجاوزه الزمن ولم يعد التلميذ مهتما بذلك فارتباطه اليومي بالانترنيت و التطبيقات الجديدة تجعله ينظر الى حصص الدروس بنظرة مملة ومتشائمة.
ان اي اجراء تربوي يجب ان يتم في اطار تحقيق اهداف معينة في مرحلة معينة ذات بعد اجتماعي وتربوي يضمن للتلميذ حصد نتائج اختياراته .فما المغزى اذا من هذين المسلكين اذا كانت المواد نفسها هي التي تدرس بكل منهما..فعالم الآداب ليس هو عالم العلوم الانسانية والتلميذ يجب ان يلمس ذلك حتى يتمكن من الاختيار الصحيح. فأنا حضرت بعض جلسات الموجه مع التلاميذ ونفس السؤال يتم تكراره ويتعلق دائما بالمغزى من اختيار نفس الشيء بتسميات مختلفة.
اعتقد انه قد حان الوقت لإعادة النظر في هذا الامر ضمن الرؤية الاستراتيجية الجديدة وتنويع العرض التربوي وتطويره وفق منظور احترافي متطور يستجيب لمتطلبات العصر خاصة وان تلميذ اليوم يرغب في التنوع والتغيير والوضوح. فهو يحتاج الى ربطه بالواقع الذي يعيشه. لذا فمن الضروري أن تتجرد مادتي الفلسفة والاجتماعيات من شموليتهما وتحويلهما الى فروع علمية معينة تتناول مواضيع الساعة من قبيل حقوق الانسان ومدونة الاسرة والمجتمع المدني ومواضيع الارهاب والهجرة والتغيرات المناخية والدستور الجديد ومشروع الحكم الذاتي بالصحراء والجهوية الموسعة والديمقراطية التشاركية والثقافة الامازيغية والظواهر البيئية الجديدة ومجالات الاعلام والصحافة الالكترونية والانترنيت.
عملية التوجيه من الافضل أن تبدأ من مستوى الجذع المشترك لتتاح للتلميذ فرصة الاختيار المبكر على اساس اعادة النظر في المواد المدرسة بما يتناسب و خصوصية كل مسلك.واقترح اضافة مسلك خاص بالعلوم الاسلامية وآخر بالامازيغية لتصبح اربع مسالك:
– مسلك الآداب واللغة (دراسة المؤلفات والشعر و المسرح وفن الكتابة والصحافة وقواعد اللغة العربية…)
– مسلك العلوم الانسانية (مدخل الى دراسة القانون وحقوق الانسان والحريات العامة ومدونة الاسرة والمجتمع المدني والبيئة …)
-مسلك العلوم الاسلامية (الفقه والعبادات والسيرة ودراسة الحديث والتفسير وقواعد اللغة العربية …)
-مسلك اللغة والثقافة الأمازيغية (اللغة الامازيغية وثقافتها وآدابها وتاريخها …)
كما يمكن اقحام مواد اخرى جديدة تعتمد على استثمار كفايات وقدرات التلميذ وتحويله الى باحث صغير لذا فان مادة التواصل وتقنياتها بشكلها المتطور ضرورية نظرا لما تكتسيه اليوم من مكانه في كل مجالات الحياة اليومية و يمكن ايضا اضافة مادة منهجية البحث العلمي والتوثيق(بحوث, عروض,مقالات…) كمادة اساسية مع تخصيص ساعات رسمية كافية لتمكين التلميذ من الابداع والإنتاج , دون ان ننسى التركيز على اللغات الاجنبية على اساس ادماج مادة خاصة بترجمة المصطلحات بكل مسلك.
قد يبدو للبعض ان ترجمة هذه المقترحات على الواقع من المحال لعدة اعتبارات تتجلى بالخصوص في ضرورة تأهيل المدرسين والمدرسات للمواد الجديدة المقترحة وتوفير الدعامات الديداكتيية الكافية إلا ان الأساس هو وضع التلميذ في مسار تعليمي واضح يمهد له طريق الاختيار في مرحلة ما بعد الباكالوريا.
محمد مومني/استاذ التاريخ والجغرافيا
Aucun commentaire