تعاويــذ فايسبوكِيــّة
إن العلم مازال في ممارسة الكثيرين لا يعدو أن يكون قميصا أو معطفا يلبسه حين يقرأ كتابا أو يدخل مختبرا أو يلقي محاضرة ،ويخلعه في سائر الأوقات » (1)
—————————————–
كثير من الذين يبلغ عمرهم الآن 50 سنة أو أدنى من ذلك أو أكثر ما زالوا ربما يتذكرون مثلي تلك الرسائل*على شكل وريقات أو منشورات ؛مصدرها مجهول و هويتها غير معروفة.كُتِبت بخط اليد، وهي الوسيلة الوحيدة التي كانت معتمدة على الأغلب أنذاك. أسلوبها يجمع بين الترهيب والترغيب ،ويُطلب منا كتابتها عدة مرات ،قد تكون سبعة أو على الأرجح عشرة ،لا أذكر ،ثم توزيعها بدورنا على أشخاص آخرين و تَعِدنا ، مثل بعض الأحزاب ، بانفراج أزماتنا ، و تبشرنا بأخبار سارة في الغد القريب إن نحن امتثلنا، و تُنذرنا بالأسْوَأ إن نحن أبينا .و لتخويفنا أكثر يتم نسج حكايات و أمثلة مرعبة لمصير من استعصى و رفض الامتثال.سياسة العصا والجزرة !مثلما كان يفعل أهل أوربا لترويض البغال والحمير.
ولسذاجتنا ونحن صغارا كنا نصدقها إما خوفا من مصير بئيس أو طمعا في شيء نفيس، ما دام ليس هناك خيار ثالث. لذا كنا نعكف على كتابتها و بذلك كنا نساهم ،دون وعي طبعا ، في انتشارها وتوسيع دائرة رواجها غير مبالين أو متاسئلين عمّن يقف ورائها أو ما هي أهدافها .كنا فقط ننتظر التأجير أو نبحث عن دفع الأذى صاغرين.
ألم يتم استغلال طفولتنا ، كما يستغلها اليوم بعض المرشحين و سماسرة الانتخابات من أجل توزيع المناشير أثناء الحملة…؟
كبرنا (فقط في السن) ، فحسبنا أن عهد المنشورات المُستحدَثة قد ولّى ومضى عهده خصوصا مع التطور العلمي والتكنولوجي ، لكننا للأسف كنا واهمين .اعتقدنا أن هذا التطور والتقدم سيساعد على تراجع الفكر الخرافي و انزوائه لكنه على النقيض ساهم في انتشاره ونشره باعتماد ما تُتيحه وسائل الاتصال من تقريب المسافة وتسهيل التواصل.( أتحدث هنا عن الفايسبوك لأنني من سكانه ،أما تويتر فقد التحقت به مؤخرا بعدما بدأ يضيق بي العيش تحت سقف هذا الفضاء الأزرف)
و من خلال تتبع بعض المنشورات يبدو أن لافرق واضح بين الأمس و اليوم ، وبالتالي يجوز القول بأن ما تغير هو الشكل، أما الجوهر فبقي على حاله كدار لقمان .
وهكذا بزغت بعض المنشورات تبحث أو تستجدي الجيمات (أعجبني) مستغلة سذاجة بعضنا أو طيبوبة الآخرين أو جهل الباقين لغرض قد يكون تجاريا أو في نفوس أصحابه …وذلك بطريقة سطحية أو فجة،تلبس لبوسا دينيا أحيانا وبطريقة استفزازية تنطلق من إرهاب فكري إن صح القول.فما معنى من أن تذيل بعض المنشورات مشكوك حتى في صحتها ومصدرها بعبارات مثل:
– إذا كنت تحب الله انشرها
– إذا كنت تحب الرسول انشرها
والوجه الآخر للمعنى أنك إذا لم تنشرها فإنك لا تحب الله ورسوله.
أليس في الأمر استفزازا مقيتا ؟!
وهناك منشورات أخرى مرفوقة بعبارات مثل :
– انشرها فإن لم تنشرها فإن الشيطان قد منعك.
– لا تنسى (والصحيح لا تنس) ان تنشرها فستربح أنهارا من الحسنات…
أمثلة كثيرة على نفس المنوال و مزايدات وتهويل جعلت البعض منا يبادرون ،تعاطفا أو جهلا ، إلى نشرها دون ان يكلفوا أنفسهم عناء التأكد من صحتها أي دون تدقبق وتمحيص.وقد يتجاوز الأمر المنشورات إلى الصور والفيديوهات المفبركة …
ليس من الغراية بمكان إذا كان التفكير السحري المرتبط طرديّا بالتخلف يُعيد نفسه أحيانا بشكل سخيف،فهو ضارب جذوره في التربية النفسية والعقلية. وما مظاهر التحضر إلا شكل او انعكاس خادع و مشوه للحضارة.كل شيء نفرغه من محتواه الإيجابي و نوظفه توظيفا عكسيا.
ودون إطالة:
» خلاصةُ القضيّهْ
توجزُ في عبارهْ
لقد لبسنا قشرةَ الحضارهْ
والروحُ جاهليّهْ… » (1)
على الهامش:
سألني افتراصا أحد الأصدقاء بلهجة محايدة :ألم تلاحظ ان التمائم لم تعُد تُعلّق في أعناق الأطفال الصغار ، وحذوة الحصان على الأبواب، والعجلات المطاطية فوق السطوح؟
أجبته: ربما اسعاضوا عنها بتميمات الكترونية !
——————
(1) د. بدران و د.الخمّاش ،الخرافة، ص 174
(2) من قصيدة هوامش على دفتر النكسة لنزار قباني
* كانت تُصاغ على النحو التالي: »هذه الرسالة من …يقول شاهدت في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم و أوصاني … كل من قرا هذه الرسالة….. »
Aucun commentaire