نسيت أن نفسي ألد أعدائي (5)
وهذه النفس ذات طبيعة مزدوجة خيرة ، وشريرة في نفس الوقت، فهي تفعل الحسن ، والقبيح ، تحب الأول ،وتكره الثاني ، و تعرف في قاموس علم النفس بالأنا.
يرى سيجموند فرويد ، أن الأنا تمثل الجاني الشعوري في الإنسان، وتتكون مما هو واقعي ، وسائد في المجتمع ،كالقوانين ،والتقاليد، والأعراف ، والدين، وكل الإكراهات السياسية ، والاجتماعية ، والاقتصادية، والأخلاقية ، والجنسية … وهي المسؤولة عن كل التصرفات، والسلوكات القولية ، والفعلية .ومن وظائفها التوفيق بين ثلاثة جوانب فينا: (1) الجانب الغريزي، أو الفطري، أي الجانب الحيواني فينا ،(2) الجانب المثالي أو النير فينا، والذي يتكون من الإيمان ،والقيم الدينية والروحية ،والأخلاق الكريمة الفاضلة ، والقيم العليا …وهو ما يسمى عند فرويد بالأنا الأعلى(3) الجانب الواقعي المعيش .فإن نجحت في مهمتها التوفيقية هذه ، ارتقت وقادت صاحبها إلى درجة الكمال، وآمنت بخالقها ورازقها ، وبرسالاته ، واستسلمت لأمر ربها ، وقضائه وقدره .فحصل لها الاطمئنان، والراحة الأبدية، ورضي عنها ربها، وسعد صاحبها، سعادة الدنيا والآخرة. { يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية. فادخلي في عبادي. وادخلي جنتي .} (الفجر 27-30) .
يرى الإمام الغزالي،أن النفس ليست خيرة بطبعها، وإنما تصير كذلك بالاكتساب . لأن الأصل عند الإنسان، هو وجود أمراض في القلب، وحجته أن الله سبحانه وتعالى شق على صدر نبيه صلى الله عليه وسلم ، مرتين وأخرج منه المضغة السوداء، التي هي مكمن الأمراض الإنسانية، وإن كانت حجة الإمام الغزالي، مردود عليها بقوله تعالى :{فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون .}( سورة الروم الآية30) وقوله صلى الله عليه وسلم :[كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه ،وينصرانه ، ويمجسانه . كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء , هل تحسون فيها من جدعاء ] (صحيح مسلم). إنطاقا من هذه الأدلة الشراعية، يمكن القول أن الأصل في النفس الثبات على الخير، والسلامة من الشر.ولكن الانحراف في فطرتها، يكون بسبب التوجيه الخاطئ ، المنحرف ،المشبع بالحرام .إذن هناك ثبات في إطار التحول . وحتى نحافظ على فطرتها السليمة، فلابد من تزكيتها عن طريق المحاسبة، والعمل الصالح، والعلم النافع، والإيمان الصادق، والابتعاد عن قرناء السوء، وعن كل ما يشغلنا عن ذكر الله … فإذا تحققت هذه التزكية، تخلصت النفس من هواها، ومن حبائل الشيطان، ومكائده ووسوسته… وأصبحت نفسا مطمئنة ، راضية مرضية ، طائعة لربها ، مقرة بعبوديته ومؤمنة بوجدانيته ،ووعده ووعيده ،وقضائه وقدره مطمئنة وفرحة بلقائه …و زال الصرع بينها وبين النفس الأمارة بالسوء . وأصبحت قوة رادعة ،ومحاسبة بل ومعاقبة للنفس الأمارة .وهذا ما يراه – في تقديري- سيكموند فرويد .الذي ذهب إلى أن الأنا الأعلى، هي بمثابة الضمير الأخلاقي المثالي،مهمتها ووظيفتها ، مراقبة الأنا -(النفس الأمارة ) – وتصرفاتها القولية والفعلية، ومحاسبتها ، بل ومعاقبتها ، إن هي تواطأت مع الهو: أي الغرائز الحيوانية فينا ) والهوى والشيطان ،ولم تخضع لمبدأ الواقع
Aucun commentaire