Home»Correspondants»هل يمكن للجهات تدارك أزمة البحث العلمي بالمغرب ؟

هل يمكن للجهات تدارك أزمة البحث العلمي بالمغرب ؟

0
Shares
PinterestGoogle+

هل يمكن للجهات تدارك أزمة البحث العلمي بالمغرب ؟  

     تعتبر قضية التنمية في مستوياتها وأبعادها المختلفة هاجسا يقض مضاجع الفاعلين والسياسيين وصناع القرار محليا وجهويا ووطنيا ، أو على الأقل هكذا يجب أن تكون ، باعتبارها حقيقة اجتماعية عمادها ومنطلقها الموقع الجيوستراتيجي وخصوصيات المجالات الترابية البشرية والطبيعية والتاريخية والثقافية الذاتية منها بالدرجة الأولى ، إذ يتم تعبئتها وتسخيرها لمختلف جوانب حياة المجتمع والأفراد وفق نتائج البحث العلمي والدراسات العلمية، فالبحث العلمي بشقيه النظري والتطبيقي وتنمية الموارد البشرية يشكلان ممرا طبيعيا لأية تنمية بشرية منصفة ومستدامة ، فلا يمكن أن نتصور تنمية بدون كفاءات ولا بحث علمي ، كما لن نتصور وجود كفاءات ولا بحث علمي بدون قرار سياسي  . هذا ما نسجله لجهة طنجة تطوان الحسيمة في مبادرتها السابقة من نوعها في دعمها وتشجعها للبحث العلمي والتعليم الجامعي بأكثر من 6 مليار سنتيم  في إطار اتفاقية شراكة مع جامعة عبد المالك السعدي بمقتضاها ستساهم الجامعة في إعداد وتتبع وتقييم المخططات والبرامج التنموية التي تنجزها الجهة ، مقابل مساهمة الجهة  في إعداد البنيات التحتية للجامعة وإحداث بنيات للتكوين في مجالات تهم تنمية الموارد البشرية ، والاهم من ذلك أن الاتفاقية  تسمح بالعمل المشترك في إطار الدبلوماسية الموازية للتعريف بعدالة قضية الوحدة الترابية . وتقوم كذلك  على  تخصيص منح تشجيعية للدراسات والقيام ببحوث علمية مشتركة بين الجهة والجامعة وتنظيم دورات تكوينية للمنتخبين والموظفين.

     فعلى الجهات الأخرى أن تحذو حذوها  خصوصا بعد الاختصاصات والصلاحيات الجديدة للجهات في تنمية المجالات الترابية وتقوية تنافسيتها وتشجيع البحث العلمي ، لعل وعسى أن نتدارك أزمة البحث العلمي الذي يعانيه المغرب مقارنة حتى بأقرانه من دول الجنوب والذي يحتل فيه المغرب الرتب الدنيا . فالتقصير عن تنمية الموارد البشرية والتغاضي عن البحث العلمي والنظري منه خصوصا يمكن أن نفسر به أحيانا فشل مجموعة من المشاريع والبرامج التنموية حتى لو تم تنفيذها  ، فبرامج عمل القطاعات والمؤسسات الحكومية والجماعات الترابية لا تخل من مقترحات عملية في غاية الأهمية وتبدو أنها تستجيب لطموحات الساكنة وذات اهتمام مشترك و لها أولويتها ،  لكن ما أن تنجز بعض تلك المشاريع سرعان ما تبدو إدارتها المالية مستعصية لأنها كانت مبنية في البرنامج على شركاء محتملين وليس حقيقيين ، وهذا ما ينطبق مثلا على مجموعة من المراكز السوسيو ثقافية التي أنجزت وأسند تسييرها إلى فعاليات المجتمع المدني ،  فالعبرة في المشروع ليس البناية وتجهيزاتها ومواردها البشرية ، بل هي تقييم للوظائف التي أنشئ من اجلها واستدامتها في الزمان والمكان ، وأحيانا تبدو تلك المشاريع محدودة الاستقبال وغير ذي تأثير لوجود ثقافة مجتمعية كان من اللازم مقاربتها قبل الانجاز ، وفي أحسن الأحوال يتم السقوط في تكرار مشاريع ضمن مجالات متقاربة ترابيا كان الأجدر فيها أن يأخذ بعين الاعتبار التضامن ألمجالي والتعاون البيجمعاتي ، وان تركز الجهود لإرساء مشروع واحد متكامل يوفر له شروط النجاح عوض تشتيت القدرات والطاقات . إن لم نقل انه أحيانا يتم إخضاع   تأسيس المشاريع وتنفيذ البرامج لأحكام جاهزة مبنية على حزازات سياسية  وولاءات انتخابية بعيدا عن منطق الأولويات والحاجة والنتائج المنتظرة .

    ومن جانب أخر  يبدو حاليا أن الجماعات الترابية والجهات المتوسطية ، خصوصا جهة طنجة تطوان الحسيمة والجهة الشرقية ،  معنية في بحثها للإشكالات التنموية  والقضايا المشتركة بالواقع الجديد الذي يشكله المهاجرين السريين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، وخصوصا أن الدولة تواصل الجهود في استيعابهم ومنحهم الإقامة الشرعية لإدماجهم بالمجتمع المغربي وفي الاقتصاد الوطني، وما يعني ذلك من ضرورة ضمان لهم حق الصحة والتعليم والشغل الذي يفتقده المواطنون أنفسهم . مما تتطلب من المعنيين القيام  بالدراسات العلمية اللازمة لحصر عددهم ونسبة توافدهم وانشغالاتهم وميولاتهم  وخيارتهم وديانتهم حتى لانفاجا يوما ما،  فيشكلون لنا معضلة امنية بقدر يصعب التعامل معها وخاصة أنهم شكلوا لأنفسهم معاقل استقطاب للمهاجرين الآخرين بكل من وجدة والناظور و تطوان وطنجة. أضف إلى ذلك ظاهرة التطرف الديني المستوردة والدخيلة على ثقافتنا المتسامحة والإسلام المغربي المعتدل ،  فهي كذلك في حاجة إلى القيام بحفريات معرفية عميقة عن جذورها وتعريتها .    

       كما أن المجالات القروية والجبلية المغربية وتجلياتها الثقافية غائبة عن دائرة التنمية والأولويات على مدى السنوات التي مضت ، و  لم تحض بالقدر الكافي من الدراسات العلمية والبحث العلمي فبقيت تراوح مكانها في تخلفها و عزلتها، على جميع المستويات. وتتخبط في مشاكل الخدمات الاجتماعية (التعليم، الصحة، فضاءات ثقافية ورياضية، الشغل ) والبنيات التحتية الأساسية: الشبكة الطرقية، شبكة التطهير ، الماء الكهرباء …الخ والتي تتركز غالبا في الوسط الحضري كما يقدمه بالتسمية الإحصاء العام للسكن والسكنى تمييزا عن الوسط القروي ، لكن هذه المفاهيم في حاجة إلى تدقيق وبحث لان مدننا ليست كلها وسطا حضريا فهوامش المدن المحسوبة إداريا وسطا حضريا تفتقد وتنعدم فيها ابسط التجهيزات الأساسية ، لذا يجب مقاربتها على هذا النحو.

   فما تناله هذه الإشكالات التنموية وغيرها حاليا سوى بحوثا جامعية يتم انجازها في أواخر سلك التكوين وفي مختلف التخصصات ، يغلب عليها الكم وتكرار المواضيع وتغيب الرصانة العلمية إلا استثناء لاعتبارات غياب التحفيزات والمواكبة   ، و هي في حاجة إلى استثمار الجيد منها ،  من طرف المعنيين ومختلف المتدخلين في إطار توفير بنك معلوماتي لتسهيل الولوج إليها ، وفي احتضانها ودعمها من طرف الجماعات الترابية .

 

    فعلى الرغم من  أهمية البحث العلمي  في مقاربة وملامسة مختلف الإشكالات التنموية ، والذي يلقى سخاء في الدول المتقدمة التي تصل في المتوسط 2% من الناتج الداخلي الخام  وقد تصل 5% في بعض الدول الأخرى للرفع من جودة البحث ومردوديته . إلا أن المغرب مركزيا جعل يده مغلولة إلى عنق البحث العلمي بتخصيص اقل من 0.8 في المائة التي توجه غالبا للتسيير فقط ، فيحتل بذلك رتب غير مشرفة على المستوى الإفريقي فهو يحتل المرتبة السادسة  بعد تونس ومصر وكينيا و جنوب إفريقيا ، كما ان النتيجة دائما هي تكرار الاعطاب الاجتماعية والاقتصادية ، فيبقى الأمل معقودا على الإرادة السياسية للجهات رغم ضالة الإمكانيات المادية المرصودة لها في تدارك أزمة البحث العلمي وبلوغ مؤشرات مشرفة، والبداية من جهة طنجة تطوان الحسيمة .

                                                                  عمــــر الطيبي 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *