أي دور لوسائل الاتصال في عصر العولمة؟
تعددت اليوم وسائل الاتصال عبر العالم موجهة نحو الكل تحمل الغث والسمين، تحمل أخبارا دقيقة وأخرى ليست سوى خزعبلات؛ تعلي شأن من لا شأن لهم وتسقط سلطان ذي السلطان .
في ظل هذه التحديات التي يفرضها عالم اليوم، ونتيجة لقيم العولمة، كيف يمكن الحفاظ على الهوية الوطنية؟ وما هو دور الإعلام الوطني في ذلك؟ وهل يمكن أن نتحدث عن إعلام وطني حر باعتباره سلطة رابعة؟

وإذ نحاول الإجابة عن هذه التساؤلات نجد العالم اليوم يسير في اتجاه يلعب فيه الإعلام دورا كبيرا باعتباره أداة التواصل التي تحبك شبكة عبر العالم لا يكاد يتحرك أحد خيوطها حتى يكون العالم كله على اطلاع بما يجري. حتى في أقصى بقاع الأرض يمكنك أن تجد إذاعة أو صحيفة، إلى أن اعتبر سلطة رابعة تضاف إلى السلط الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. ففي الحرب هو أحد أقوى أسلحتها (حين غزت أمريكا العراق سخرت آلتها الإعلامية لخدمة مشروعها)، وفي السلم رأيناه ينشر حمائمه بين المتخاصمين، حتى غدا أعداء الأمس القريب أصدقاء.

لكن القوى العظمى التي تمتلك الآلات الإعلامية الكبيرة، تسخرها لخدمة مطامعها الاقتصادية والثقافية والاستعمارية ولتكرس هيمنتها واحتكارها للمعلومة في الشق الموجه للخارج، وتستخدم هذا السلاح في داخل أوطانها لتربية المجتمع وتنميته وتوعيته. يتبين أن وسائل الاتصال سلاح ذو حدين في حده الأول الإصلاح والنهضة وكل شيء جميل، وفي حده الثاني الخراب والدمار وتكريس تبعية الضعيف للأقوى.

ومع ظهور الإنترنيت كادت تنكسر هيمنة الإعلام الأمريكي والغربي بصفة عامة، فقد غدا في متناول العالم بعض الحقائق غير الزائفة. هذا الانفتاح الذي عرفه الفضاء السمعي البصري والمكتوب حمل معه ثقافات عديدة منها ما هو نافع وما هو غير ذلك، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر دور الإعلام في نشر ثقافة الإرهاب. وفي ظل هذا (التسيب) كيف يمكن مراقبة فضائنا؟ هل بوثيقة وزراء الاتصال العرب؟ قطعا لا، لأنهم هدفوا فقط لحماية أنظمتهم الاستبدادية من (تطاول) وسائل الإعلام عليها وفضح خرقاتها. هل نغلق الباب على كل ما هو خارجي ونكتفي بما هو داخلي باعتبار الخارجي يهدد ثقافتنا وقيمنا التي استغرقنا قرونا وقرونا في تشييدها؟ وهنا يمكن أن نطرح سؤالا آخر: هل هناك إعلام وطني حر يمكنه أن يسد هذا الفراغ؟

إن الإعلام الناجح هو المتحرر من كل أشكال الرقابة والمستقل في كل تدخلاته لا يخضع لأي جهة إلا جهة الشعب، معبرا عن همومه ومشاغله، يلعب دور تربية المجتمع و تشبيعه بثقافة السلم والتسامح والحوار وتكريس تنمية مستديمة من أجل النهوض بالأوضاع الاقتصادية والثقافية والعلمية. ولكن هل يمكن هذا في ظل نظام مخزني يحتكر كل شيء؟ إلى أي حد يمكن اعتبار إعلامنا حرا ونزيها؟ ألم نعش سنوات الجمر والرصاص تحت القمع والمعانات والإعلام الرسمي يطبل ويزمر لنظام المخزن المتسلط؟ ألم يطلب وزير الداخلية مؤخرا من وسائل الإعلام بألا تشكك في معلوماته؟ ألم يحن الوقت لإعادة النظر في إعلامنا بكل أشكاله ليواكب تطلعات العصر؟ أليس من حق الشعب المغربي أن يحظى بإعلام مستقل يلعب دور المربي والرقيب على الخرقات التي ترتكبها السلط الأخرى؟

إن المطلوب من الإعلام الوطني اليوم، وأكثر من أي وقت مضى هو الانخراط في التنمية المجتمعية الشاملة وذلك من خلال توعية المواطنين من كل النواحي: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية، وأن يعبر عن همومهم وكروبهم، لا أن يكون بوقا للسلطة دائما يقول (العام زين)، وأن يعمل على تكريس الثقافة الوطنية بكل مكوناتها، وأن تعطى الأهمية للإعلام الجهوي؛ وعموما أن يكون دور الإعلام أقرب إلى المدرسة منه إلى الدعاية (ليس بمعنى الإشهار لأن الإشهار يوفر الاستقلال المادي للمؤسسة الإعلامية)، وعلى الدولة هي الأخرى أن ترفع يدها على وسائل الإعلام وأن تعترف للصحفي بالفضل وأن يكون للأشراف في هذا البلد المكانة اللائقة على أساس ما يقدمونه من تضحيات وخدمات لهذا الوطن خاصة وللبشرية عامة، لا على أساس القرب أو البعد من السلطة، وبعدها يمكن الحديث عن مغرب حديث ويسير على الطريق المستقيم.

بقلم عزالدين عفوس