مراكز المساعدة الاجتماعية بين القول بالمنغولي ومتلازمة داون
أحمد الجبلي
لازال مجتمعنا يسمي فئة من ذوي الاحتياجات الخاصة ب « المنغولي » وهي تسمية يعتبرونها عادية نظرا للتطبيع القديم معها دون أن يمنحوا أنفسهم القليل من الوقت ليبحثوا في معناها الحقيقي، أو يبحثوا عن العلاقة التي صارت متلازمة بين هذه الفئة وهذا الاسم الغريب؟
إن مصدر هذا الاسم يعود إلى ما شاع بين الناس عالميا نظرا للتشابه الكبير الموجود بين عيون هذه الفئة وعيون شعب منغوليا الآسيوي. وهو الأمر الذي حدا بدولة منغوليا إلى رفع شكاية للأمم المتحدة تطالب فيها بوضع اسم جديد يدل على هذه الحالة الجينية عوض وسمها بالبلاهة المنغولية التي هي معرة كانت ستدوم عبر التاريخ لتلاحق شعب منغوليا.
ولكن في تقديري، إن هذه التسمية نفسها كانت ستلحق العار بهذه الفئة الوديعة والمسالمة بتسميتها باسم شعب تاريخه دموي همجي، ولن تنسى الأمة العربية والإسلامية ما فعله شعب المغول عندما زحف كالجراد الذي لا يبقي ولا يذر من أرواح أوحرث أو زرع إلى أن وصلوا بغداد وعثوا فيها فسادا لولا تدخل البطل عز الدين قطز بوضع حد لهم بمعركة عين جالوت.
وبما أن هذه السمات الجينية والفيزيولوجية التي تميز هذه الفئة لا علاقة لها بشعب مانغوليا، فقد تم الاتفاق على تسميتها باسم جديد وهو « متلازمة داون »
فما معنى هذه التسمية الجديدة وما علاقتها بخصائص ومميزات هذه الفئة؟
إن الاسم الجديد مركب من جزئين من « متلازمة » و « داون » فكلمة متلازمة تطلق للدلالة على اجتماع مجموعة من الخصائص المشتركة لحالة معينة أو فئة ما. وكلمة « داون » تشير إلى اسم الطبيب البريطاني الذي لاحظ تلك الصفات للمرة الأولى عام 1866.
واسمه الكامل هو جون لانجدون داون. وبرغم أن « متلازمة داون » معروفة منذ أكثر من قرن, فإنها لم تفسر علميا إلا في حدود عام 1959 حيث اكتشف العلماء انه بالإمكان تشخيص « متلازمة داون » بفحص عينة من دم الطفل. حيث تظهر العينة وجود كروموسوم إضافي يؤدي إلى « متلازمة داون ». وللعلم فإن الكروموسومات هي جزئيات صغيرة في نواة الخلايا البشرية التي يتكون منها الجسم. وفي كل خلية 46 كروموسوم نصفها مأخوذ من الأم والنصف الآخر من الأب. ولكل زوج من الكروموسومات رقم محدد. ولدى الطفل ذي « متلازمة داون » كروموسوم واحد إضافي من الزوج الذي يحمل رقم 21 وبذلك يكون العدد لديه 47 كروموسوما..
ما هي الخصائص والعلامات المشتركة لمتلازمة داون ؟
لتحديد خصائص فئة « متلازمة داون » قد لا نحتاج لمجهود كبير حيث أن السمات بارزة بشكل تلقائي، وأول ما يميزها الوجه الدائري ذو الملامح الجذابة والأنف الصغير والعيون اللوزية الشكل. كما تمتاز هذه الفئة بالأيادي الصغيرة الجذابة. كما أن جميع « متلازمة داون » لديهم تأخر في النطق, وصعوبة في إخراج الكلمات, ولكن بالتمرين وعلاج النطق سوف يتم التغلب على كل أو معظم هذه الإعاقة. فهم ليسوا سريعي التعليم كباقي إخوانهم أو الأطفال العاديين, ولكن معظمهم يمكنه التعلم إلى مستوى يجعله قادرا على العيش حياة كريمة معتمدا على نفسه. ومنهم من يصل إلى مستوى عال من التواصل والتفاعل مع الواقع، ومن أمثلة ذلك ما فعله الشاب من فئة داون وهو الأمريكي جون فرانكلين ستيفينز الذي يبلغ من العمر 30 عاماً، وهو أحد أبطال رياضة الألعاب الأولمبية. حيث أبهر العالم بمقالة كتبها ونشرها في موقع الألعاب الأولمبية ردا على الكاتبة آن كولتر من الحزب الجمهوري عندما شتمت أحدهم ورمته ب « المتخلف عقليا » فاستعمال الكاتبة لهذه الكلمة » متخلف عقليا » أشعره بنوع من الإهانة، فرد عليها بكتابة رسالة مفتوحه في غاية الروعة هذا نصها:
عزيزتي آن كولتر،
دعك من هذا يا آنسه كولتر، فأنت لست بغبية ولا سطحية التفكير. فلماذا تستمرين باستخدام تعبير متخلف كإهانة؟
أنا رجل في الثلاثين من العمر وأعاني من “متلازمة داون” لذلك أعاني من جهل الناس الذين يعتقدون بأن الإعاقة الذهنية تعني بأن المصاب غبي وسطحي التفكير. أنا لست هذا ولا ذاك، لكن إعاقتي تعني أنه يلزمني وقت أطول منكم لمعالجة المعلومات. في الحقيقة، لقد استغرقت يوماً بكامله لأتوصل إلى طريقة أرد فيها عليكِ وعلى استخدامك لكلمة “متخلف” ليلة الأمس.
في البداية فكرت بأن أسألك إن كنت تقصدين بوصف ذاك الشخص بالمتخلف، بأنك تعنين بأنه تعرض للمضايقات وهو طفل في المدرسة من قبل أشخاص مثلك، لكنني نزهت نفسي عن الانحطاط وقررت إيجاد طريقة أخرى للرد عليكِ بنجاح في هذه الحياة كما فعل من هم مثلي، زملائي الفائزين في الألعاب الأولمبية من ذوي الاحتياجات الخاصة.
بعدها تساءلت، ربما قصدتِ بوصفه بالمتخلف لأنه يبذل الكثير من الجهد ليتأكد من أنه يراعي أن يكون لطيفاً في كل ما يقوله، في وقت يقوم فيه غيره بالسباق للدغ الآخرين بين كل لقطة تسجيل تلفزيونية وأخرى.
وفي النهاية، تساءلت إن كنت تقصدين إهانته بنعته بـ”المتخلف” لأنه على الأغلب شخص يحصل على علاج طبي ذي مستوى رديء، ويعيش في سكن سيء، ويعيش على دخل قليل من المال، ومع ذلك استطاع أن يرى الحياة هبة جميلة. لأنه يا آنسه كولتر، هذا هو وصفنا نحن، بل نحن أكثر من ذلك بكثير.
لقد تساءلت بيني وبين نفسي إن كنتِ قد نويتِ استخدام ألفاظ كريهة أخرى بينك وبين نفسك، لكنك خشيت من ردة فعل الجماهير. على أي حال يا آنسة كولتر، أنت ومجتمعك عليكما التعلم بأن مقارنة أي كان بأشخاص مثلي، هو بمثابة نيشان فخر. إذ لا يستطيع أحد أن يتخطى كمية كبيرة من العقبات كما نفعل، ومع ذلك ما زلنا نحب الحياة بشغف. لذلك تعالي وانضمي إلينا ذات يوم في سباق الأولمبياد لذوي الاحتياجات الخاصة، فقد تغيرين رأيك”.
توقيع الرسالة: صديق لم تكسبيه بعد، جون فرانكلين ستيفنز
من المؤكد أن هذه الرسالة قد حسمت الأمر وأعطت الدليل على أن الملايين من الناس في هذا العالم من الأسوياء والمكتملي الخلقة ومن ذوي الكروموسومات ال 46 فقط، لن يستطيعوا كتابة و لو جزء بسيط من مثل هذه الرسالة التي تنم عن ذكاء وفطنة وأدب، كما أن صاحبها قد وفق إلى حد كبير في التأثير في الملايين من الذين قرؤوها فأجهشوا بالبكاء لكونهم لم يكونوا في المستوى المطلوب في تعاملهم واحترامهم وتقديرهم لهذه الفئة البطلة، أو أنهم من الذين لازالوا يستعملون اسم « منغولي » عوض استعمال فئة متلازمة داون.
Aucun commentaire