Home»Régional»عندما يبكي الرجال !

عندما يبكي الرجال !

0
Shares
PinterestGoogle+

سعيد شاب معطل حامل لشهادة عليا في الفيزياء ، جاء قبل أربعة أشهر إلى الرباط هو و بعض أصدقائه من الطلبة للاعتصام في شوارع الرباط ، قصد المطالبة بالوظيفة العمومية ، قطنوا في بيت بالمدينة القديمة بثمن1500 درهم ، اقتسموه فيما بينهم 250 درهم للفرد و هم ستة ، و البيت لا يتسع إلا لأربعة أفراد ، كل واحد منهم يدفع ما تيسر من دريهمات لطبخ وجباتهم المتواضعة ، فطور بزيت و أتاي و خبز و غذاؤهم لوبيا و عدس و في بعض الأحيان " رابعة ديال الدجاج " و عشاؤهم أكلة عند " با حسن " الكفتة ديال الحوت مشوية بخمسة دراهم ، في نهاية الأسبوع يرجع بعضهم إلى مدينته لرؤية الأهل و الأصدقاء لطمأنتهم على صحته وأنه لازال " صحيحا فصيحا" .

قبل أيام زار الطلبة المعطلين "عالم كبير" لقنهم درسا مفيدا في الإحساس بالألم و "الحكرة " ، فكتب على أجسادهم كل معاني العبث بحقوق بني آدم بقلم لم يعرفوه أبدا ، قلم يطلق عليه "الزروطة" في عرف السيمي ، فكتبوا على رؤسهم " ها الراس لقر " و على أفواههم " ها الفهم لكيغوت " و على أرجلهم " ها الرجلين لجابوكم " ، فكان جسدهم دفترا جيدا للكتابة إلا أن بعض الدفاتر لم تصمد أمام وحشية كتابة هؤلاء. "أي ظهري" هذه هي الكلمة التي تسمعها من سعيد هذه الأيام ، كان المسكين في مقدمة الطلبة المناضلين في مجموعته ، بالرغم من نحافته فهو "يدفع الجبهة" لأنه لايرضى أن يكون من الهاربين الفارين ، بل يقتحم صفوف السيمي ، إلا أن جسده بهذه المناسبة لم يسلم من " زروطات السيمي " و التي نهالت على ظهره ، ولولا تحلق الطالبات المعطلات من حوله و بعض المارة الذين وقفوا في وجه السيمي لأردوه مكسر الضلوع . جلس سعيد منعزلا و بدأ يتذكر أول لحظة سيلتحق فيها بالمدرسة ، أبوه لم يرغب في ذلك و أراده أن يتعلم حرفة تقليدية تعود على ابنه بالنفع في المستقبل ، لأنه يعتقد أن تعلم الحرفة أفضل من الالتحاق بالمدرسة ، و التعلم لا ينحصر في المدرسة فقط ، إلا أن سعيدا أصر على الالتحاق بمدرسة الحي ، لأن رغبته كانت جامحة في تحقيق حلمه ، و هو ان يكون أستاذا يدرس التلاميذ في الثانوية ، نظرا لتأثره بحال خاله الذي كان يأتي إليهم ، حيث كانت له حظوة خاصة في العائلة ، فينادوه بالأستاذ " سي عبد القادر " ، ترسخ في ذهنه أن الأستاذ مهنة جيدة و محترمة و المجتمع ينظر إليها نظرة خاصة ، فمند أن التحق بالابتدائي و هو يحلم بأن يكون أستاذا ، اجتاز المرحلة الابتدائية بجد و اجتهاد ، وكان يحتل المراتب الأولى في المدرسة ، حاز على الرتبة الأولى في السنة الخامسة فمنحته الإدارة ، جائزة تحتوي على قصص "العبرات و النظرات" لمصطفى لطفي المنفلوطي و بعض الكتب الأخرى ،

كان سعيد محبوبا لدى زملائه لدعاباته و دسائسه في القسم ، اتفق مع زملائه مرة بالإتيان " بخنيزة " و حكها من تحت الطاولة لتبعث رائحة كريهة فيزعجون تلاميذ القسم و الأستاذ ، فهو بالرغم من شيطنته إلا أنه كان يدرس جيدا . انتقل إلى المرحلة الإعدادية و تابع دراسته بكل حب و شغف ، لما بلغ السنة التاسعة إعدادي بدأ يهتم بشخصيته ، بارتداء الملابس الأنيقة ، وحلق ذقنه الطري ، و تسريح شعره تسريحة عصرية ، مرة راسلته فتاة من بنات قسمه برسالة اقتسبتها من كتب إنشاء الرسائل العاطفية ، فتفاجأ بهذه الرسالة التي جعلت قلبه يخفق خفقانا ، فسرت في جسده قشعريرة الفرح الممزوجة بالخوف ، لأنه لم يكن يتوقع ذلك .

انتقل إلى المرحلة الثانوية و في هذه المرحلة بدأ تفوقه يضمر ، اختار شعبة علمية و كان يتفوق في " المات و الفيزياء " إلا أن اللغة الفرنسية كانت تهزمه ، في هذه المرحلة ابتعد عن " شيطنة الإعدادي" و تمثل قيم الاستقامة و الاهتمام بالقضايا الثقافية و الفكرية و النقاش مع زملائه و أساتذته ، كان وضعه المالي غير مريح ، أبوه كان يعطيه خمسة دراهم في الأسبوع لكي " يدور بها الحركة" لكن المسكين لم تكن تكفيه ، فيستغل حنان و عطف أمه فتشمله برعايتها ، سعيد في مرحلته الثانوية كان يحلم بمتى سيلتحق بالجامعة ، تحقق له ذلك ، و تسجل في كلية العلوم التي كانت تعج بالرفاق و الإخوان ، و هو لم يكن ينتمي لأي فصيل ، فقط كان يتابع الأحداث و النضالات و الأنشطة الثقافية للطلبة الإسلاميين و اليساريين ، مرة لمدة شهر بالكامل لم يدرسوا في كلية العلوم حيث أن الرفاق احتلوا كلية العلوم بفاس و قاطعوا دراسة الطلبة بمبرر لم يقنع أي أحد ، لم ينس هذا الحدث الذي جنى على الطلبة ، فهناك من ترك الدراسة و هناك من أصابه اليأس . أخذ سعيد الإجازة في الفيزياء ، و تسجل في السلك الثالث ، سنتين من الدراسة عاشها جحيما ، زبونية و محسوبية و تزلف و نفاق و كل همه متى سيأخذ الشهادة و يشتغل ، لأن أسرته في انتظاره ، أمه كانت فرحة بابنها الذي يتسلق سلالم الدراسة ، و لما كان يسألها الجيران عن مستواه الدراسي تجيبهم " كيقر وصافي " اختلط عليها " الحساب " لما بلغ الثانوي لم تستطع حفظ المستويات التعليمية الأخرى ، أطفال حيه ينتظرون سعيدا متى يمر عليهم و يشتري لهم الحلوى و " بيمو " ، أخوه ينتظر منه متى يشتري له " سبرديلة " ، أخته تنتظره ليمنحها مالا لتستفيد من دروس الدعم في اللغات ، الأم على فراش العافية تنتظر منه مصاريف الدواء لمعالجة مرض " السكر " المزمن ،و خطيبته التي وعدها بالزواج مشتاقة لذلك اليوم الذي يجمع بينها وبينه تحت سقف ويعشان حياة كريمة ، وعمه الذي أقرضه مالا ،يده على قلبه ينتظر يوم أن يحصل سعيد على " الربيل "فيرد له جميله ، الكل في انتظار سعيد المعتصم بالرباط ، وكأن لسان حالهم يقول :نحن في انتظارك .. تذكر سعيد كل هذا و هو ممد على سريره يطلق زفراته بعد أن أشبعه السيمي " ضربا " ، فانهمرت من عينه دمعة حسرة و تألم لما آل إليه الوضع في هذا البلد الحيبب و كأن الوظيفة مشروطة بالرحلة لطلب " الزرواطة " في الرباط .. .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. رصاص جرادة
    05/04/2008 at 14:14

    اخي الكريم حالك حال باقي كامل الشباب المعطل بالمغرب، ليس غريبا أن يكتب كل واحد منا نبدة عن معاناته ولكن الفرق بينك وبين الأخرين ملكت من الجرأة ما جعلك تخطط هذه السطور الذي عجز الاخرون عن تدوينها في كتاب تاريخ مغرب الزبونية والمحسوبية ، الكل منا يعاني وخصوصا بعض قضاء حزمة سنين في الدراسة التي اصبحت لا توصل لا لشيء غلا للعطالة والعاناة واليأس، وفي بعض الأحيان للانتحار، كان الله في عونك وعون باقي المعطلين ، ونسأل الله أن يثأر لنا من الضالمين المتصهيينين .

  2. أختكم في الله
    05/04/2008 at 23:51

    وفقك الله أخي كنت في منتهى الصراحة والجرأة أهنئك عليها وهدا حالنا في مغربنا الحبيب يا أخي وهدا هو شعارنا *قرا وشقى تاكل العصى من السيمي * لكن تابع نضالك أخي ولاتقنط من رحمة الله كلنا نعاني نفس المشكل أخي انا اختصاص علوم الحياة والأرض مادامت لاتوجد وظائف لنا نحن الشباب فأنا أعبر عن دلك في بعض المنافد كتابات ادبية والشعر وأتمنى من الله التوفيق للجميع ولنا أخي..والسلام

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *