دربكة قوية في مراكز التصويت
طبقا للمادة 17 من القانون 59.11، المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، عرف المغاربة يوم الرابع من شتنبر 2015 حدثا بارزا، تجلى في تنظيم أول انتخابات من نوعها في ظل دستور 2011، ويرتبط الأمر بالانتخابات الجماعية والجهوية، التي خص مجالسها المنتخبة بصلاحيات واسعة، وأقر مقتضيات الجهوية المتقدمة والحكامة الرشيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وأن يجرى انتخاب ممثلي الجهات بالاقتراع المباشر…
ذلك أنه وكما كان مقررا، فتحت مراكز التصويت بمختلف أنحاء البلاد، أبوابها ابتداء من الساعة الثامنة صباحا، في وجه ما يناهز 15 مليون ناخب، لممارسة حقهم وأداء واجبهم الوطني، لاختيار ممثليهم في المجالس الجماعية من بين 130 ألف و925 مرشحا لشغل 31 ألف و503 مقعدا، و678 مقعدا من بين 7588 مرشحا في المجالس الجهوية، ويتوزع المرشحون بين مستقلين ومنتمين إلى أكثر من ثلاثين حزبا سياسيا.
وفي أعقاب الكثير من المستجدات التشريعية والقانونية، من الطبيعي جدا أن تعقد الآمال والأحلام، على أن تأتي هذه الانتخابات بنتائج تذهب الحزن وتدفع الغمة، من خلال إفراز نخب سياسية جديدة، شريفة وصادقة، ذات كفاءات علمية عالية وخبرات مهنية محترمة، قادرة على رفع التحديات والاضطلاع بمسؤولياتها كاملة في التدبير الجيد للشأن المحلي والجهوي، والنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والرياضية..
ومن غير اللائق بنا أن نبخس الدولة أعمالها الإصلاحية، الهادفة إلى محاولة تحصين الانتخابات والحد من الممارسات المشينة، التي تعرقل مسار بناء ديمقراطيتنا الناشئة، وتسيء إلى صورة بلادنا. ذلك أن وزارة الداخلية، سعيا منها على ما يبدو إلى ضمان مشاركة كثيفة في هذه الانتخابات الحاسمة، التي أرادها ملك البلاد محمد السادس أن تجسد ثورة حقيقية أخرى يقودها منتخبون جدد ونزهاء، سارعت إلى منح فرصة ثانية لغير المسجلين في اللوائح الانتخابية العامة من المتوفرين على الشروط المطلوبة، والذين لسبب ما فاتهم تقييد أسمائهم في الآجال المحددة، بأن مددت فترة التسجيل إلى غاية 20 غشت 2015. وأنها للحرص على شفافية ونزاهة الانتخابات، لم تتأخر في اتخاذ تدابير استباقية ووقائية، بإقدامها على إجراء حركة انتقالية/تأديبية في حق 275 عون سلطة، تحوم حولهم شبهات عن انعدام الجدية وإفساد العمليات الانتخابية. وللمزيد من دعم الشفافية والنزاهة والحفاظ على سلامة الانتخابات، قررت فجأة وقبيل نهاية الحملة الانتخابية بثلاثة أيام، إلغاء العمل ببطاقة الناخب والإشعار الموجه للناخبين، على أن يتم التصويت بالاعتماد فقط على بطاقة التعريف الوطنية، بعد تعرف الناخبات والناخبين على مكاتب التصويت، من خلال رسائل نصية أو خط أخضر خاص أو مكاتب إرشاد محدثة بمقرات العمالات والأقاليم ومكاتب السلطات الإدارية المحلية المجاورة لمقرات سكناهم. وهو مطلب ضمن مطالب أخرى هامة، طالما نادت بتطبيقها الطبقات السياسية عامة، والمناضلون الشرفاء خاصة.
صحيح أن قرار إلغاء بطاقة الناخب، يعد خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح نحو تأمين العملية الانتخابية والحد من السلوكات المنحرفة والتجاوزات الرهيبة، وهو إجراء من شأنه تضييق الخناق على أولئك الذين ألفوا الاتجار ببطائق الناخبين، سواء كان أصحابها من الأحياء أو الأموات، الأسوياء والحمقى، ومختلف الأشكال المتعارضة مع القانون. هذا، فضلا عن أن المشرع أوكل للقضاء دورا جوهريا في مراقبة سير العمليات الانتخابية، والسهر على نظافتها عبر مجموعة من الآليات والصلاحيات في زجر المخالفات…
وإذا كانت الحملة الانتخابية، رغم ما شابها من اختلالات وتبادل الاتهامات بين مناضلي الأحزاب وأمنائها أحيانا، وما عرفته من تجاوزات ظلت في مجملها معزولة، فإنها بالمقارنة مع سابقاتها عرفت تطورا ملحوظا نحو الأفضل، جراء تنامي الوعي لدى المواطنين، وأنه بمزيد من الجهد والعمل الدؤوب يمكن التأسيس مستقبلا لانتخابات حرة ونزيهة، ترقى إلى مستوى تطلعات الجماهير الشعبية، وتعيد لهم الثقة المفقودة في بناء المؤسسات الدستورية، وإحداث التغيير المنشود…
ذلك أننا وخلال ممارسة حقنا الدستوري وقيامنا بواجبنا الوطني في هذا اليوم الأغر، وقفنا على بعض مظاهر الخلل داخل مراكز التصويت، تجلت في كون فئات عريضة من الكهول والنساء غير المتعلمين، وجدوا أنفسهم واقفين أمام كم هائل من اللوائح الاسمية للناخبين، مثبتة على سبورات خشبية، يحملون بطاقاتهم الوطنية في انتظار متطوعات ومتطوعين يرشدونهم إلى مكاتب التصويت، في غياب مكتب للإرشاد خاص بتيسير المأمورية على الناخبين، مما أدى إلى التوتر وانسحاب البعض، وأحدث ارتباكا كبيرا امتد إلى مكاتب التصويت نفسها. أما كان حريا بالجهات المسؤولة، أن تزود مراكز التصويت بموظفين ومكلفين بالتوجيه لتفادي مثل هذه الدربكة/الفضيحة، أم أن مكاتب الإرشاد المعلن عنها في وسائل الإعلام، لا تخص سوى المراكز التي تشملها التغطيات، حين تكون فيها كاميرا القنوات التلفزيونية الوطنية والأجنبية « شاعلة »؟
وإذا كنا نثمن عاليا ما يبذل من جهود مادية وبشرية، في أفق استكمال البناء الديمقراطي والقضاء على مختلف أوجه التخلف، فإن المسؤولين مطالبون بمزيد من الكد والاجتهاد وتدارك النقائص، التي من شأنها نشر الإحباط ونسف كل تلك الجهود، إذ مازالت الأمية متفشية في صفوف أعداد كبيرة من الناخبات والناخبين، الذين لا يحسنون حتى قراءة أسمائهم، فبالأحرى التعامل مع وسائل التكنولوجيا الحديثة. وليعلموا أن مرشحين فاسدين، تكفلوا بإرشاد « زبنائهم » إلى مراكز التصويت، بعد تمكينهم بأرقام مكاتب التصويت وأرقامهم الترتيبية في اللوائح مرفوقة بما تيسر من « زرقلاف »، ليلة يوم الاقتراع…
اسماعيل الحلوتي
Aucun commentaire