حفظ الذاكرة المنجمية لمدينة جرادة من خلال استحضار الماضي و التطلع نحو المستقبل
كلمة السيد النائب الإقليمي لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني
الدكتور محمد زروقي
بسم الله الرحمان الرحيم
و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين
و بعد،
السيد عامل صاحب الجلالة على إقليم جرادة
السيد رئيس المجلس الإقليمي
السيد رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان وجدة – فكيك
السيد المدير الجهوي لوزارة الثقافة
السادة ممثلي المصالح الأمنية
الساد ممثلي المصالح الخارجية
السيد ممثل المدير العام لوكالة تنمية أقاليم و عمالات الجهة الشرقية
السيد ممثل رئيس جامعة محمد الأول
السيد ممثل ودادية قدماء جرادة و حاسي بلال
أيها الحضور الكريم
يطيب لي أن أحضر فعاليات اليوم الدراسي الذي تنظمه اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بوجدة – فكيك ، بتعاون مع شركائها الفاعلين ، في محور جدير بكل عناية و اهتمام ، ذلكم المحور الذي اختارت اللجنة تحديد موضوعه في الحق في حفظ الذاكرة المنجمية لمدينة جرادة من خلال استحضار الماضي و التطلع نحو المستقبل . محور يستمد أهميته من الاهتمام الخاص الذي ينبغي أن يحظى به الرأسمال غير المادي للأمم و الشعوب بوصفه مقياسا للتقدم و التنمية من جهة ، كما يستمد أهميته من العناية المخصوصة التي يستلزمها المشروع التنموي في بنائه على أساس اقتران الحداثة بالتراث ، و قيام الحاضر على ثوابت الماضي و قواعده القائمة.
لقد أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده في الخطاب السامي الذي ألقاه بمناسبة الذكرى الخامسة عشر لعيد العرش المجيد على أهمية الاعتداد بمعيار الرأسمال البشري غير المادي مقياسا للقيمة الإجمالية للدول حين قال جلالته » و يعتبر الرأسمال البشري غير المادي من أحدث المعايير المعتمدة دوليا ، لقياس القيمة الإجمالية للدول (..)،ويرتكز هدا المعيار على احتساب المؤهلات التي لا يتم أخدها بعين الاعتبار من طرف المقاربات المالية التقليدية ، و يتعلق الأمر هنا بقياس الرصيد التاريخي و الثقافي لأي بلد ، إضافة إلى ما يتميز به من رأسمال بشري و اجتماعي، و الثقة و الاستقرار و جودة المؤسسات و الابتكار و البحث ».
إن نص الخطاب الملكي السامي، بحمولته القوية ، يسائلنا اليوم ، و بكل دقة و وضوح : أي رأسمال بشري تزخر به مدينة جرادة؟ و كيف يمكن أن يستثمر ليصير معيارا حقيقيا لقياس القيمة الراهنة و احتساب المؤهلات الكائنة؟
و إن تنظيم يوم دراسي حول حفظ الذاكرة المنجمية للمدينة يحمل في ثناياه عتبات الجواب ، و يمهد في طيه السبل إليه . وعلى قدر ما لامست أشغال هذا اليوم المنظم ،من خلال عروضه المؤطرة، و ما ستترتب عنه من حوار و مناظرة ، على قدر ما ستكون قد و ضعت اليد على مؤشرات قياس الرصيد التاريخي و الثقافي للمدينة ،و خصوصيات ما تزخر به من رأسمال بشري و اجتماعي.
ذلكم المبتغى ، و تلكم هي الغاية التي ينبغي أن تحظى بالعناية المستحقة، لتحدد المدينة، و في هذه الظرفية خصوصا أكثر من أي ظرفية مضت، رأسمالها الحقيقي الذي يمكن أن تساهم به في تنمية الإقليم و الجهة، ثم البلد الذي استطاع ،بفضل السياسة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، أن يضع قدمه على طريق الدول الصاعدة، و يبدأ ،بخطى ثابتة ،مسيرته عليه.
حضرات السيدات و السادة
إن السبيل الأنجع لتنمية أي مدينة أو إقليم رهين بمعرفة ساكنته برأسماله الحقيقي الذي يمكن أن يستثمر في صناعة التنمية، ذلك أنه ليس من المعقول أن نراهن على تنمية لا نملك أدواتها و آلياتها الميسرة، و كما أن ربان السفينة في إبحاره لا يفكر في أجنحة تطير، بقدر ما يضع كل همه على مجذاف و شراع ، فكذلكم الأمم و الشعوب، في مختلف ربوع الأرض و أقطارها ، لن تنجح في تنمية أوطانها إلا إذا راهنت على استثمار ما تملكه من رأسمال حقيقي بشري و اجتماعي ، مادي و غير مادي ، دون أن تتوق إلى نموذج لا تملك خامه و تربته الخصبة، مهما بلغ من الرقي و التقدم و الازدهار.
و هو الحال في مدينة تملك رأسمالا غنيا في ذاكرتها المنجمية ، بما تحفظه من ثقافة و ابتكار ، و ما راكمته من رصيد فني و إبداعي ، و نظام المؤسسات ، و حياة عمالية مكافحة ، و فكر إنتاجي ، و ثقافة الحوار ، و قبول التعدد و الاختلاف ، و وعي بنجاعة التعايش و قيمة الانفتاح ، و اهتمام بالبيئة و اعتزاز بالانتماء. و إن استثمارا ناجحا لمكونات هذا الرأسمال ، و توظيفا صحيحا لعناصره من منطلق و وعي تام بقيمته الكبيرة و إدراك و قناعة بجدوائيته ، كفيل و لوحده بتنمية هذه المدينة التي تحظى بحب جميع المغاربة و تقديرهم لتاريخها و مجدها العريق.
و اسمحوا لي ،في هذا المقام، أن أشيد بمشروع السيد عامل صاحب الجلالة على إقليم جرادة ،و رؤيته الحريصة على استثمار ذاكرة المدينة خاصة و رأسمال الإقليم غير المادي بصفة عامة ، من خلال تأكيده في كل محطة، و تذكيره في كل حين ، بأن لإقليم جرادة ثروة غابوية سياحية، و ذاكرة منجمية، ثقافية و فنية، ينبغي أن تستثمر و توظف ،و تركز الجهود عليها باعتبارها الرافعة الحقيقية للتنمية . فهل نراهن على صيد بحري لا نملك شواطئه، أو ملاحة ليست لدينا موانئها؟ أم نراهن على صناعات لا نملك موادها الخام؟ أم نستشرف مهنا لا يملك الإقليم خصوصية استيعابها و لا يتوفر على مؤسساتها الكفيلة ؟أم نتوق إلى منتوج لا نملك مواده الأولية و لا مهارة تصنيعية و لا خبرة عرضه و لا ضمانا لتسويقه؟
إن وعينا برأسمالنا الحقيقي و سيلتنا للتنمية التي نريد ، تلكم التنمية التي وضع الآباء و الأجداد من ساكنة هذه المدينة العزيزة لبناتها الأولى ، و يبقى لزاما على الأبناء و الأحفاد أن يواصلوا، على العهد ، البناء . مستحضرين ما تزخر به ذاكرة المدينة من تراث مجيد، و غير منقطعين عنه في صناعة الحداثة التي تؤهل المدينة لتبوئ مقعدها المناسب في مصاف يعكس قيمتها الحقيقية.
وإلى أن تبلغ المدينة مقصدها ، سيبقى هذا اليوم الدراسي بصمة فخر و اعتزاز في سجل ذاكرتها، يميط اللثام عن رأسمال لا مادي غني و عظيم ، لكنه خجول يحتاج إلى مزيد من عرفان ذويه و إدراكهم لقيمته الحقيقية .
حفظ الله مولانا الإمام ، صاحب الجلالة الملك محمد السادس أدام الله نصره و عزه، و جعل توجيهاته على الدوام نورا يهتدى بسراجه في بناء الوطن و تحقيق نمائه و خدمة أبنائه.
و فقنا الله و إياكم .
و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.
محمد زروقي
النائب الإقليمي لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني-جرادة
Aucun commentaire