بين احتكار السلطة و الثروة و اقتسامها
كان المفكرون و منذ النهضة الأوروبية يضعون مقارنات بين الشرق المتدين، المتسلط، المحافظ،المتخلف و المنغلق، وبين الغرب الملحد و المادي و المتقدم الحر و المنفتح.
و المقارنة تصل إلى نوع النظام السياسي في الشرق حيث تعشش فيه الأنظمة الديكتاتورية، ونوع النظام السياسي في الغرب الذي ودع و بدون رجعة هذه الأنظمة الكليانيةrégimes totalitaires و توجه إلى الأنظمة الديمقراطية التي تعتمد على نشر ثقافة الحقوق و الواجبات،وسيادة القانون، و ثقافة احترام الآخر و الحريات التي يحدها القانون(الغربي طبعا).
كخلاصة بين شرق حكامه يملكون كل السلطة و يتحكمون في المال و الرقاب و الدواب، و غرب حكامه يقتسمون السلطة و يقتسمون الثروة و الرفاهية، والحقوق و الواجبات و الأفراح و المآسي.فلا فرق بين الحاكم و المحكوم، أمام القانون(المستنبط من أعمال العقل) الذي ليس له قلب.انه العدل الاجتماعي (أو العقد الاجتماعي المتفق على تنفيذه على الجميع و مع الجميع).
بناء على ما سبق سأقدم ظاهرتين سياسيتين من الغرب الديمقراطي و الشرق الدكتاتوري، في أنظمة الحكم و الحاكمين.
الظاهرة رقم1)يعتبر (جيورجيو نابوليتانو)Giorgio napolitano رئيسا للجمهورية الايطالية منذ انتخابات مايو 2006الى حدود 14يناير2015 حيث قدم استقالته من منصبه و بعث برسالة استقالته إلى كل من الحكومة الايطالية و مجلس البرلمان.
و السيد(جيورجيو) ولد في 29يونيوسنة1925بمدينةنابولي Naplesالايطالية.
له شهادة في الحقوق و دكتوراه في الاقتصاد السياسي(سنة الحصول عليها1947).
انخرط في الحزب الشيوعي، و في مقاومة الجيش النازي و الفاشي خلال فترة احتلال ألمانيا لايطاليا.
تنحى عن رئاسة ايطاليا بإرادته الحرة نظرا لإحساسه بشيخوخته و عدم قدرته على مواصلة الولاية الرئاسية التي تنتهي سنة 2020.وله من العمر الآن 89 و 6اشهر.
الظاهرة رقم2)الرئيس التونسي (باجي قايد السبسي) انتخب رئيسا للدولة التونسية منذ 31ديسمبر2014وهو ينتمي إلى حزب(نداء تونس).
و السيد (السبسي) ازداد في 29نونبر1926ب »سيدي بوسعيد ».
درس في باريس وحصل على شهادة سنة 1950امتهن المحاماة سنة1952.
تعتبر عائلته من التي خدمت في قصر »الباي »beyوهو اللقب للولاة الأتراك في تونس في الإمبراطورية التركية،التي كانت تصل حدودها مع المغرب الأقصى.
اشتغل في عهد الرئيس بورقيبة كمدير للأمن الوطني، ووزيرا للداخلية ووزيرا للدفاع.و يصنف عند البعض كمنتهك لحقوق الإنسان عندما كان مديرا للأمن، ووزيرا للداخلية،وعند البعض كعميل للاستعمار الفرنسي…
ووظائف أخرى في عهد الرئيس زين العابدين بنعلي….
الرئيس السبسي يقدم نفسه كعلماني يؤمن بفصل الدين عن الدولة.و هو الآن في سنه89 سنة.
المقارنة: الرئيس الايطالي(89سنةو6اشهر)يتنحى عن الرئاسة بإرادته لإحساسه أن كبره في السن يجعله عاجزا عن أن يقدم لايطاليا(الشعب) أي شيء.رغم أن الأمر في تدبير شؤون الدولة يعود إلى رئيس الوزراء.وفسح المجال للآخرين أن يرشحوا أنفسهم رغم أن ولايته تنتهي في2020.
بين الحاكم العربي و الحاكم الغربي مسافات من الأزمنة الضوئية في الرؤية للأمور من الأصلح ومن يفيد الآخرين.الأول يخرج من الرئاسة في 89سنة و بضعة شهور من عمره، لإحساسه بعمره المتقدم وهو أوروبي غربي،و الثاني يدخل إلى قصر الرئاسة في89 من عمره،وإحساسه يوهمه انه سيقدم شيئا ذا معنى للشعب التونسي و هو في أرذل العمر،وشاخ فكره و تفكيره و تصلبت وشلت أوصال عقله.وبينه و بين الشباب التونسي أربعة أجيال كاملة.
أليس حب الحكم و حب الكرسي الذي جره من عنقه؟.الم يشر إلى ذلك كل الدارسين للتاريخ العربي منذ موت النبي سيدنا محمد،و الثورة التي قامت بعده على الحكم و السيادة؟؟.الم يشيروا إلى انصراف العرب عن العلم و التحصيل إلى الغنيمة و التجارة و الحكم و السيادة؟الم يتركوا أمر العلم و التفوق فيه إلى المسلمين غير العرب و إلى المسيحيين وغيرهم؟؟؟
حكام الغرب وجدوا ليخدموا شعوبهم و إذا أخطأوا أو سرقوا، أو ضللوا الشعب،و تجاوزوا الحدود، فالقانون وحده يحاسبهم.لأنهم وصلوا إلى مستوى أرقى في سلم الحضارة المبنية على التقدم العلمي و احترام القانون و الآخر..
أما الحاكم العربي فوجد ليخدمه الشعب، لا ليكون خادما له .وهو من يحاسب و يعاقب و يجازي و يعفو .القانون العربي لا وجود له.وان وجد فلكي يخرقه القوي،وان طبق فلا يطبق إلا على الضعيف و الفقير.
و إذا نظرنا إلى غير السبسي من الآخرين من العرب ماذا نلاحظ؟
الرئيس الجزائري(ازداد في 02مارس1937بوجدة) عمره78سنة .تولى الرئاسة بأمر من المجلس العسكري منذ 27ابريل 1999يتنقل الآن بواسطة كرسي متحرك وهو يقترب من أرذل العمر،ولا يملك المؤهلات الفكرية و لا الجسمية لقيادة شعب ، ولم يتنازل لمن هو أكفأ منه.
الرئيس التونسي زين العابدين بنعلي(03ديسمبر1936) تولى الحكم في 12ابريل1989بعد انقلاب على الرئيس الحبيب بورقيبة. هرب من الرئاسة ومن البلد في14يناير2011 جراء ثورة شعبية لم يقدر أن يسيطر عليها،بعد حكم بوليسي فاسد دام22سنة.
الرئيس الليبي معمر ألقذافي(07يونيو1942تولى رئاسة البلاد بعد انقلاب على النظام الملكي السنوسي وعلى الملك إدريس الأول ، في فاتح شتنبر1969 كان يحضر ابنه لخلافته لولا قيام الثورة عليه ، وكانت نهايته مأساويةفي20اكتوبر2011.بعد حكم عمر لمدة(42سنة)، لا وجود فيه لانتخابات حتى لو كانت صورية…
الرئيس المصري محمد حسني مبارك(04ماي1928تولى الرئاسة بعد مقتل الرئيس أنور السادات في 06 أكتوبر 1981وادى اليمين الدستورية كرئيس للبلاديوم14اكتوبر1981 كان رئيسا مدى الحياة،و يهيء ابنه لخلافته لولا قيام الثورة التي أنهت حكمه يوم11فبراير2011 (30سنة من الحكم)… ويقدم للمحاكمة الآن بتهم متنوعة بما فيها اختلاس أموال عامة و الفساد.
الرئيس السوداني الفريق عمر البشير(01يناير1944) تولى الحكم كرئيس لمجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني في30يونيو1989 بعد انقلاب عسكري على حكومة مدنية هي حكومة الأحزاب الديمقراطية برئاسة رئيس الوزراء في تلك الفترة وهو الصادق المهدي.عرف حكمه انقلابات كثيرة أبرزها انقلاب 1990 وعرف عهده انقسام السودان إلى شمالي و جنوبي،ومعرض أيضا إلى انقسامات أخرى.ومنذ 14يوليوز2008 ،والرئيس السوداني متابع و متهم من طرف المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور.
عمره الان71سنة وأمسك الحكم منذ30يونيو 1989 بعد انقلاب عسكري .أي 26سنة سنة من الحكم إلى حد الآن، ولا زال في السلطة، يرقص رافعا عصاه في كل مناسبة… »و العصا كدلالة رمزية تشير إلى القمع و التسلط والعقاب(العصا لمن عصى) ».
العصا لمن عصى شعار المجتمعات المتخلفة في البيت و المدرسة وغيرها من المؤسسات…ولكن العصا تولد العصيان و النفاق و الخوف و كل الأمراض الاجتماعية.ولقد أشار إلى هذا كثير من المفكرين المسلمين مثل ابن خلدون وابن سينا و غيرهم،في معاملة الصبيان….
الرئيس اليمني علي عبد الله صالح(21مارس1942)تولى الحكم22ماي1978الى غاية25فبراير2012 كان ينتظر خلافة مدى الحياة، و يحضر ابنه لخلافته لولا الثورة اليمنية التي زعزعت أركان حكمه.ولولا المبادرة السعودية و الخليجية(التنازل مقابل المال و الحصانة من أية متابعة قضائية) لعرف نهاية غامضة…دامت مدة حكمه34سنة.
الرئيس السوري بشار الأسد(11شتنبر1965) استلم الرئاسة بعد وفاة والده حافظ الأسد في10يونيو سنة 2000الثورة بدأت في سوريايوم15مارس2011 ، وكانت تطالب بالإصلاحات أولا،ثم عندما بدا التمرد المسلح،رفعت الشعارات برحيله .ولا ننسى أن القوى الخارجية المحيطة به، و الدول الكبرى الغربية و إسرائيل هي من سعرت التمرد الداخلي ليتحول إلى حرب أتت على الأخضر و اليابس…
و الخلاصة: من المستحيل و النادر أن يتنازل الحاكم العربي بمحض إرادته أو لوعيه بعدم قدرته أن يخدم الشعب(حتى عبد الناصر عندما قدم استقالته لانهزامه في حرب 1967 لم تكن استقالة حقيقية،بل حسب كثير من الدراسات الحديثة ، كانت محاولة لجس نبض الشارع العاطفي المنفعل الذي يغير مواقفه180درجة(الشارع العربي يبكي مع جلاده)).
الحاكم العربي لا يفارق الحكم إلا مقتولا أو ميتا أو هاربا منفيا أو مسجونا…و لا يلتزم بولاية محددة في الزمان، لعدم وجود دستور يحددها. وحتى إن وجد الدستور أو الميثاق، فانه يعاد خرقه من جديد حتى يتناسب مع أهواء الحاكم …حدث هذا على سبيل المثال في عهد جزائر بوتفليقة و سوريا في عهد بشار الأسد( الرئيس يجب أن يكون عمره40سنة)… ومصر في عهد حسني مبارك…
أما الانتخابات الرئاسية فان جرت تكون نتائجها مزورة 100%…وبدون خجل يعلن عن فوز الحاكم العربي بنسبة99،99%
ما يطبق من أحكامles jugements على حكام العرب ،يطبق على رؤساء الأحزاب العربية، إذ من النادر جدا أن نصادف رئيس حزب يستقيل من رئاسة الحزب أو من منصب حكومي، بمحض إرادته انتقاما لشرفه و عزة نفسه،أو لكبر سنه، أو أنه فشل في تطبيق برنامجه السياسي ،أو فقد شعبيته،أو اتهم بخيانة الأمانة و سرقة أموال الشعب،أو لفضيحة أخلاقية،أو التجسس لفائدة دولة أجنبية..
ويحق لنا أن نسأل:هل نعاني من جرثومة خبيثة لها اسم الديكتاتورية،نجدها في كل الأجسام:في الحاكم، و أنظمة الحكم، ومؤسسات المجتمع،حتى تلك المرتبطة ارتباطا وثيقا بالمجتمع كالأسرة و المدرسة و المحكمة و المشفى العمومي و السوق الخ…
إن القطار الذي يحمل بضاعة الديمقراطية و حكم القانون وحقوق الإنسان و الحريات،و السعي إلى المصلحة العامة،لا يمر من المحطة العربية،على الأقل في الوقت الحاضر….
انجاز:صايم نورالدين
2 Comments
شكرا على قبول نشر الموضوع و شكرا مزدوجا على الاختيار الموفق بدرجة كبيرة للشعار الدكتاتورية و الدمقراطية.
سي صايم نور الدين أنا من المتتبعين لمقلاتك ، أسلوبك رائع مقنع وبسيط يذكرني بالدكتور مصطفى محمود