الجامعة الجزائرية: لاحق للتاريخ في تقرير مساره
رمضان مصباح الادريسي
المغرب يرث بالفرض والتعصيب في حرب التحرير الجزائرية:
على مدى يومي 17 و18 نونبر2014،كانت دار الثقافة بولاية الشلف(الجزائر) على موعد مع فعاليات « الملتقى الدولي الأول » التي اشتغلت على موضوع « أصدقاء الثورة الجزائرية،ومسألة التدويل:من الإيمان بالقضية إلى التجسيد-1954،1962″. الملتقى من تنظيم كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية:جامعة حسيبة بن بوعلي؛وقد أشرف على افتتاحه
وزير المجاهدين السيد الطيب زيتوني.
ومن منطلق مُلازمة مفتاح التاريخ الجزائري لجيبي ،لحاجتي الدائمة الى فهم ملابسات الحاضر ،أجدني ،على الدوام،مضطرا الى تحديث معارفي، إيمانا مني بأن كتابة التاريخ لا تنتهي أبدا؛لأنه قلعة بغرف وزوايا متعددة، وغالبا ما تكون مظلمة ،ولا تنكشف دفعة واحدة. إن التاريخ يصنعه القادة والشعوب ،ثم ينتهي- إن كان ينتهي-إلى أن تبعثه القراءات التي يجب أ لا تنتهي.
إن الحدث التاريخي كالقدر لا راد لقضائه؛ومهما تلبسته السياسة،وسارت به عكس اتجاهه ،فان القراءات التي يذهب بعضها ببعض ،أو يصححه،تعيده الى مساره الصحيح.
بين يدي الآن ،من ضمن وثائق موضوع اليوم- وسيلاحظ القارئ أن بعضها مفاجئ- الأرضية العلمية للملتقى الدولي المذكور،وأترجم منها العناصر الآتية :( لغة التاريخ الجزائري فرنسية غالبا)
» مزاوجة الثورة الجزائرية بين التعبئة الداخلية والخارجية. إقناع المجتمع الدولي بعدالة القضية. تعدد أشكال ومجالات تدخل المساندين الدوليين للثورة. حشد إستراتيجية تدويل الثورة للدعم الشعبي ،داخل التراب الفرنسي وخارجه.
انهيار النظام الكولونيالي ،بموجب تدويل الثورة،وتضحية الأصدقاء »
وتنتهي الأرضية بالتأكيد على أن « هذا الملتقى الدولي لا يهدف فقط الى الإشادة بكل الذين ناصروا ثورة التحرير ،التي كانت تبدو قضية خاسرة ،وحتى مجرد « يوتوبيا » ،وإنما ،أيضا، الى الوقوف عند هذه الصفحة من التاريخ ،لتمكين الباحثين من العدة المنهجية والأرشيفية ،الأساسية، لاغناء معارفهم.
أما اللجنة العلمية فتكونت من ثلة من الباحثين الجامعيين ،موزعة دوليا وفق الآتي:
الجزائر: 6 – فرنسا:2 – انجلترا:1 – ألمانيا:1 ايطاليا:1 – مصر:1 – تونس:1.
طبعا لا يسع المرء إلا أن يثمن،أكاديميا، مثل هذه الجهود التي تبذلها الجامعة الجزائرية لكتابة تاريخ الثورة ؛خصوصا وقد ألح وزير المجاهدين، في كلمة الافتتاح التي تناقلتها العديد من المنابر الإعلامية الجزائرية، على ضرورة الإسراع بالاستماع الى شهادات الأحياء من المجاهدين،قبل فوات الأوان .منحى ميداني واقعي بتعزز بشهادات أصدقاء الثورة من الأجانب.
أين المشكل؟ دولة تكتب تاريخها،وهي حرة في كتابته بالكيفية التي تريد؛وحرة في استضافة من تشاء من أصدقاء ثورتها. يبدو هذا الاعتراض وجيها من الناحية السياسية ؛فمن المستبعد جدا – حاليا-أن تنتبه الجزائر الرسمية الى كون المغرب ،ليس فقط صديقا لثورتها ،وإنما أخا شقيقا لها ،يرث بالفرض والتعصيب معا؛وله أسهم في بنك الدماء الذي تفتخر به ثورة المليون شهيد .
أما من زاوية الصرامة المنهجية الأكاديمية ،فتظهر جامعة الجزائر هنا – بموجب إقصاء شريك في التاريخ- كمجرد فرع من فروع حزب جبهة التحرير ؛يمكن أن تكتب التاريخ الرسمي الذي يؤطر اديولوجية الدولة ؛لكنها لن تكتب التاريخ الصحيح الذي يُقرر في مساره ،مُحَكما فقط آليات القراءة والكتابة الأكاديميتين.
إن شطرا مهما من تاريخ الثورة الجزائرية مغربي الطابع،وجدي النزعات؛كما تعرف « جماعة وجدة » جيدا.
كما تتوفر الخزانة المغربية، الملكية، الجامعية والوطنية،على رصيد مهم من الوثائق والدراسات التي اشتغلت على حركات التحرير في الوطن العربي والمغاربي؛وبصفة خاصة الثورة الجزائرية « العاقة ».
ومن هنا فان الملتقى التاريخي الدولي –كما نعته منظموه- خسر المشاركة المغربية ،أكاديميا؛و »أفلح » سياسيا في إقصاء شاهد إثبات ؛قد يحرج الحضور الرسمي ؛خصوصا أمام جامعيين أجانب لا يعتدون بغير الصرامة العلمية.
وفي اطار هذا « الفلاح » الأكاديمي الجزائري ،أستدعي حادثة انسحاب جامعي مغربي ،أخيرا، من ملتقى السرديات
المنظم بجامعة وهران ؛وقد برر انسحابه ،حسب بيانه المنشور بموقع « وجدة ستي » بكونه لاحظ أنه الأجنبي الوحيد الذي أقصي من لائحة الدكاترة الأجانب المرشحين للسلام على السيد الوالي. عبرت لهذا الأستاذ عن اعتزازي بموقفه.ليس المهم هنا السلام على سيادة الوالي ؛فالأمر موغل في التفاهة،مغربيا،وانما كشف الحادثة لمدى هيمنة جزائر الأحذية الثقيلة على جامعتها .هذا في ملتقى أدبي سردي، فما بالك بالتاريخ؟
أن التاريخ الجزائري القديم والحديث – مهما حاولت مدرسة التزييف والاقصاء- سيظل مرتبطا بتاريخ المغرب:هو هو ،كما تقول المعتزلة
نصوص مباغتة للتاريخ الجزائري الرسمي:( الأمير عبد القادر يبايع السلطان مولاي سليمان)
هي بين يدي الآن بفضل الغيور على الوطن والتاريخ الأستاذ مصطفى مشيشي؛وأعرضها على القارئ الكريم ،ولو أننا في مقام كتابة التاريخ الجزائري الحديث؛حتى يتبين– أولا- سبب استضافة الملتقى لجامعيين أجانب،من فرنسا،ألمانيا،بريطانيا وايطاليا؛وإعراضه عن الأشقاء المغاربة،المصنفين،رسميا، أعداء للثورة على ما يبدو.
ويتبين – ثانيا- أن التاريخ الجزائري القديم والحديث – مهما حاولت مدرسة التزييف والاقصاء- سيظل مرتبطا بتاريخ المغرب:هو هو ،كما تقول المعتزلة.
النص الأول:
» أما الطريقة الشاذلية فقد تأسست في النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي،ومركزها بوبريح في مراكش-المغرب-وكان من أشياخها سيدي العربي الدرقاوي المتوفى سنة 1823م،الذي أوجد عند مريديه حماسة دينية شديدة،امتدت الى المغرب الأوسط-الجزائر- وكان للدرقاوية دور فعال في مقاومة الفتح الفرنسي »
« ..مادام هذا الشيخ حيا لم تطمع فرنسا في دخول الشمال الإفريقي،لأن الأمير عبد القادر الجزائري كان تلميذا للشيخ مولاي العربي؛وكان هو الذي يأمره بالجهاد.. »
شكيب أرسلان:كتاب حاضر العالم الاسلامي.ج2 ص:396
النص الثاني: رسالة من السلطان مولاي سليمان للشيخ العربي الدرقاوي.
» محبنا الفقير الشريف مولاي العربي الدرقاوي،سلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛وبعد فقد وصل كتابك وعرفنا ما فيه ،وبلغنا كتاب الشريف سيدي عبد القادر بن الشريف – الجزائري- وكتبنا له الجواب ،وهاهو يصلك فطالعه وتدبر أمره؛فان الذي ظهر لنا من الرأي تأخير هذا الأمر الى خروج فصل الشتاء ،ودخول فصل الربيع فهو أليق وأصلح؛إذ فصل الشتاء لا يتحرك فيه أحد من كثرة الوحل وعمارة الأودية وقلة المرافق.فاذا خرج الشتاء نتوجه ،بحول الله وقوته ،بأنفسنا وعساكرنا المظفرة ،ويكمل الفتح إن شاء الله.أكِّد على سيدي عبد القادر إذا سمع بوصولنا الى وجدة أو تلمسان يقدم علينا إن شاء الله. في متم شعبان 1220ه.
النص الثالث:رسالة ثانية من السلطان مولاي سليمان الى الشيخ مولاي العربي الدرقاوي
« الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه.
محبنا في الله الشريف الحسني ،الفقيه البركة سيدي العربي الدرقاوي،سلام عليك ورحمة الله وبركاته،وبعد فقد بلغنا كتابك ،فجزاك الله خيرا عن نصحك للمسلمين ،فإننا لا نريد إلا العافية والهناء لكم ولذلك وجهناك- يقصد الى الجزائر- وما ذكرت من قدومك ببيعة ولدكم السيد عبد القادر بن الشريف –أي الجزائري- مع أصحابه فمرحبا به وبأصحابه؛فالله يوفقه للخير ويعينه عليه .وقد أحسنت بالإتيان بتلك القافلة ،وجلوسك عليها حتى خلصها الله على يدك من التلف .الكل في ميزان حسناتك إن شاء الله ؛وإذا قدمت علينا نتشاور معك في أمر تلك الناحية –يقصد وهران وما يليها-وما تشير يكون عليه العمل ،إن شاء الله،لأنه ليس من رأى كمن سمع . والسلام في 16 جمادى الأخيرة عام 1220ه.
المرجع: كتاب » الإمام مولاي العربي الدرقاوي:شيخ الطريقة الدرقاوية الشاذلية .ترجمته وبعض آثاره.
للدكتور محمد بن محمد المهدي التمسماني.دار الكتب العلمية .بيروت 1971.
هكذا كانت بداية مسار التاريخ الجزائري الحديث؛تلميذا في المدرسة المغربية العريقة ،ولا يزال حتى في تنطعه يبرهن على أن قدره أن يكون مغربيا ،ومغاربيا،ولو كرهت الجبهة والجامعة معا.
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى *** فما الحب الا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى *** وحنينه أبدا لأول منزل
ramdanemesbah@yahoo.fr
ramdane3.ahlablog.com
1 Comment
أصيت أخي
في الملتقى الأول لذاكرة جرادة أتانا أحد أبناء المدينة بوصل من اكتتاب لوالده العامل المنجمي والنقابي لجبهة التحرير الوطني في الخمسينيات
مما يبرز مساهمة المغرب في الثورة الجزائرية ماديا ومعنويا وبالدم
أود فقط أن أشير أن انسحابي من أشغال الملتقى الدولي للسرديات بجامعة يشار وليس وهران ثم الأمر ليس له علاقة بالسلام على الوالي أنا التقطت الإشارة بأن الأمر له علاقة ببلدي فانسحبه
السلام زايد ناقص أخي رمضان