سنة التدافع وعوامل النصر (15) بقلم عمر حيمري
سنة التدافع وعوامل النصر (15) يتبع : بقلم عمر حيمري
كما يجب أن يضع إستراتيجية واضحة لمواجهة العدو تقوم على الأسس التالية : أولا التحريض على القتال تماشيا مع أمر الله : [ يا أيها النبي حرض المومنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ] ( سورة الأنفال آية 65) .
والتحريض ضده التثبيط ، ويعني في لسان العرب : القتال والحث والإحماء عليه . وهو يعني أيضا ، المبالغة في الحث والترغيب والإغراء على الجهاد والترغيب في مواجهة العدو وقتاله ، والترهيب والوعيد ضد المثبطين من المنافقين والكفار ، لتكون كلمة الله هي العليا ، ولرفع الظلم والضيم عن الإخوة الضعفاء المنبوذين المعذبين في الأرض لقوله تعالى [ وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ] ( النساء آية 75 ) . إن مسؤولية التحريض تقع على القائد ، وهي ضرورية لفئة المؤمنين التابعين له ، لرفع معنوياتهم ولتثبيت وحفز أنفسهم وطمأنتها وتذكيرهم بقوة الله التي تساندهم ، وبالنصر الموعود الذي وعدهم به الله ، حتى وإن كان البون شاسعا بين عدد المومنين وعدد عدوهم ، لأن قوة خفية غير مادية يملكونها وتساندهم ، ألا وهي قوة الله التي لا تقهر ولا تهزم ، ولأنهم أكفاء لعدوهم وإن كانوا قلة ، لكونهم أصحاب عقيدة وقضية يدافعون عنها ، وأصحاب معرفة بالغاية التي وجدوا من أجلها وهي تحقيق العبودية لله وحده لا شريك له ، وإقامة العدل ، ودفع الفساد ، وعمارة الأرض ، ورعاية الكون بالحق ، كما أنهم أصحاب تصور واضح للحياة الأخرى ، وهم على وعي بالصفقة التجارية الرابحة التي أبرموها مع الله . إذ باعوه الأنفس واشترى منهم بأن لهم الجنة والرضوان والنعيم الخالد ، وهم يعرفون كذلك تمام المعرفة النهاية أو المصير الذي ينتظرهم ، إن هم زاغوا عن تعاليم الإسلام و عن الامتثال لشريعته وعن ما أمروا به … أما عدوهم فهو لا يعقل ولا يفقه ولا يعلم عما يحارب من أجله غير المال والسلطان وحب المغامرة ، أما الآخرة فهو لا يحمل همها ، ولا يحسب لها حساب ، ولذلك تراه يتقهقر ويتراجع عند أول إحساس بالخسارة المادية تلاحقه ، لأنه لا يطلب الموت ولا يتمناه باعتباره مصير مجهول وفناء دائم بالنسبة إليه ، وتضييع لفرصة الزهو بالحياة والتمتع بملذاتها ، واستغلال العمر في الترف واللهو واللعب . وعلى هذا الأساس فليس هناك في اعتقاده شيء يستحق التضحية بالحياة الدنيا وزينها ولو كان الانتصار الذي قد يستفيد منه غيره .
إن الله سبحانه وتعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالجهاد ولو وحده ، لقوله تعالى : [فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ] (سورة النساء آية 84 ) .ولكن يبقى الحث والتحريض على القتال ، أمرا واردا ومأمورا به أيضا ، لإقامة الحجة على المرجفين والمنافقين القواعد والخوالف ، من الذين في قلوبهم مرض . أما فريضة الجهاد فهي ماضية بهم أو بدونهم ، لا يضر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة من خالفه وتقاعس عن القتال معه ، فالرسول صلى الله عليه وسلم وحده كفيل بالمعركة ، وكفء لها لقوله صلى الله عليه وسلم : { فو الذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ولينفذن الله أمره } ( حديث مرفوع رواه البخاري ) .
إن القائد الأسوة ، لا يحق له التراجع أو التقاعس ، ولا يسمح له بالضعف أو المماطلة في لقاء العدو ، وعلى عاتقه تقع مهمة التحريض والتخطيط للحرب والإعداد لها مع التوكل على الله ، وفي جميع الغزوات كان الصحابة رضي الله عنهم يحرضون المجاهدين على القتال تأسيا برسول الله ، وهذا ما قام به خالد بن الوليد في غزوة اليرموك ، إذ ألقى خطبة تحريضية في الجيش ليهون على عليهم مصاعب الطريق التي اختارها إلى اليرموك لأنها بعيدة عن الأنظار وفي نفس الوقت أراد أن يستشير الجيش ويضعه على المحك ، فقال : « » أيها المسلمون ، لا تسمحوا للضعف أن يدب فيكم ، ولا للوهن أن يسيطر عليكم ، واعلموا أن المعونة تأتي من الله على قدر النية ، وأن الأجر والثواب على قدر المشقة ، وأن المسلم ينبغي له ألا يكترث بشيء مهما عظم ما دام الله في عونه « » « » وصلت رسالة خالد إلى الجند ، وتم التواصل فأجابوا بما أثلج صدر قائدهم فقالوا : أيها الأمير ، أنت رجل قد جمع الله لك الخير ، فافعل ما بدا لك وسر بنا على بركة الله « »
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القائد الأسوة ، كان سريع الاستجابة لربه إذ أمره بالقتال وبتحريض المومنين ، فراح يعد الإستراتيجية الحربية ، التي يواجه بها العدو، وهذا ما سجله القرآن الكريم في الآية الكريمة : [ وإذ غدوت من أهلك تبوء المومنين مقاعد للقتال والله سميع عليم ] ( سورة آل عمران آية 121 ) . فقد خرج صلى الله عليه وسلم من عبادة صلاة الجمعة ، ودخل مباشرة في عبادة الجهاد غير مهتم بالأصحاب إن هموا تثبطوا عن الجهاد . ما كان للقائد الأسوة ، أن يتباطأ أو يتقاعد وهو المأمور بالقتال ولو وحده ، وهذا من تمام العزم والهمة واليقين في الله. لقد بدأ صلى الله عليه وسلم بتدبير الحرب من بيته ، إذ لبس لأمته ( درعه ) وخرج يبوء أصحابه مقاعد القتال ويحدد مهامهم القتالية ويوزعها حسب كفاءة كل منهم ، بعد التشاور في أمر القتال والعزم على ملاقاة العدو خارج المدينة ، ثم أعقب هذا تنظيمه للصفوف ، فاختار الدليل من الأنصار ، حتى نزل به الشعب من أحد ، وجعل ظهره إلى أحد ، ونهى عن القتال ، حتى يصدر أوامره ، ونظم الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير وأمره وأصحابه وشدد على أن لا يغادروا مواقعهم ، حتى ولو رأوا الطير تتخطف المقاتلين وكلفهم بمهمة رشق المشركين بالنبل ليمنعوهم من التسلل خلف الجيش الإسلامي . وسلم اللواء لمصعب بن عمير وجعل على الميمنة والميسرة ، كلا من الزبير بن العوام ، والمنذر بن عمرو . ثم ستعرض الشباب ليميز بن القادر على الحرب وغير القادر ، فرد من بدا له صغيرا ، وأجاز من رآه قادرا على القتال ، ووشح بسيفه صلى الله عليه وسلم ، أبي دجانة سماك بن خرشة ، لما رأى فيه من شجاعة وقوة ومعرفة بفنون الحرب تشجيعا له ، وليتخذه الجند قدوة ومثالا يحتذى به .
انهزم المشركون بداية ومن شدة الفرح نسي الرماة أوامر القائد الأسوة وتخلوا عن مواقعهم ، فكان الخلل ولم تنتظر العقوبة المخالفين لأمر رسول الله . إذ دارت الدائرة على المسلمين واستولى عليهم الذعر وكثر فيهم القتل ولم يثبت مع رسول الله إلا نفر معدود على الأصابع وأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسر رباعيته اليمنى في الفك الأسفل وغاصت حلقتان من حلق المغفر في وجنته ، وصدق عليهم قوله سبحانه تعالى [ … فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ] ( سورة النور آية 63 ، وهذه عقوبة من يخالف أوامر رسول الله القائد الأسوة جعلها الله سبحانه وتعالى ناموسا وقانونا وقاعدة دائمة ، صالحة في جميع الأزمنة والأمكنة ، فهي المنهج الرباني الذي يسير وفق سنة الله وقدره والتي يريد الإسلام تقريره وتأكيده ، إذا حيد عنه اضطربت المعركة ووقعت الفتنة ولحقت الهزيمة . ولقد دفع الصحابة الثمن غاليا نتيجة تخلي الرماة عن أمر رسول ، فكان الدرس بالغا لمن يتولى مهمة القيادة الراشدة .
ثانيا الإعداد الاستراتيجي للمعركة : إن من أعظم الأمور التي تدل على صدق الرغبة في الجهاد والعزم عليه هي إعداد العدة [ ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين ] ( سورة التوبة آية 46 ) وهذا حال المنافقين في كل وقت وحين . ( يتبع ) بقلم عمر حيمري
Aucun commentaire