سقوط التعليم الابتدائي العمومي بمعول غياب الوعي الجمعي بخطورة ما نتواطأ عليه في بنية فعلنا المهني العميقة
سقوط التعليم الابتدائي العمومي بمعول غياب الوعي الجمعي بخطورة ما نتواطأ عليه في بنية فعلنا المهني العميقة
في سياق الاطلاع على نتائج إحدى الدراسات حول التعليم الابتدائي في المؤسستين العمومية والخصوصية؛ ألفيت نفسي أتساءل انطلاقا مما تجمع لدي من أحداث الواقع المعيش في إطار النقد الذاتي عن:
ـ هل التفاضل بين المؤسستين يقع بناء على مؤشر جودة التعليم أم على مؤشر الثقافة الشعبوية والدعاية والممارسات السلبية؟
ـ أليس زلات مؤسسة التعليم العمومية ـ إن وجدت! ـ هي لصالح مؤسسة التعليم الخصوصية في ظل ثقافة عامة تتشاءم من الأولى؟
ـ أتنهض المؤسستان لضمان حق التعليم للطفل المغربي وفق منظومة حقوق الإنسان والطفل أم هما للتمايز والتمييز؟
ـ تفيد أدبيات التربية بأن السياسة التربوية لها بنية سطحية وأخرى عميقة؛ فإلى أي حد قراءتنا لكليها قراءة صحيحة وواعية؟
ـ متى نثور على متحجرات تفكيرنا الجمعي الذي رسب في ثقافتنا ما يسكن وضعنا في الخلف ويربطه إلى الوراء وربما يرديه في التأخر؟
ـ أيشكل التعليم أزمة مجتمعية مستعصية المقاربة والحل تؤدي إلى تعميق التمييز والتمايز اجتماعيا؟
ـ أنمتلك مشروعية التساؤل حول فعلنا التعليمي بين المؤسستين بناء على منطق الحضور العلمي في الحضارة الإنسانية؟
ـ أيمكن الحكم بالقيمة العلمية في ظل ذلك المنطق لصالح إحدى المؤسستين؟
ـ إلى أي حد يمتلك المغرب مرجعية علمية موضوعية للتفاضل بين المؤسستين أم التفاضل مبني على المعطى الشخصي لزبائن المؤسستين أم التفاضل يشكل فقط حالة اقتصادية؟
هذه الأسئلة وغيرها تستحق الطرح والمقاربة والبحث العميق، خاصة في ظل نتائج تلك الدراسة التي أفادت حاليا؛ بأن مدينة الدار البيضاء يشكل فيها التعليم الابتدائي الخصوصي 57% من مجمل التعليم بالمدينة، وبما يفسح للتعليم الابتدائي العمومي مساحة 43%، وهو ما يثير تلك الأسئلة، خاصة على مكونات منظومة التربية والتكوين في المؤسسات التعليمية العمومية من حيث يشكل هذا المعطى مصابيح حمراء تنبه العقل التربوي إلى ما سيؤول إليه التعليم الابتدائي العمومي في المستقبل القريب؟! ألا تنعكس هذه النسبة على مجال الوظيفة العمومية في قطاع التعليم؟ ألا توفر لخزينة الدولة ميزانية ضخمة حين تريحها من البناء والتجهيز والتوظيف … ما يسمح لها بصرفها في قطاعات أخرى؟ ألا تشكل هذه النسبة ربحا لرؤوس الأموال المستثمرة في قطاع التعليم الخصوصي؟ ألا تنعكس هذه النسبة على فرص الانتقال من العالم القروي إلى العالم الحضري بالنسبة للحركة الوطنية والجهوية والإقليمية؟ ومن هنا يأتي السؤال الصعب، وهو: من المستفيد من هذه الأزمة؟ أهو المتعلم أم مكونات المنظومة التربوية أم رؤوس الأموال المستثمرة أم السياسة التربوية أم …؟
والتعليم الابتدائي يقودنا إلى الحديث عن التعليم الإعدادي والثانوي والجامعي. فإذا كانت بعض الأسر المغربية ترفع عن الدولة تكاليف دراسة أبنائها على مختلف مستويات التعليم، أليس من حقهم على الدولة الاعتراف بالشهادات الجامعية للتعليم الجامعي الخصوصي، والسماح لهؤلاء ولوج قطاع الوظيفة العمومية مثل خريجي التعليم الجامعي العمومي؟ أم يظن البعض أن شهادات التعليم العالي الخصوصي يتصدق بها على طلبته؟ أسئلة كثيرة ومهمة ستطرح مستقبلا على البحث والدراسة أحببنا أم كرهنا ما لم يرتبط التعليم بسوق الشغل وكفاياته العلمية والمهنية ومستجدات هذا السوق؟ وما لم نصير تعليمنا وظيفيا بدل صيغته الصيانية الحالية على حد قول مرحوم المغرب الكبير الدكتور المهدي المنجرة. فلا مكان للترف الفكري وللمعرفة السطحية المسطحة التي لا قيمة لها في عالم التطبيق ولا قيمة لها في سوق التداول المعرفي والمهني والاجتماعي. وبالتالي يجب أن نجري نقدا ذاتيا وداخليا وخارجيا لمنظومتنا التعليمية على مختلف مستويات تعليمها، حتى لا نجد أنفسنا نعيد إنتاج التخلف الفكري والعقلي، وانحصار نتاج تعليمنا في إعادة الإنتاج لا الإنتاج الإبداعي. وهو طامة كبرى على مستقبل المغرب. فعقارب ساعة التطور الحضاري والإنساني متسارعة لا تأخذ وثيرة واحدة. وعلى العقل الجمعي لهذه المنظومة أن يرفع التحدي في وجه كوابح التغيير والتطوير مهما بلغ ضجيجها، ومهما حركت طواحنها ودواليبها!. لأن التغيير والتطوير له ضريبته الخاصة، ولا يصنعه الضعفاء المستكينين لواقعهم المعيش، المتلذذين بقضاء مصالحهم ومآربهم الشخصية الضيقة الهزيلة، والمريضة المعتلة والمختلة بمنطق التفكير الموضوعي والمنطقي والنقدي والإبداعي.
فاليوم؛ لدينا فرصة للتأمل وللتفكير وللتحرك، وغدا لن نملكها حين يسير الشأن التعليمي وتوابعه خارج فرصتنا هذه. ويصبح في فرصة الآخرين، من يعرف كيف يستثمر رأسماله وثروته ويستغل الموارد البشرية لصالحه. والزمن لا يرحم ضعاف الرأي والنظر بعمق في ماهية الأفعال ونتائجها. فمؤشرات الرحيل من التعليم العمومي إلى الخصوصي تزداد يوما بعد يوم نتيجة عدم وجود مرجعية للتفاضل العلمي ورمادية ثقافتنا العامة وطامة ثقافتنا الشعبوية، وإن كان في هذه المؤشرات ما هو منطقي وموضوعي ومبرر بحكم المنفعة. وليكن مثالنا من تلك المؤشرات دعوى الانتقال نتيجة هدر الزمن المدرسي للمتعلم بتغييب احترام توقيت الدخول والخروج إلى المؤسسات التعليمية خاصة في النواحي وضواحي المدن وفي البوادي والتغيبات غير المبررة. وفرض صيغ عمل في المؤسسات التعليمية لا تراعي الإيقاعات التعلمية للمتعلم. وبعض السلوكات السلبية التي تعج بها الجرائد والمواقع الإلكترونية. من أجل تحصيل منفعة هنا أو تحصين امتياز هناك … وهو ما ينهض سببا في تفكيرنا العام الأسري إلى الانتقال من التعليم العمومي إلى الخصوصي طلبا لتعليم ـ يقال عنه أفضل ـ يضمن للمتعلم على الأقل الزمن المدرسي ويحميه من التغيبات غير المبررة ومن زوابع التناطحات، ومهاوي السياسويات. فإذا ما لم نقم بنقد ذاتي على الأقل على مستوى الممارسة الصفية ومفرداتها العلمية والكفائية، فستؤول المؤسسة التعليمية العمومية إلى الانقراض …؟!.
عبد العزيز قريش
Aucun commentaire