أشكال الفرجة في التراث الشعبي الحساني
محمد بوعلالة
إيمانا منها بدور المسرح ومختلف الأشكال الفرجوية التراثية في حياة الأفراد والشعوب ، تقوم جمعية أنفاس للمسرح والثقافة بأنشطة ثقافية متميزة للتعريف بالتراث الفني الحساني ، وذلك عبر تنظيم الأنشطة الفنية كمهرجان الداخلة للمسرح الحساني الذي أسدل ستار فعالياته قبل أيام وأيضا عبر دعم المؤلفات وطبع الكتب ..وقد كانت آخر الإصدارات التي تبنتها جمعية أنفاس كتاب* أشكال الفرجة في التراث الشعبي الحساني في جزئه الأول المتعلق بالرقص الشعبي لمؤلفيه الأستاذين اسليمة امرز وعالي مسدور * .
وأول مايستهل به الكاتبين هذا المؤلف هو وضع التراث الفرجوي الحساني في إطاره التاريخي كما يبرزان مختلف التمظهرات الاجتماعية والفنية التي تعد انعكاسا منطقيا للهوية الإبداعية وخصوصية إنسان الصحراء الذي لازال يحافظ على أصالته وتراثه بالرغم من التيارات الحداثية المستوردة الجارفة، حيث يقول المؤلفان في هذا الصدد بأن الأشكال الفرجوية والأنساق التواصلية كانت ولاتزال منتشرة بشكل واسع ضمن الحياة اليومية في الصحراء بطابعها العفوي والتلقائي ، بالرغم من توزيع بعضها بنظام بنيوي دال على طول السنة ، مرورا بالمواسم الدينية والزراعية والاحتفالية ، وهذا التوزيع المتوارث عبر الأجيال والعصور يحقق للمجتمع الحساني إشباعا من الفرحة والمشاركة الوجدانية في هذه الأشكال التعبيرية والفنية التي تغنيه عن استقدام أشكال مستجدة ووافدة .
ولعل المغزى الجميل من الكتاب هو ذلك الاعتزاز الكبير بالانتماء والخصوصية المتفردة لتراث أهل الصحراء والذي يعتبر رافدا من روافد التعددية الثقافية والاجتماعية الغنية ببلادنا فرؤية اسليمة أمرز وعالي مسدور للعولمة أو الكونية تتمحور في ضرورة احترام الخصوصية الثقافية والحضارية ، إذ لا يمكن تصور مجتمع كوني دون الإقرار بخصوصية المجتمعات ومقوماتها وتفردها وذلك في ارتباط بعمقها التاريخي وواقعها الراهن ، كما ينبذان تبخيس التراث العربي والرصيد الثقافي والحضاري والنظر إليه بنوع من الدونية والإزدراء ، بينما ينظر إلى كل ماهو غربي مستورد بنظرة الكمال والكونية .
ولما كان الجزء الأول من هذا الكتاب يعنى بالرقص الشعبي في التراث الحساني فقد تناول الكاتبين بالدراسة والتحليل مجموعة من أشكال الرقص المعروفة في التراث الحساني مثل : رقصة الكدرة حيث جاء في الكتاب أن هذه الآلة الموسيقية الإيقاعية هي في الأصل أداة للطبخ يتم تحويلها من وظيفتها الأولى إلى وظيفتها الثانية*الموسيقى* ، إضافة إلى تبيان الأبعاد الرمزية للملح والنار كعنصرين ملازمين وأيضا الجذبة وبعدها الروحي في هذه الرقصة الشهيرة.
هذا وقد خصصا المبحث الثاني لدراسة الرقص القائم على المحاكاة والتمثيل والمتمثل في :
رقصتي أبيشيدي: يقوم شخص بتقمص دور طائر ، ومحاكاته على مستوى المشي وتحريك الجناحين والقمقم ، عن طريق حركات وايماءات على إيقاع موسيقي حساني متناغم ، مرفوق بتصفيقات الحاضرين أو مايدعى بالرش في التداول اللساني الحساني ، مما يخلق جو الأحداث وزمانها تحت ضوء القمر ، وأثناء الليل ، تأخذ مجمل الرقصات الحسانية طريقها إلى وجدان المتفرج ، أو المتلقي المشارك وجدانيا في هذه الرقصات والأشكال التمسرحية ، على اعتبار أن الليل يمتاز بالصفاء الروحي ، وحتى يصبح المتلقي ذا قابلية على التقبل والمشاركة في هذه الرقصات.
رقصة شيباني ايلود لجمال: وفي هذا الباب يستعين الكاتبين بشرح الكاتب ابراهيم الحسين في مؤلفه الثقافة والهوية الذي يقول أن هذه الرقصة تحكي قصة رجل مسن منهمك في البحث عن إبله الضائعة وسط الصحراء ذات الامتداد الجغرافي الواسع ، فهو لايكف عن القيام بعدة لفتات وإشارات جسدية إيمائية صامتة شديدة التعبير
ويقر الباحثان أن، هاتين الرقصتين الشعبيتين أبيشيدي وشيباني ايلود لجمال تجسدان في رمزيتهما وبلاغتهما الميمية ، الصحراء بكل تفاصيلها وحيثياتها ، إضافة إلى الحياة البدوية في الصحراء وواقعها المعيش .
ونستنتج مما سبق أن البيئة والجغرافيا لعبت دورا كبيرا في صقل الشخصية الفنية لمواطني تلك البقعة الطاهرة من المغرب وهذا يحيلنا على نظرية عالم الاجتماع ابن خلدون الذي أقر فيها أن للمناخ والبيئة يأثران في سلوك الإنسان وتصرفاته لأنه يستنبط أفكاره ومعارفه ووعيه من واقعه ومحيطه.
كتاب أشكال الفرجة في التراث الشعبي الحساني -الجزء الأول:الرقص الشعبي ، إذن هو شهادة وتوثيق حي للتراث الفني بالمنطقة وهذا الإصدار من شأنه طبعا إغناء المكتبة الوطنية و التعريف بجزء من ذلك الفسيفساء الثقافي والإرث الحضاري المغربي المتنوع .. الذي تتباين لغاته وألسنته وتراثه بين ماهو عربي إسلامي ،أمازيغي أصيل وصحراوي حسّاني.
Bouallala7@gmail.com
Aucun commentaire