شريكان لداعش المغاربية في ذبح هيرفي غوردال
رمضان مصباح الإدريسي
أولا رحم الله هذا الرياضي المسن الذي لم ينتبه الى أن كائنا ت آدمية مفترسة أصبحت تخالط وحوش جبال الأوراس ، التي عزفت عن اللحم البشري منذ عقود،فقدت فيها الغابة أنيابها . وكل العزاء لأسرته ومواطنيه الذين شاركوه –بكيفية بعدية- رعبه ،وهو بين يدي المقصلة الرباعية.
والعزاء لنا جميعا نحن المغاربيين الذين عاينا مراحل ذبح الاتحاد المغاربي –منذ تأسيسه- وهانحن نعاين إحدى تجليات سقوط جسده الكبير،بدون حراك.
فرنسا المقصرة مغاربيا:
هي مقصرة – بعد التورط القديم في تزييف الخرائط الكولونيالية- في الدفع بالاتحاد قدما ؛اعتبارا لفهمها الانتهازي الضيق لمصالحها الجيوسياسية والاقتصادية في المنطقة. لعلها لم تكن تدرج أبدا ضمن هذه المصالح الجانب الأمني الداخلي. اليوم ،إذ تدلي بحماية أمنها أيضا ، لتبرير غاراتها على داعش في العراق –وهذا لا يفهمه كثيرا المواطن الفرنسي – كان عليها ،من باب أولى،أن تشرع في مراجعة سياستها المغاربية ، التي يقتنع الفرنسيون جيدا بكونها لا تنفصل عن قضاياهم الداخلية.
إن « غارات » فرنسية دبلوماسية على مثبطات الاتحاد المغاربي، أكثر تحقيقا لأمن الفرنسيين -حاضرا ومستقبلا- من إسهامها الزائد عن الحاجة – حسب ما يبدو-في الحلف الدولي ضد داعش.وربما كان على هذا الحلف أن يوسع خريطة عملياته لتشمل بؤر الإرهاب،والاستقطاب، أنى تواجدت في العالم ،ويوزعها على الدول حسب الأولوية.
إن الساكنة المهاجرة المقيمة بفرنسا تشكل قرابة27% من مجموع السكان.34%من هؤلاء أوروبيون ،مقابل 30% من المغاربيين.هذه الساكنة المغاربية المهاجرة ،والتي تتعزز سنويا بأزيد من 100000 مهاجر جديد ، جعلت الديانة الإسلامية بفرنسا تحتل الرتبة الثانية ،بعد المسيحية.
الوضعية السكانية الموازية ،بدورها،في غاية الدلالة ؛إذ يقيم بالمغرب،حسب احصائيات2013، ما يفوق ال50000 فرنسي،مقابل قرابة32000 في الجزائر.
في سنة 2001، اعتبارا لإسقاطات عشرية الدم ،بلغ العدد 7389 فقط.
في سنة 2005 شهدت فرنسا انتفاضة مغاربية عارمة ،عمت الأحزمة الفقيرة لبعض المدن،أوقَدَ أوارَها الشباب الذي همشته سياسة الدولة في مجال التكوين التشغيل، والبنيات التحتية.لم يجد « ساركوزي » وقتها أفضل مِن نعتهم بسقط المتاع:
Racaille.
لم يكن لسانه السليط ليطفح بهذا السباب ،لو تعلق الأمر بمهاجري الاتحاد الأوروبي ،اعتبارا لأطره التشريعية .
ولم يكن ليصدر عنه لو تأتت للمنتفضين المغاربيين أطر تشريعية مغاربية قوية ،ملزمة ،بدورها،لفرنسا ؛إضافة الى الإلزام الأصلي النابع من عشرات السنين من النهب الاقتصادي للمستعمرات المغاربية،والتنكيل بالحركات الوطنية .
وكنتيجة أيضا لوضعية الاتحاد كَطَلل لا يبكيه حتى الشعراء،بَلْه الساسة،أصبحت تصدر عن فرنسا تصريحات وسلوكات تجانب الأعراف الدبلوماسية، بل حتى الذوق السليم ؛كأن يحمد الرئيس « هولند » – مازحا- كون وزيره الذي عاد للتو من الجزائر لا يزال حيا. وكأن يهب الى منزل السفير المغربي بباريس رجال شرطة لإكراه مسؤول أمني مغربي سام على المواجهة القضائية لأحد مواطنيه ،في ملف يفتقر إلى كل الأسس القانونية.
ولا تغرب عن الذهن هنا ملابسات إخضاع وزير خارجية المغرب صلاح الدين مزوار،وهو عائد من مهمة دبلوماسية أوروبية ، لتفتيش مهين.
كل هذا يدل على أن فرنسا لم تُقَصِّر فقط في بناء الاتحاد المغاربي،وإنما يرضيها ويريحها أن يظل « كباقي الوشم في ظاهر اليد » على حد وصف الشاعر الجاهلي لأطلال خَوْلة.
لا قلب لفرنسا على الاتحاد ،مفضلة عليه التمدد على هواها في دوله ؛مخصصة لفطورها وغذائها وعشائها ما تشتهي ؛إعمالا لقسمة الثعلب ،وهو ينظر إلى مخالب الأسد تقطر دما.
اليوم وقد صُدِم الشعب الفرنسي لما حصل ،وكأنه أصبح على برج « إيفل » وقد تهاوى؛على فرنسا أن تعيد جميع حساباتها الجبوسياسية في المنطقة ،لأن القادم أسوأ.لقد سبق أن ذكرت بأن الإرهاب برؤوس،وهو يقتل ولا يموت.أضيف هنا مصححا:
يموت نعم،لكن لا تقتله الطائرات وإنما تُجفيف منابعه ،من خلال إستراتيجية متكاملة وطويلة النفس.
في ما يخص فرنسا المقاتلة في العراق ،يبدو لي المشهد في غاية السريالية : إنها تساهم في طرد داعش من هذا البلد ، لتعيد انتشارها في الجزائر ،التي يحاصرها الإرهاب من عدة جهات؛وفي شمال مالي ،حيث يلفظ « السرفال » أنفاسه،بعد أن أتعبته جبال « افوغاس ».
في ليبيا الخريطة مفتوحة حتى للمغول إن رغبوا في تأثيث زمننا هذا .في تونس تكاد الرئاسيات تُهَرَّب تهريبا قبل يصلها نصيبها من « الدياسبورا الداعشية.
وحدها المملكة – بدون شوفينية- تبدومؤهلة أفضل من جاراتها للمنازلة؛ اعتبارا للاستقرار الذي تأتى عبر قرون من الانصهار .
من قطع الاستقرار الأساسية التاريخ، وإمارة المؤمنين ،التي ادخرها الزمن المغربي لصد مثل هذه الصواعق المحسوبة على الدين.
وفي مُهج المغاربة شيء لا تقوى عليه داعش ،ولا يَخْذِل الوطنَ أبدا. شيء تعرفه فرنسا واسبانيا والبرتغال القديمة حق المعرفة.
إن اتحاد المغرب العربي (التسمية الرسمية) هو الركن الأساسي في هذه الإستراتيجية؛ولو جربت فرنسا ،بحكم كل أوراقها في المنطقة – وبصفة خاصة تأثيرها الكبير في رسم السياسة الجزائرية- أن تشعل جذوة هذا الاتحاد ،في إطار خارطة جديدة لمصالحها ،تستدخل أمن جبهتها الداخلية ، لدفعت المنطقة في اتجاه عصر آخر ،يقطع مع كل رواسب العقلية الكولونيالية،لفائدة جميع الشعوب المغاربية .وسيتحقق لفرنسا أيضا جيل جديد من المصالح ،دون ضغينة من الشعوب .
إن استتباب الأمن ،وتجفيف منابع التطرف ،وفتح الحدود ،وتحرك رؤوس الأموال،وخفض ميزانيات التسلح ،مقومات نهضة شاملة لا يمكن أن تتحقق،بانفراد، لأي دولة من دول الاتحاد المغاربي ،مهما قوي وضعها الاقتصادي.وليست الجزائر – بالخصوص- بحاجة لمن يؤكد لها هذه الحقيقة.
والجزائر التي في خاطري:
إنها غير الجزائر التي توقف فيها الزمن ؛بحيث لو عاد إليها الرئيس هواري بومدبن لوجد ملف الصحراء حيث تركه.
ولو نظر الى خيام تندوف ،وحواضر الصحراء المغربية العامرة ،لخجل من نفسه ،وهو يقع فريسة حرب عالمية باردة ويورث زلته للأجيال اللاحقة .
وهي غير الجزائر التي خلقت وهم العدو الجار،ودفعت بثورتها الصناعية،وما أنعم به الله عليها من ثروة سهلة، صوب وجهة واحدة:تحقيق رقم معاملات بعشر دبابات لكل مغربي راجل ،وضعفها للراكب.
وهي غير الجزائر التي تعرف أن « ترف » الحرب لم يعد مسموحا به – دوليا- في المنطقة ، لهشاشتها الأمنية ،بسبب تبيئتها الغريبة للإرهاب الدولي في عمق ترابها ،رغم ترسانتها وجاهزيتها القتالية.
شخصيا توقعت أن يُبايَعَ البغدادي في شمال مالي ،حيث الوجود الفرنسي المحدود،وليس في العمق الجزائري حيث تقطع الآلة العسكرية الضخمة شهية كل جهادي جائع.
تعرف الجزائر وجود الخط الدولي الأحمر،لكنها لاتتوقف عن حرب الإفقار ،حتى تقطع أنفاس المغرب في مارطون التسلح الموازي.
وحينما تم الإعلان عن اختطاف المواطن الفرنسي توقعت أن تبادر الجزائر المخابراتية العسكرية إلى إزالة ما رسب في أذهان المجتمع الدولي من تهافت القصف الجوي العشوائي على إرهابيين تحاصرهم الصحراء،أصلا، من كل جانب.
توقعت أن يكون هناك تدخل ذكي و سريع وحاسم في جبال الأوراس لتحرير الرهينة قبل أن يرتد إلى « جند الخلافة » طرفهم. وحينما شاهدت الذبح الوحشي تمنيت لو كان « هيرفي » قضى ولو في غارة عسكرية متهافتة؛يموت فيها ،على الأقل،ميتة آدمية. لا شيء تحقق لاتدخل ذكيا كان أو غبيا.كل هذا حدث في منطقة غير مؤمنة منذ عشرية الدم.منطقة يفترض أن تكون المخابرات العسكرية على إلمام حتى بعدد ذئابها وثعالبها وخنازيرها؛كما كان حاصلا في حروب جبهة التحرير بجبال الأوراس.
لقد قدمت الجزائر أكثر من دليل على هشاشتها الأمنية،الى درجة أن الشعب الجزائري استعاد بهذا الذي حدث، كل آلام السنين الخوالي.
*في خاطري جزائر تعترف أنها أخطأت كثيرا في تأسيس « جبهة النصرة » من أجل قضية وهمية،لا مستقبل لها، إقليميا ودوليا . لو نظرنا فقط الى الجانب الأمني – ضمن منطقة مشتعلة- لبدا لنا هول أبواب جهنم التي ستفتحها الجزائر على نفسها وعلى جيرانها.إذا كان الجيش الشعبي الجزائري كله لم يقو على حماية رياضي فرنسي؛فكيف تحمي الجمهورية الصحراوية المزعومة ترابها ولو من شبكات الإجرام ،والمخدرات ،وليس الجهاديين المدربين تدريبا عاليا؟
*في خاطري جزائر تقدر ماذا يعني أن يلتئم الشمل العسكري المغاربي ؛ومغاربته وجزائريوه بتمرس وترسانة كبيرين.
إذا كان ولا بد من جراحة استئصاليه لسرطانات جهادية فليكن بمباضعنا المغاربية ،وليس بمدمرات حلف دولي،لا نضمن على أية خريطة تنهي مهمتها.
*في خاطري جزائر مدنية تجلس مع جيرانها المغاربيين لرسم خارطة طريق لبناء ديمقراطية مغاربية متجانسة،تتوفر جميع مقوماتها الدينية، التاريخية ،الاقتصادية ،الثقافية والقيمية ..
*في خاطري جزائر تستثمر في سعادة الشعوب المغاربية أكثر مما تستثمر في شقائها ،وهي تستبدل ترسانة قتالية بأخرى أحدث ،إلى ما لانهاية ؛دون أي تهديد خارجي ظاهر أو خفي. هَب ْ– جدلا ليس الا -أن هذه الجزائر دمرت جوارها فمن سيملأ الفراغ؟
والجزائر أدرى بوقع فشل الدول وانهيارها على الجيران.
*وأخيرا في خاطري جزائر تحسب كلفة العداء جيدا،وتستثمر درس الشعب البريطاني في اسكتلندا ،ودرس الفشل في جنوب السودان ،لتساعد على عودة المغاضبين لبلادهم ومدنهم ؛قبل أن تتعاورهم أيادي الإرهاب، للدولة السوداء والملثمة ،المقبلة على التيه الكبير.
جزائر تساعد بكل ،موضوعية وأريحية،على الحل الذي يرضي الطرفين المعنيين؛وعلى وئام مغاربي يوقع به عبد العزيز بوتفليقة عهدته الرئاسية الأخيرة.
كلاهما كانا حاضرين في المذبحة المتوحشة:فرنسا الانتهازية في تعاملها مع الدول المغاربية ؛والجزائر التي أنستها حسابات الثروة والزعامة كل الحسابات،حتى حساب أمن مواطنيها وزوارها وجيرانها.
Ramdane3.ahlablog.com
Aucun commentaire