Home»Enseignement»يوم من يوميات مدرس

يوم من يوميات مدرس

0
Shares
PinterestGoogle+

موضوع درس اليوم في الرياضيات هو « المكعب » .كنت بصدد توضيح للتلاميذ أن للمكعب عدة وجوه. ستة إدا أردنا التحديد.بعض الوجوه نراها وأخرى لا نراها.وهذه الوجوه تتحدد حسب موقعنا بالنسبة إليها.وكذلك هي مواقفنا ووجهات نظرنا تختلف حسب الزاوية التي ننظر منها للأشياء. وهكذا تأتي استنتاجاتنا أحيانا ناقصة نظرا إما لقصورأو ضيق الرؤية أو استحالة استكمالها.

كنت منهمكا في محاولة تقريب هذا المفهوم إلى  التلاميذ معتمدا في ذلك على كل الوسائل الديداكتيتية المتاحة: مجسمات من خشب ،موارد رقمية وذوات أشياء أتى بها التلاميذ : علب شاي فارغة وأخرى للدواء.هذا ما كان يستهلكه  بكثرةأبناءفقراء هذه القرية الأمينة.

في هذه الأثناء- أثناء بناء المفهوم- يدق مرزوق حارس المدرسة الباب بلطف  مستئذنا. ثم يدخل حاملا بين يديه ورقة تبيّنت بالكاد جزءا من عنوان موضوعها:    » دعوة لحضور … » . خمنت قليلا وقلت إنه موسم التكوين.لأن التكوين عندنا موسمي وقد يمتد أسبوعا مثل العديد من المواسم. منذ مدة أصبحت عندي حساسية من هذه الكلمة. لا أعرف لماذا بالتحديد.

ينتشلني السيد مرزوق من تفكيري ويبادرني بالسؤال:

« – كي دايرة الدعوة أسي عبد المجيد ؟ » (الدعوة هنا لاعلاقة لها بدعوة حضور التكوين)

هكذا كان يناديني رغم أنني ذكرته باسمي عدة مرات. أحدس أنه يمهد بسؤاله عن أحوالي لشئ ما. يضع الورقة فوق المكتب .

 » أسيدي مجيد ما نلقاش عندك شي 50 درهم  حتى لراس الشهر؟ »

أمد يدي إلى جيبي .أخرج ورقة نقدية . أناوله إياها.يأخدها بخفة ،

يرتب أوراقه ثم ينصرف. يتركني لحالي أتدبر امر السفر حيث التكوين.

*****

عدت إلى التلاميذ لمواصلة الدرس. محاولا هذه المرة التوسع أكثر .أليس للكفاية امتدادا !؟

فسألت التلاميذ : « هل للإنسان عدة وجوه؟ »

بدا السؤال مبتذلا عند البعض وسخيفا أو تافها عند الآخرين.رفعوا أصابعهم.أجمعوا على أن للانسان وجه واحد لا غير باستثناء تلميذة كانت تغرد خارج الإجماع .أجابت مترددة: 

« قد يكون له وجوه أخرى يا أستاذ لا نراها نحن الأطفال. »

أحسست بها وكأنها قرأت أفكاري وفطنت إلى ماكنت أرمي إليه من خلال السؤال. .وددت لو أحتضنها (احتضان الأب لابنته) لكني تذكرت أن السيد رئيس حكومتنا أوصانا بعدم تقبيل الأطفال عندما خاطبنا – نحن المعلمين والمعلمات – حيث قال بالحرف: « ماتبقاوش تبوسو الأولاد، واحترموا الأجساد ديال الأطفال ديالكم…« 

قلت في نفسي (هذه الأيام أصبحت أناجي نفسي كثيرا) ستكبرون يوما يا أبنائي وستدركون – كما ادركت ذلك زميلتكم الآن – قبل مرور العمر بأن للإنسان وجوها أكثر مما تتصورون .قد تتعدى عند البعض وجوه المكعب.وجوه يرتديها الإنسان ، لا ترونها الآن لانكم مازلتم صغارا أو أن مجال الرؤية لا يسمح بذلك الآن.

*****

وزعونا على عدة قاعات. بكل واحدة عشرون أستاذا.في القاعة الكل يتكلم. يدخل المكلف بالتكوين ، يلقي التحية .يسود الصمت.يضع أمامه بعناية بعض الأوراق أعدها سلفا.طلب منا أن نكون مجموعات صغيرة من ستة أو خمسة أفراد مع مراعاة النوع.

أخرج من جيبه حاملا  ركبه  على مكان مخصص له في الجهاز . طلب منا إنزال الستائرلتعتيم القاعة ثم سلط مسلاطه فسقطت هالة من الضوء  على شاشة العرض وبدأت تظهر بعض الشرائح.أبهرتني أنا البعيد عن عالم الأضواء.

حدثنا المكون في البداية عن أهداف التكوين  ومراحله . سمعته بصوت وقور يقول: » في إطار …وتماشيا مع…  ووعيا من الوزارة يضرورة …ونظرا للمكانة التي يحتلها …..وتنفيذا لمضامين المذكرة ….الخ.  »             

 ولكم أن تقيسوا على ذلك ماشئتم من المفاعيل المطلقة لأفعال محذوفة لنا أن نقدرها . وهذه الجمل يمكن أن تُولِّد عددا لامتناهيا من تركيبات الجمل ياعتماد نظرية النحو التوليدي عند تشومسكي.

تبدو لي هذه الجمل –أنا القادم من قرية نائية-منمطة stéréotype)  )وفيها شيء قليل من الخشب .فأهيـــــــــــــــم.

ألقي نظرة من حولي.يمينا أستاذة منشغلة بتدوين بعض الملاحظات. في الجهة الأخرى ، أستاذ يبدو عليه الإرهاق ربما من عناء السفر .يتثائب بين الفينة والأخري .يوقظ فيَ رغبة جامحة في النوم.بجانبة أستاذ منشغل بأشياء أخرى .تراه يخربش بين الفينة والأخرى في ورقة.يخط خطوطا عبارة عن طلاسم لا يفك رموزها إلا الراسخون في علم الخطوط أو خبراء الغرافولوجيا (graphologie).في الجهة الخلفية رجل شاب (من الشيب وليس الشباب ) عرفت من خلال تاريخ توظيفه أنه قضى في التعليم أربعون سنة مما تعدون ! اشتعل رأسه همّا.يحمل بين يديه مسبحة.كان يزجي بها الوقت .لكل واحد منا طريقته الخاصة و المبتكرة لتجزية الوقت.كل في واده يهيم.

مايخلصني من رتابة هذا الزمن الحلزوني هي مخيلتي .هي الوحيدة التي لم تدجن بعد.أفك الارتباط بهذا العالم ((déconnexion

وأغرق في عالم الأحلام.

أحلــــــــــــــم أن تنتهي أيام التكوين بسرعة

أحلـــــــــــــــم أن يُكون الأساتذة نفسهم بأنفسهم.

أحلـــــــــــم أن يزحف الربيع وتورق الأشجار وتدوم أيامه طويلا…

أن تصبح كل شهور السنة فبراير.فبراير الأولى ،فبراير الثانية والثالثة…

أن تنتصر البارصا على الريال.لأني لست من أنصار الفريق الملكي المدريدي.

أن أعزف على العود مثل مارسيل خليفة

أحلــــــــــــــم بحقيقة أخرى ولو خلف البحر !

ألا يوقظني أحد حين يكون الحلم ورديا  لذيذا وجميلا.رغم أن الأحلام اللذيذة ما عادت تراودني منذ أمد بعيد.

توقظني من أحلامي أصوات الكراسي من أثر الجر.ينفض الاجتماع.أسمع صوتا خافتا يُنبئنا بأن الغذاء جاهز .ارى نورا ينبلج في العتمة. أنسل إلى الخارج.أملأ صدري هواء نقيا .

خرجت وأنا شبه مقتنع بأن التكوين الذي ينطلق من الواقع ليستجيب لحاجياتنا  وتساؤلاتنا الملحة ويهدف إلى تطوير الآداء لا زال بعيد المنال.

أليست هذه وجهة نظر من زاوية أخرى؟

*****

تنويه: الأشخاص والأحداث الواردة في النص مُتخيلة . وأي شبه مع الواقع فهو غير مقصود.

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *