Home»International»الحركة العمالية و النقابية و دور اليسار المغربي

الحركة العمالية و النقابية و دور اليسار المغربي

0
Shares
PinterestGoogle+

1 ـ تقديـــم

تهدف هذه الورقة إلى خلق فضاء للحوار حول تجربة الحركة العمالية و النقابية بالمغرب خلال خمسة عقود من الأزمات أفضت إلى واقع عمالي و نقابي مزري في ظل هجوم الرأسمالية الإمبريالية على مصالح الطبقة العاملة ، مع العلم أن الحركة النقابية بالمغرب تضم في صفوفها مناضلين يساريين من فئة عمرية متباينة استطاعت بناء تجربة نقابية أفرزت قيادات ذات كفاءة عالية خاصة في المركزيتين الإتحاد المغربي للشغل و الكونفدرالية الديمقراطية للشغل لكنها فاشلة في بناء خط نقابي مكافح ، و أمام تحديات الهجوم على مكتسبات الطبقة العاملة المغربية يطرح على الساحة النقابية و على المناضلين النقابيين اليساريين ضرورة قراءة تجربة العمل النقابي ببلادنا ، في ظل التحولات العالمية و الجهوية و المحلية لرسم آفاق نضال الحركة العمالية و وضع استراتيجية العمل النقابي للخروج من الأزمة الحالية.

من المعلوم أن التنظيمات الأكثر تمثيلية في الساحة النقابية هي أربع مركزيات نقابية لكونها تتوفر على "شرعية تاريخية و نضالية" جعلت السلطات تعتبرها المحاورين الأساسيين ، و إلى جانب هذه التنظيمات توجد النقابات الحزبية الصغرى التي لا تشكل قوة وازنة على الرغم من بروز نقابة تابعة لحزب العدالة و التنمية ذات تمثيلية في اللجن الثنائية بقطاع التعليم في بعض المناطق ، نظرا لأزمة التنظيم النقابي بهذا القطاع و النفور من العمل النقابي نتيجة النكسات التي تجرعها نساء و رجال التعليم خلال نضالاتهم التي تم استغلالها لأهداف سياسوية ، تم خلالها الهجوم على المكتسبات التاريخية للطبقة العاملة و الزج بالمناضلين الساريين النقابين في السجون في مرحلة سنوات القمع الأسود ، من أجل ضرب تحالف الطبقة العاملة و الطبقة البورجوازية الصغرى و التي يشكل فيه نساء و رجال التعليم العمود الفقري .
إن أهم ما يميز المركزيات النقابية بعضها عن بعض هو مدى ارتباطها بالأحزاب و نوعية منخرطيها و هي تختلف حسب ما يلي :

ـ الاتحاد المغربي للشغل يتميز بشبه استقلالية عن الأحزاب و هيمنة بيرقراطية و له تواجد وازن في القطاعات الإنتاجية بعد انسحاب نقابتي التعليم و البريد منها منذ السبعينات من القرن العشرين .

ـ الكونفدرالية الديموقراطية للشغل و تتميز بتواجد المناضلين اليساريين في قياداتها و لها تواجد وازن في قطاع الخدمات و يشكل التعليم العمود الفقري لها .

ـ الاتحاد العام للشغالين بالمغرب و يتميز بهيمنة حزبية مباشرة من طرف حزب الاستقلال و جل منخرطيه لهم ارتباط مباشر بالحزب خاصة كوادره.

ـ الفيدرالية الديمقراطية للشغل و تتميز بهيمة حزبية مباشرة من طرف الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية المتواجد بالحكومة منذ ما يسمى بالتناوب و جل منخرطيها مرتبطون بالحزب خاصة كوادرها .

إلا أن كل هذه المركزيات النقابية الأربع تلتقي في كون البيروقراطية هي السمة العامة في العلاقات الداخلية بين الأجهزة المسيرة و القواعد نتيجة حسابات سياسوية ضيقة ، كما أن علاقاتها بالأحزاب تطرح إشكالية جدلية النقابي و السياسي و كيفية تدبيرها لصالح الطبقة العاملة مع اعتبار الصراعات الحزبية التي تؤثر سلبا على مصالح الطبقة العاملة ، بالمقارنة مع تطور الحركة العمالية و النقابية بأوربا التي توافقت مع تقدم القوى المنتجة بعد التطور الهائل لوسائل الإنتاج مما أدى إلى إسقاط علاقات الإنتاج الإقطاعية و ظهور الرأسمالية كنظام تناحري.

2 ـ تطور التكوينات الإجتماعية و نشأة الحركة العمالية و النقابية

عرف تطور الأنظمة الاجتماعية عبر المراحل التاريخية التي عرفتها البشرية صراعات مريرة من اجل تحسين الأوضاع الإقتصادية و الإجتماعية ، و يتجلى ذلك في الصراع بين الطبقات عندما وصل التناقض مداه بين الطبقات الشعبية و الطبقة المسيطرة على السلطات السياسية و الإقتصادية و العسكرية ، فباستثناء عصر المشاعة الذي شهدت فيه البشرية نوعا من المساواة في الحقوق ، فإن نظام الرق و النظام الإقطاعـي اللذان يتميزان بالملكية الفردية لوسائل الإنتـاج و العبودية في علافات الإنتاج قد عرفا استغلالا واضحا للعاملات و العمال الزراعيين الذين استعبدهم الإقطاع ، و عاشت المرأة العاملة استغلالا مزدوجا بالبيت و المزرعة بعدما فقدت مركزها الاقتصادي و الاجتماعي الذي احتلته في عصر المشاعة ، و استمر النظام الإقطاعـي لعدة قرون تم فيها تركيز صفة الملكية الفردية لوسائل الإنتاج في يد الإقطاع.

ومع حلول القرن 14 تطور نظام العمل المأجور في أوربا مع بروز إرهاصات الثورة الصناعية وذلك نتيجة التحول الهائل في التجارة و العمل الحرفي ، مما نتج عنه الإنتقال من العمل الحرفي الذي يعتمد على العمل اليدوي إلى إقامة مصانع كبيرة مجهزة بالآلات العصرية ، ومن الإقتصاد الفلاحي الذي يستخدم أدوات إنتاج بدائية في استغلال الأراضي لصالح الإقطاع إلى الاقتصـاد الرأسمالــي الذي يعتمد على التقنيــة الزراعيــة المجهزة بالآلات العصرية ، مما يتطلب من العاملات و العمال نسبة من المعرفة العلمية للتأهيل للعمل في المجالين الصناعي و الفلاحي اللذين يرى فيهما الرأسمال مشاريع استثمارية من أجل الربح الوفير ، مما أثر على علاقات الإنتاج السائدة في النظام الإقطاعي و فرض عليها تحولات جذرية و ذلك بالإنتقال من العبودية الإقطاعية إلى النظام الرأسمالي الذي يتطلب طبقة عاملة متحرر نسبيا تتوفر على مستويات ثقافية كافية لآستعمال التقنيات الحديثة .

و هكذا ظهر النظام الرأسمالي الذي احتفظ على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج و نشأت معه طبقة عاملة بالمدن الصناعية ، والمنحدرة أصلا من البوادي التي هاجرها العاملات و العمال الزراعيين الذين يفرون من قيود العبودية الإقطاعية و خاصة النساء منهم و من الفلاحين الفقراء الذين تم انتزاع أراضيهم من طرف الإقطاع و المستثمرين الرأسماليين الجدد، و كان لركود الرأسمال وراء الربح و جشعه البشع التأثير الكبير في تحويل جماهير العمال إلى عبيد يتم استغلال قوة عملهم مقابل أجر زهيد لتنمية الرأسمال ، الشيء الذي ضرب في الصميم شعارات البورجوازية التي طالمـا بشرت بالرفاهيـة بعد انتصار مفاهيم البورجوازية على مصالح الإقطاع ، و شكلت جماهير العمال بالمدن قوة مادية في مواجهة استغلال الرأسمال مع بروز مفاهــيم الاشتراكيــة التي تعتمد الصراع الطبقــي في النضــال من أجــل تحرر الطبقة العاملة من قيود الرأسمـالية .

و مع انتصار مفاهيم البورجوازية على مصالح الإقطاع نشأت علاقات إنتاج رأسمالية توافقت في حينها مع القوى المنتجة الجديدية ، و إلى جانب الطبقة العاملة نشأت طبقة بورجوازية بالمدن الصناعية تدافع عن تصورات النظام الرأسمالي في مواجهة مخلفات الإقطاع ، لكن سباق الرأسماليين باعتبارهم عبيد الرأسمال وراء الربح بشكل جشع و غير إنساني انتج علاقات إنتاج لا تتوافق و الصفة الاجتماعية للعمل الذي تقوم به جماهير العاملات و العمال بالمعامل ، حيث إن وسائل الإنتاج ظلت حبيسة الملكية الخاصة التي ورثها الرأسمال من بقايا الإقطاع رغم أن النظام الرأسمالي قضى على الآساليب التقليدية للإنتاج التي تطبع النظام الإقطاعي.

و لم تستطع الأفكار البورجوازية إسعاد البشرية و التي أفرزتها الثورة الفرنسية التي طلعت علينا بأروع إعلان عالمي لحقوق الإنسان و الأول من نوعه الذي توافق في حينه مع مطالب الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء ، و يرتكز أساسا إلى الحقوق الفردية و فتـح المجال أمام مزيد من ممارسة الحريات و احتد الصراع بين الطبقة العاملة التي تسعى إلى بناء تنظيماتها النقابية للدفاع عن مصالحها و الطبقة البورجوازية التي تسعى إلى حصاد مزيد من الربح على حساب عرق جبين العاملات و العمال ، و انهار المذهب الفردي الذي يمنع تدخل الدولة في الأنشطة الإقتصادية و الإجتماعية نتيجة صعود الطبقة البورجوازية إلى الحكم ، و طالبت النقابات بتدخل الدولة في المجالات الإقتصادية و الإجتماعية و حماية الحريات الفردية و فتح المجال أمام حرية التنظيم التي تعتبر الركيزة الآساسية في الدفاع عن الحقوق السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية .

و عرف القرن 19 حركة عمالية متصاعدة نتيجة إشاعة المفاهيم الإشتراكية التي ترتكز إلى الصراع الطبقي الذي وضع ماركس و إنجلس أسسه النظرية بصياغة مفهوم الحركة التطورية الضرورية لتطور المجتمعات البشرية ، و ذلك بوضع مفهوم التكوين الإقتصادي للمجتمع الذي يرتكز إلى قوى الإنتاج في صراعها مع علاقات الإنتاج والتي تحدد صفة الصراع الطبقي القائم بين العمل و الرأسمال ، و صاغا معا الأسس المادية و التاريخية لهذا الصراع في نظريتهما حول المادية الجدلية و المادية التاريخية من خلال كشف الصفة التناحرية التي تميز علاقات الإنتاج في النظام الرأسمالي ، باعتباره نظاما يستمد فوته و استمراريته من استمرار استغلال الطبقة العاملة من طرف الطبقة البورجوازية .

و بالموازاة مع الحركة العمالية نشأت حركة نقابية تسعى إلى تنظيم نضالات الطبقة العاملة عبر العالم مع بروز الأفكار الإشتراكية ، فبعد الصيحة التاريخيى التي أطلقها ماركس " يا عمال العالم اتحدوا "التي تبرز أهمية التنظيم في مواجهة استغلال الرأسمال ، قامت ثورات عمالية في 1848 و 1871 و 1905 تمت مواجهنها بالقمع و التقتيل من طرف الأنظمة البورجوازية و التي مهدت لانتصار الثورة البولشيفية في أكتوبر 1917 ، و شهدت سنوات 1919 إلى 1921 حملة شرسة ضد العمال الثوريين من طرف زعماء الإصلاح في النقابات بالدول الغربية مما دفع بالطبقة العاملة إلى تأسيس الأممية النقابية ، و التي ساهمت في تكتل الطبقة العاملة في البلدان المساندة للثورة البولشيفية و التي تهدف إلى وحدة الحركة النقابية العالمية في مواجهة الرأسمالية الإمبريالية ، تحالف فيها العمال الشيوعيون و الإشتراكيون و الديمقراطيون و المستقلون و استمرت إلى حدود سنة 1937 ، و في المقابل تأسست أممية أمستردام النقابية لمساندة البورجوازية و الإمبريالية من طرف الأوساط الرجعية بالنقابات بأوربا الغربية الغربية و أمريكا الشمالية.

و كان للإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد نهاية الحرب الإمبريالية العالمية الثانية أثر كبير في إبراز الصراع بين المنظومتين الإشتراكية و الرأسمالية ، و ذلك حول أهمية الحقوق الإثتصادية و الإجتماعية و الثقافية التي تنادي بها الأنظمة الإشتراكية و محاربتها من طرف الأنظمة الرأسمالية التي تعطي الأولوية للحقوق السياسية و المدنية في مستواها الشكلي ، و كان لمنظمة العمل الدولية دور هام في بلورة مجموعة من الإتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطبقة العاملة خاصة بعد إصدار العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية و الإجنماعية و الثقافية منذ سنة 1966 ، إلا أن الحقوق المعترف بها للطبقة العاملة بفضل نضالاتها يتم التراجع عنها في ظل هجوم الرأسمالية الإمبريالية على القوت اليومي للطبقات الشعبية و على رأسها الطبقة العاملة بعد سقوط الأنظمة الأشتراكية بالأتحاد السوفييتي و شرق أوربا.

و يتم اليوم سن قوانين رجعية ضد حقوق الطبقة العاملة في جل الدول التابعة للرأسمالية الإمبريالية و التي تنص على مفاهيم بورجوازية ك "مرونة الشغل" التي تعني طرد العمال و "النقابة المواطنة" التي تعني المساومة في حقوق العمال و "المقاولة المواطنة" التي تعني الإستيلاء على المؤسسات المالية و الصناعية و الفلاحية الوطنية… و ذلك لضرب الحق في الشغل القار و تسهيل طرد العاملات و العمال و انتقال الرساميل عبر العالم و استغلال ثروات الشعوب دون قيد و لا شرط و منع الأفراد من حرية التنقل .

3 ـ جدلية السياسي و النقابي و دور اليسار المغربي

عكس الدول الأوربية فإن المغرب إلى حدود نهاية العشرينات من القرن الماضي لم يعرف العمل النقابي و كل ما هنالك هو مقاومة الفلاحين الفقراء ضد تحالف الإقطاع و الاستعمار الذي استولى على أراضيهم بعد القضاء على المقاومة المسلحة بسقوط جبل صغرو في 1934 ، و بعد دخول البوادي في هدوء نسبي و ظهور طبقة عاملة مغربية بالمدن إلى جانب البورجوازية الصغرى تمت محاصرة العمل النقابي بإصدار ظهيرين الأول سنة 1936 يمنع الانتماء النقابي للعاملات و العمال المغاربة و الثاني سنة 1938 يجرم الانتماء النقابي ، و في منتصف الأربعينيات تحالفت الطبقة العاملة بالمدن و الفلاحين الفقراء بالبوادي مع البورجوازية الصغرى في ظل الحركة الوطنية ضد تحالف الإقطاع و الاستعمار المباشر ، و تعتبر انتفاضة 8 دجنبر 1952 تضامنا مع الطبقة العاملة التونسية بعد استشهاد المناضل النقابي فرحات حشاد خير دليل على نضج الحركة العمالية و النقابية المغربية و التي واجهها المستعمر بالحديد و النار ، و تم تتويج نضالات الطبقة العاملة بتأسيس نقابة الاتحاد المغربي للشغل في مارس 1955 و التي لعبت دورا أساسيا في مقاومة الإستعمار المباشر بفضل نضاليات العمال المنخرطين في المقاومة المسلحة ، و خلال هذه المرحلة يمكن تسجيل جدلية النقابي و السياسي في اتجاهه الصحيح الذي يهدف إلى تغيير الوضع السياسي القائم لصالح القوى ذات المصلحة في التغيير لعبت فيه الطبقة العاملة الدور الرائد .

و خلال الفترة ما بين 1956 و 1960 تم حسم عدة صراعات سياسية لصالح النظام القائم بعد تصفية جيش التحرير و عزل البوادي عن المدن و بالتالي عزل الطبقة العاملة عن حليفها في النضال المتجلى في سند الفلاحين الفقراء و أصبح تحالف الإقطاع و البورجوازية ينفرد بالحكم ، و الذي عمل على توجيه الانتاج في اتجاه التصدير في إطار التبعية للرأسمالية الإمبريالية و تم الإجهاز على مكتسبات الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء ، و لضرب العمل النقابي تمت تصفية الإتجاهات اليسارية في صفوف الحركة الوطنية بعد الإنشقاقات الحزبية و النقابية خلال سنوات 1959 و 1961 و 1975 و 1978 بعد تأسيس حزبي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية و الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و انشقاقه الأخير ، مما نتج عنه تأسيس مركزيات نقابية : الاتحاد العام للشغالين بالمغرب و الكونفدرالية الديمقراطية للشغل و أخيرا الفيدرالية الديمقراطية للشغل إلى جانب الإتحاد المغربي للشغل .

و عرف النضال السياسي التقدمي تراجعا تلو الآخر خلال سنوات القمع الأسود و عرف العمل النقابي تدهورا تلو الآخر خاصة بعد نكسة الإضراب العام في 14 دجنبر 1990 التي تم تتويجها بما يسمى اتفاق فاتح غشت 1996 المشؤوم و الذي مهد لما يسمى بحكومة التناوب التي أشرفت على إتفاق 30 أبريل 2002 المشؤوم ، و دخل النضال النقابي في مرحلة الجمود بعد دخول المركزيات الأربع فيما يسمى ب"السلم الإجتماعي" على حساب مصالح الطبقات الشعبية بالمصادقة على مدونة الشغل………..التي تشرعن استعباد الطبقة العاملة ، و ما وصلته الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية من تردي نتيجة الهجوم على مكتسبات الطبقات الشعبية ليس إلا نتيجة تآمر الاحزاب و المركزيات النقابية التابعة لها .
في ظل الأوضاع الإقتصادية و الأجتماعية و الثقافية المزرية التي تعيشها الطبقات الشعبية يأتي اليسار في مقدمة المعنيين بالصراع الطبقي ، على اعتبار أن مشروعه من أجل التغيير مرتبط بمصالح الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين التي يمسها بشكل مباشر هجوم الرأسمالية الإمبريالية ، و هذه الطبقات لا تملك إلى حد الآن حزبها السياسي الذي يستطيع قيادة صراعها ضد البورجوازية ، و لأن جميع الطبقات الإجتماعية تملك تنظيماتها السياسية التي تعبر عن مصالحا بما في ذلك الطبقات الوسطى ، إلا أن اليسار المغربي لم يستطع بعد بلورة تحالف حقيقي في أوساط الطبقات الشعبية في ظل الأوضاع السياسية و الجماهيرية المتسمة بالتحولات العالمية التالية :

ـ تطور أساليب هيمنة الرأسمالية الإمبريالية في غياب أنظمة اشتراكية تواجهها .

ـ سقوط التجارب الاشتراكية بالإتحاد السوفياتي و شرق أوربا و نهب أموالها.

ـ تسخير الثورة التيكنولوجية الهائلة في مجال الإعلام و الإعلاميات في السيطرة على الشعوب.

ـ العسكرة المفرطة للدول الإمبريالية و بروز الإستعمار و الحروب بقيادة أمريكا .

ـ التدخل المباشر في شؤون الشعوب من طرف الأمبريالية الأمريكية و حلفائها.

ـ تسخير منظمة الأمم المتحدة لتمرير السياسات الإمبريالية .

إ

ن ما نتج عن ذلك من تحولات إقتصادية و اجتماعية يجعل دور الطبقة العاملة الطبقة ما زال حاسما في الصراع الطبقي ، و أصبحت الشغيلة اليوم ذات مكونات متعددة تتأرجح بين من يبيع قوة العمل العضلية و من يبيع قوة العمل الفكرية و من يتعرض للتهميش و التفقير ليصبح الجيش الإحتياطي القابل للإستغلال الرأسمالي ، والتي يطالها جمعا إستغلال الرأسمالية الإمبريالية و بالتالي ضرب مصالح الشعوب عبر ما يلي :

ـ تكثيف استغلال الرأسمال لقوة العمل و تراكم القيمة الزائدة في أيدي أقلية من البورجوازيين .

ـ هيمنة الرأسمال المالي على الرأسمال الصناعي و التجاري .

ـ هيمنة المضاربات المالية في السوق على حساب المنتوجات الصناعية و الفلاحية .

ـ الصناعة العسكرية المفرطة و ترويج الأسلحة و إشعال الحروب .

ـ إنتشار اقتصاد الريع و تنقل رؤوس الأموال و الحد من تنقل الطبقة العاملة في اتجاه دول الشمال .

ـ هيمنة الشركات المتعددة الإستيطان على السوق الحرة و تأثيرها على اقتصاديات الدول .

ـ التحكم في سوق العمل و تحديد قيمة الأجور و الأسعار و نشر البطالة .

ـ اضمحلال الدولة القومية بتغييب دورها في توجيه الإنتاج و التدخل في الأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية .

ـ حماية الرأسمال بنشر سياسة الخوصصة و سن قوانين رجعية تضرب المكتسبات التاريخية للطبقة العاملة و تشرعن استعبادها و تبيح نهب المؤسسات المالية و الصناعية و الفلاحية الوطنية.

في ظل هذه الأوضاع المزرية التي ساهمت في ضرب المكتسبات التاريخية للطبقة العاملة باعتبارها الطبقة التي قادت جميع الصراعات ضد الإستغلال الرأسمالي ، يأتي دور الحركة العمالية في الواجهة اليوم و تطرح عليها مهام جسيمة من أجل استرجاع مكانتها في الصراع الطبقي ، فأية استراتيجية لأي أفق لنضالات الطبقة العاملة ؟

في ظل صراع الطبقات الشعبية ضد الطبقة البورجوازية نشأ اليسار المغربي الذي أفرزته الحركة الماركسية اللينينية المغربية عبر نضالاتها منذ السبعينات من القرن 20 بعد فشل القيادة البورجوازية للأحزاب الإصلاحية في الصراع الطبقي ، و واجه المناضلون الماركسيون اللينينيون القمع الشرس داخل السجون بمزيد من الصمود و التحدي و النضال السياسي و الايديولوجي ، إلى أن تم تحقيق جزء مهم من مطالبها و هو فتح هامش مهم في مجال حرية التعبير و التنظيم التي أتاحت هامشا مهما من الحركة في أوساط الطبقات الشعبية ، إلا أن المكتسبات التاريخية للطبقة العاملة في المجالين الاقتصادي و الاجتماعي قد عرفت تراجعا خطيرا ، و بعد التجربة المريرة لليسار المغربي و التي مرت في أغلب مراحلها في السرية و القمع دخل جزء من اليسار في مرحلة العمل العلني المنظم الذي يتسم بما يلي :

ـ إختيار النضال الديمقراطي السياسي مرحليا في أفق بناء المجتمع الإشتراكي.

ـ المساهمة في بناء جبهة الإشتراكيين و الديمقراطيين ضد البورجوازية.

ـ المساهمة في بناء حزب الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين إستراتيجيا.

و بالنظر إلى مكونات اليسار الجذري يمكن تسجيل ما يلي :

ـ يضم في صفوفه مناضلين يتبنون الماركسية كمرجعية أيديولوجية و التخلي عن الماركسية اللينينية .
ـ ينتمون إلى الطبقات الوسطى التي تعتبر الطبقة العاملة حليفا لها.

ـ يشتغل جلهم بالإطارات الجماهيرية و خاصة النقابات .

و تبقى التصورات السياسية لليسار المغربي قريبة إلى حد ما من مصالح الطبقة العاملة و بعيدة كل البعد عن إمكانية التحقيق و ذلك نظرا للعوائق الطبقية التي تحول دون تحقيقها و التي تتجلى في :

ـ عدم قدرة اليسار على استقطاب الطبقة العاملة إلى صفوفه و يتضح ذلك في التركيبة الطبقية لتنظيماته التي يتكون أغلب مناضليها من الطبقة البورجوازية الصغرى .

ـ رغم أن جل مناضلي اليسار يعمل في الإطارات النقابية تبقى الصفة الطبقية لهؤلاء المحدد الأساسي لتعاملهم مع مصالح الطبقة العاملة.
ـ التعاطي المفرط للعمل النقابي الصرف و الذي يؤدي إلى بروز اتجاهات انتهازية في صفوفهم.

ـ النزعة الزعامتية و الطموح إلى الإرتقاء الطبقي و طغيان المفهوم الإصلاحي للنضال عبر الوصول إلى المؤسسات الرسمية / المجالس الجهوية و الغرفة الثانية .

الشيء الذي يعصف بالعمل النقابي في اتجاه المفهوم الليبرالي للنقابة و تكون نتائجه وخيمة على التنظيمات السياسي لليسار و بالتالي ابتعاد مناضليه عن الخط و الإستراتيجية السياسيين لهذه التنظيمات ، و هكذا يثبت التاريخ مرة أخرى أن الطبقة البورجوازية الصغرى لا يمكن أن تقود نضالات الطبقة العاملة رغم المشروع المجتمعي الذي تحمله التصورات السياسية لليسار المغربي في غياب الطبقة العاملة في صفوفه و قياداته ، و يبقى هدف بناء الحزب السياسي المستقل للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين هدفا بعيد المنال في ظل هذه الممارسات و يبقى بناء هذا الحزب موكولا للطبقة العاملة و حلفائها التاريخيين/الفلاحون الفقراء و الكادحون.

4 ـ خـلاصــــــــة

بالرجوع إلى تجربة النضال ضد الإستعمار المباشر و الذي يشكل فيه تحالف المدن والقرى/الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء ضد تحالف الاستعمار والإقطاع عاملا أساسيا في حسم الصراع الطبقي ، نستخلص ما تمثله هذه التجربة الرائدة في تاريخ الصراع الطبقي بالمغرب و دور اليسار في ذلك ، لذا فالصراع القائم اليوم هو صراع طبقي على الرغم من أنه يحمل بداخله صراعات اجتماعية ذات صبغة ما قبل-طبقية ، نظرا لكون العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع المغربي ليست بعلاقات اجتماعية رأسمالية محضة ، لكونها تحمل بداخلها علاقات اجتماعية ما قبل رأسمالية وما يصاحبها من علاقات التبعية للبورجوازية الكومبرادورية ، والتي تبرز تجلياتها أساسا لدى الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين في الصراع مع كبار الملاكين العقاريين بالبوادي ولدى الطبقة العاملة والكادحين بالمدن مع الباطرونا وكيلة الرأسمال.
و يبقى بناء التحالف بين الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين هدفا أسمى سيقدم بشكل كبير الصراع الطبقي الذي لن يتحقق إلا في ظل تحقيق الأهداف التالية :

ـ إمتلاك الوعي الطبقي لدى مناضلي اليسار و بلورته عبر الممارسة العملية للمحترفين السياسيين المرتبطين جذريا بالطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين .

ـ العمل اليومي الدؤوب بالتنظيمات الذاتية للطبقات الشعبية و على رأسها الطبقة العاملة للدفاع عن مصالحها الطبقية ضد هجوم البورجوازية.

ـ العمل على بناء تحالف تنظيمي بين هذه التنظيمات لمواجهة هجوم الراسمالية الإمبريالية على مصالح الطبقات الشعبية.

ـ مناهضة الانحرافات ومفاهيم البورجوازية والسلوكات ما قبل-طبقية التي تبرز في أوساط مناضلي اليسار و في أوساط الطبقات الشعبية .

ـ العمل على تطوير الوعي الحسي لدى الطبقات الشعبية للمرور إلى مرحلة الوعي السياسي والممارسة السياسية من الموقع الطبقي الذي تنتمي إليه.

ـ المرور إلى مرحلة الممارسة السياسية للطبقات الشعبية بالانتماء إلى التحالف السياسي لليسار عبر تحمل المسؤوليات السياسية في هياكله .
ـ العمل على تطوير الوعي السياسي لديها من أجل تحقيق الوعي الطبقي الآلية الوحيدة الكفيلة لحسم الصراع الطبقي ضد البورجوازية .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. منصف التومي
    14/01/2008 at 23:47

    أصلا الكتابات النقابية لا زالت تجتر قواميس سابقة جدليا أضحت متجاوزة بحكم التحولات العالمية والإستشرافات الإقتصادية وذهنية زمن العولمة.الغوص في التحاليل الأكاديمية لا تعدو أن تكون إعادة للثقافة البيزنطية المملة والبوليميك المنعدم للواقعية والتحليل الملموس.الحديث عن الطبقات الشعبية والعمالية والقوى الحية واليسار والنضال والوعي الشعبي والإشتراكية والنوزيع العادل للثروات كل ذلك أصبح كلام إنشاء يسعى مروجوه إلى تبوئ مناصب من شأنها تحقيق أهداف نفعية ذاتية

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *