عقدة أوديب الأمازيغية:اغتيال الأب والأم معا
عقدة أوديب الأمازيغية:اغتيال الأب والأم معا
رمضان مصباح الإدريسي
تقديم:
» ان اغتيال السلف الأصلي هو استيهام جنسي عالمي للإنسانية؛يتوق الى اغتيال شخص الأب، اتقاء لاخصاء وهمي متوقع منه.هذه المرحلة هي الوحيدة التي تـُمكن من نمو نفسي طبيعي لاحق. إن المفهوم الكامل لعقدة أوديب يتضمن في الواقع هذه المراحل الثلاث: الرغبة المحارمية إزاء الأم،الرغبة في قتل الأب،وصورة أب قاس يهدد بالاخصاء. »
Henri F. Ellenberger, Histoire de la découverte de l’inconscient, Paris, Fayard, 2008.p :533
تحليل الاستجابة سابق على الطعن في النسب:
في مقال لي منشور بهسبريس ،بتاريخ11أبريل 2013
http://www.hespress.com/writers/76748.html
قلت بالحرف:
« تَتْرى الأدلة وتتلاحق ,وكلها تؤكد أن انتقاداتي لمنهجية التعاطي مع المسألة الأمازيغية- وليس الأمازيغية في حد ذاتها ،كما يتوهم البعض- تظل محدودة ومحتشمة لأن النفوس ،المحسوبة على الحداثة،الديموقراطية،وأكثر من هذا المعتنقة للمظلومية ،حد التطرف؛ أصابها سعار هوياتي لا ينفع معه مصل ولا دواء. »
بعد معاودتي قراءة المقال ،على ضوء خطاطة الموضوع الجديد الذي أنا بصدده، وجدته يفرض مضمونه علي كمقدمة ،ليتضح للقارئ لماذا انتقلت من المعرفي التاريخي إلى النفسي ،لفهم عقدة غلاة الأمازيغ ،لا غيرهم رجاء، إزاء دولة الأدارسة ،سواء كملوك وأمراء ، أحياء في التاريخ فقط؛أو كمؤسسة أولى لآل البيت بالمغرب لا تزال –كما اتسعت بوفادة أبناء عمومتهم- حية ترزق، بكل المودة و التقدير ،من طرف أغلب المسلمين ،وليس المغاربة فقط؛إعمالا لنصوص قرآنية قطعية الدلالة ،ليس لأحد الطعن فيها؛إلا طاعنا في الدين كله؛منها:
« قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى »
دون أن أغفل هنا النصوص الحديثية ،ومأثور السلف الصالح في الباب؛ومن ذلك ما أورده القرطبي من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: « حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي، وآذاني في عترتي، ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غدا إذا لقيني يوم القيامة « .
مهما يكن الرأي في هذه النصوص – وان من جاحد كلية لها- فهي ،وما في حكمها،السند في المكانة التي خُص بها آل البيت أنى وليت وجهك . وكل مقاربة لمؤسسة الشرف يجب أن تكون شجاعة وصريحة ،تحيط بالموضوع كله ،ولا تقف به عند دولة الأدارسة ،التي ابتدأت برجل أعزل ،فار من الإبادة الجماعية لعائلته؛ولا سلاح له، ولا جند،ولا وثائق؛عدا قوة بيانه ، واستجابة من الأمازيغ ،وهم في عزة ومنعة من أمرهم.
تحليل هذه الاستجابة التي عَقدت الغلاة اليوم سابق على الطعن في النسب.
قتل الأب:
عقدة أوديب ،كما تنعت في التحليل النفسي ،اكتشاف « فرويدي » يفسر به –موظفا الأسطورة الإغريقية القديمة- مرحلة من مراحل نمو الطفل ؛تبتدئ من السنة الرابعة أو الخامسة ؛وهي مقترنة بوعي الطفل بقضيبه الذكوري.يرتبط هذا الوعي المبكر بميل محارمي نحو الأم ،يُنمي ،تدريجيا ،كراهية للأب ؛باعتباره منافسا ،وصولا الى الرغبة في قتله ،بفعل وهم الاخصاء الرهيب ، المتوقع منه. تبدأ العقدة في الانحلال تلقائيا ليدخل الطفل مرحلة النضج البدني والبلوغ الجنسي الذي يتجه صوب وجهات أخرى طبيعية للإشباع.
وعي البنت بلا قضيبيتها يدفعها- حسب التحليل الفرو يدي- لا شعوريا صوب الأب؛لتنحل العقدة تلقائيا مع اطراد النمو.
حينما أعياني فهم إلحاح بعض الكتاب الأمازيغ على مقاربات نَسَبِية لا أراها تخدم الخطاب الأمازيغي في شيء؛وهو يتعامل مع مجتمع ينتظر الكثير من العطاء الثقافي ،من نشطاء الأمازيغ، ليقتنع بأن المشرع –وهو يدستر الأمازيغية- لم يؤلف فقط قلوبهم ،اعتبارا لحسابات الربيع العربي؛وإنما لحاجة الوطن حقيقة الى النهوض بكل مكوناته الثقافية لكسب رهان التنمية.
هذا المجتمع ،وهو بثوابت وتاريخ عريق، ورواسب تُطْوى الأجيالُ والقرونُ ولا تزول،بحاجة الى خطاب عذب ،حكيم وهادئ – بأعالي وأسافل- ليجعل مضمونه غيثا ومُزنا يروي العقول ؛وليس رعدا وبرقا ووابلا ، يُفيضُ الأنهارَ عن مجاريها لِتُغرق ما حولها ،وتجرف كل ما في طريقها.
إذا سجلنا الشتم والسباب في فاتورة قراء شباب متحمسين و أغرار ؛فمن يتحمل وزرالطعن في نسب الأدارسة ،عبر العالم،وهم بالملايين؟ ألا يخجل بعض الكتاب من زهد هؤلاء حتى في مقاضاتهم ،بتهمة القذف والتجريح ؟ ألا يتحرجون وهم يرون على يمينهم وشمالهم أدارسة أمازيغ حتى النخاع؛للظروف التاريخية المأساوية التي ظهر أخيرا من يفتخر بها،وينصب السفاح موسى بن أبي العافية مناضلا أمازيغيا .
وكأني به لا يكره إحياء « علوم » النبي البرغواطي؛وقتل كل المؤذنين ،وتعويضهم بالديكة،وتحدي حتى الشيخ الفزازي في عدد الزوجات ،إذ لا حدود لها ،ولا معيار عند النبي البرغواطي عدا قوة الباه. وأشياء كثيرة أحسن المؤرخون صنعا اذ طمروها، وأنسوا فيها الناس ؛خجلا وليس ظلما واستبدادا كما توهم من ينسب تفسه للأكاديمية والبحث.
لولا اقتناعي بأن الأمر لن يفيد القضية الأمازيغية في شيء ،ولا تاريخ المغرب لأتيت على ذكر فضائع الدولة البرغواطية ،وإباداتها لقبائل كاملة من الأمازيغ ؛استنادا حتى الى كبار المؤرخين الأجانب. لكن لن أجاري كراهية هذا الباحث وهو يقابل بين دولة الأدارسة التي قامت على أسس ثابتة ،ودولة ينسبها بعض المؤرخين للمجوسية.
لم أجد لتفسير كل هذا غير عقدة أوديب:
في اللاشعور الأمازيغي، للغلاة ،حضور قوي للمظلومية التي بسطت فيها القول سابقا .
مظلومية تتأسس على سؤال مركزي :من أين ابتدأ هذا الظلم؟ طبعا، التقديس المجاني لتاريخ الأمازيغ السابق عن الفتح الإسلامي يجعلهم يغضون الطرف عن كل المآسي التي أصابتهم من الشعوب التي استعمرتهم .أمر حير حتى كبار المؤرخين ؛ف »غوتيي » مثلا يتساءل عن هذه النفسية الغريبة التي تجعل شعبا يمتلك كل المؤهلات لحكم نفسه بنفسه ،وصد الأعداء؛لكنه يفضل أن يسلم القياد لكل من هب ودب ،من الوافدين، شريطة ألا يكون أمازيغيا.
ولا يتسع المقام لإيراد تساؤلات عديدة لمؤرخين آخرين إزاء هذا الوضع الذي لا يزال غير مفهوم تماما. إن تعامل الأمازيغ مع مولاي ادريس الأول لم يكن سوى الحلقة الأخيرة في مسلسل من الاستجابات السهلة للوافد، دام قرونا عديدة. هذا لا ينفي وجود مقاومة تكررت من الأمازيغ ؛لكنها لم تصل الى مستوى ما كانوا عليه من كثرة وقوةومنعة.
بناء على هذا لا يمكن أن يكون الأب المبغوض – بالفهم الفرويدي-من الرومان أو غيرهم . ولا يمكن أن يكون من القادة الفاتحين لأنهم عادوا من حيث أتوا، دون أن تمتد لهم دول.وكان منهم ولاة ،لكن تحت أمرة الخلفاء في المشرق ،هذا كل شيء.
اذن بقي أب واحد تشحذ السكاكين لذبحه ،اقتصاصا حتى من قاهري الأمازيغ من غير المسلمين. انه المولى إدريس الأكبر ،الذي جمع بين الملك السهل، وامتداد النسب الى بيت النبوة.
في عقدة أوديب تصل الأمور الى نهايتها الطبيعية ،حينما يبلغ الطفل، ويفهم أن الإشباع الجنسي يتحقق بعيدا عن كل المحارم وليس الأم فقط.
وعليه فما دامت الحركة الأمازيغية تعاني من تعثر البدايات –لأسباب ذاتية وغير موضوعية- فستظل الرغبة في قتل الأب ،المسؤول –توهما- عن عثرات الطفولة،واردة.
إن نص التقديم ، في هذا الموضوع،يؤكد أن عقدة أوديب لا تكون فردية فقط ؛بل تعيشها الجماعة أيضا ،حينما تتمرد على سلف ما ،أو مؤسس دولة. استحضروا كيف تعامل الفرنسيون مع الجنرال دوغول ،سنة1968؛اذ بدا لهم أنه يمسك بخناق الجمهورية بأبوة مبالغ فيها.
قتل الأم:
هذه الحالة –وهي أمازيغية خالصة- ليست من مشمولات عقدة أوديب ؛حتى عقدة « ألكترا » تجعل البنت تتجه صوب الوالد ،دون كراهية للأم ،أو رغبة لا شعورية في قتلها.
إن أبوة المولى إدريس الرمزية ،كما صنعها وهم الغلاة ،تستدعي أمومة الفاضلة كنزة الأوربية. ورغم أمازيغيتها ،ومكانتها في عشيرتها ،فان قتلة الأب حمَّلوها مسؤولية ما .لعلها جينية اذ أنجبت الأب الثاني الذي تقاسم مع الأول –حسب الغلاة- وزر ما أصابهم من الأول؛وان لم يصبهم غير الفضل في الحقيقة.
هكذا استباحوا عرضها وطعنوها في شرفها ،ليصبح مولودها للعاهر، وليس للفراش.
وبقتلها قتلوا كل الشرف الأوربي ،وسفهوا ذكاء كبار الأمازيغ وصغارهم ،وقتها.
لكن من ينتصر لنبي بورغواطة يُتوقع منه كل شيء، وليس قتل الأم كنزة ،جدة كل الأدارسة.
جديد عقدة أوديب الأمازيغية هو القتل الرمزي للأم أيضا .هذه تدون في السجل العلمي للغلاة.
أبهذا الخطاب تدشنون العصر الأمازيغي الجديد؟ من من المغاربة يأمن عرضه منكم مستقبلا ،إذا تحققت كل رغباتكم؟
كيف ستحفظون أعراض الناس وأنسابهم في تامزغا الكبرى ،وأنتم تنتدبون،في كل مرة من يقتل الأب والأم ؟
من هنا أوجه ندائي الى كل أدارسة المغرب وأقول:
« وضع الندى في موضع السيف مضر، كوضع السيف موضع الندى »؛ولا سيف اليوم غير القضاء.
ولكل المغاربة أن يتبرؤوا من البرغواطيين الجدد.
ويبقى للأمازيغية رجالها الذين ينوؤون تحت ثقل التاريخ ،ويتقدمون وكأنهم يمشون فوق الحراب.
ramdanemesbah@yahoo.fr
ramdane3.ahlablog.com
Aucun commentaire