رئاسيات الجزائر:المنفذ صوب حقل الألغام
رئاسيات الجزائر:المنفذ صوب حقل الألغام
(1)
رمضان مصباح الإدريسي
« سوف يكون من بين التحديات التي تواجهها الدول المصدرة للبترول ،والمتنامية حديثا في إفريقيا ،التغلب على نمط القارة المثبط للهمم ؛حيث يبقى مواطنو الدول الغنية بالموارد غارقين في مستنقع الفقر ؛حتى عندما تجني نخبة صغيرة،والمضاربون الدوليون ،والشركات متعددة الجنسيات منافع ضخمة. »
الكينية « وانغاري ماثاي »:مؤسسة حركة الحزام الأخضر
(جائزة نوبل سنة2004)
لعنة الموارد:
في الجزائر يبدو البترول- ومعه الغاز- كما لو أنه جنرال الجنرالات؛ويأتي رئيس الدولة في المرتبة الثالثة لهذه المنظومة القيادية التي تختزل البلاد كلها : شعبا ،حكومة ومؤسسات.
تأسست شركة المحروقات « صوناطراكsonatrach » -1963-على شرعية الثورة الجزائرية ،حينما أدركت ألا استقلال وموارد البلاد –وهي طاقية بنسبة80%- بيد المستعمر ؛فكانت النتيجة عكسية تماما:
من أعلى مداخن حاسي مسعود وغيره تدلت،تدريجيا، حبال شنقت كل مبادئ الثورة، وأحلام شعب المليون شهيد.
هكذا غير مستعمر الأمس قشرته فقط ليوفر كلفة الإنتاج والحراسة معا ،مما ضاعف أرباحه.
ثم اجتهدت الآلة الاستعمارية –بشكلها الجديد،وكما اتسعت وتلونت لا حقا- لتصفية من تبقى من أبطال الثورة في خندق الشعب،ولاجتثاث كل الجذور والعروق التي تربط هذا الشعب بمحيطه التاريخي والجغرافي ؛ولخلق دولة وهمية مكتملة الواجهة . بل حتى بمشروع اشتراكي ثوري – صناعي بالخصوص- جندت له كل الحناجر وكل الأناشيد ؛وكل الطاقة الذاتية المتجددة، التي جعلته يشتغل على مدى نصف قرن.
وبدهاء عرف للآلة الاستعمارية الغربية،عموما، تم شل أغلب الموارد غير الطاقية في البلاد ،وخصوصا إنتاج الغذاء؛حتى تُرتَهن الجزائر للمورد الطاقي فقط (98%من موارد العملة الصعبة)تحسبا لمخاطر تنمية ذاتية متنوعة المصادر، تجعل البلاد في غنى عن الشركات الطاقية العملاقة العابرة للقارات؛خصوصا وهامش الربح الوطني ضيق جدا،حتى مع احتساب المليارات الخالصة لأغنى قادة جيش في العالم.
هكذا ماكادت تنصرم عشرية الاستقلال الأولى حتى انهار الإنتاج ألفلاحي في المزارع والضيعات الكولونيالية التي طالما غذت الجزائر وفرنسا معا .ومع هذا الانهيار شح معين ثقافي فلاحي مهم ،كان يجلل جبين ساكنة الريف الجزائري،ليفسح المجال لقيم صناعية عمالية زائفة ،سرعان ما علاها الصدأ وانهارت بدورها،بانهيار صناعة لم يتوفر لها لا الإتقان ولا السوق،ولا التدبير المحكم.
الريع بدل التنمية:
بعد العشرية السوداء التي أعقبت الحراك السياسي سنة1988 ؛والذي عبر عن رفض الشعب الجزائري الشاب لمواصلة استنزاف موارد البلاد ،وابتذال الشرعية الثورية ؛مما حدا به إلى الانخراط في بناء شرعية دينية بديلة،وصولا إلى مجالدة النظام العسكري ؛دخلت البلاد مرحلة الاقتصاد الريعي عبر بوابتين:
*العائدات الضخمة الناتجة عن ارتفاع ثمن البترول؛ومحاربة الشرعية الدينية التي كادت تقوض بنيان النظام ،خصوصا وقد تم إهمال بناء مؤسسات قوية مؤهلة لإدارة التنمية ،وتحقيق التوظيف الأمثل للثروة .
*ومن جهة أخرى تم التضييق على الأحزاب السياسية –وليدة الحراك- مما عطل دورها في تأطير المجتمع ،وإنتاج النخب الشابة المسيرة.
تم اختزال كل الحراك في مطالب مادية ،تم تأجيجها عمدا،كما تمت تلبيتها بكل يسر إيذانا بخلق مجتمع جزائري استهلاكي
ينسى كل معاجم وأناشيد الثورة ؛ويمجد لوبيات رجال الأعمال والوسطاء ،كقادة جدد فسح لهم الجنرالات ليتصدروا في واجهة مزيفة وخادعة،لتستمر الحكاية إلى ما لانهاية.
وتمهيدا لهذا الرخاء ألظرفي ؛وحبله قصير كالكذب،كما سيتضح لاحقا ،قدم الجنرالات هدية الوئام المدني للرئيس بوتفليقة حتى يبنوا له شرعية ولو مزيفة؛ و ينسى الشعب الجزائري تورطه السابق في اختلاس ميزانيات السفارات حينما كان يشغل منصب رئيس الدبلوماسية؛وهو الاختلاس الذي شكل موضوع إدانة قضائية له في ثمانينات القرن الماضي.
سيكشف الرئيس الجزائري السابق ، الجنرال ليمين زروال – وهو الرئيس الوحيد المنتخب ديمقراطيا،اعتبارا لظرف الحراك- في ندائه الأخير الحقيقة ،وسيقول للشعب الجزائري:بَرَكات لا تُلبسوا الرجل ثوبا ليس له .
لم يجد الجنرالات أي غضاضة في تقويض سلطة القضاء –إن كانت له سلطة ما في الجزائر- والصفح عن مجرمين متورطين في جرائم دم ؛وفي اختفاءات قسرية لاتزال الأسر الجزائرية تعاني من وقعها إلى اليوم، ولا منصف .
وطويت في نفس الوقت جرائم ارتكبها قادة عسكريون دمويون،في غمرة العشرية السوداء؛منها تصفية رهبان تِبْحِرين ،التي لا تزال تشغل القضاء الفرنسي،إضافة الى العديد من القرويين والأطر .كان الهدف طبعا تسويد صفحة الجماعات المسلحة،دون أدنى وازع أخلاقي وقانوني يُجِل الحياة البشرية.
وكما سبق للمرحوم الحسن الثاني أن قال،ذات ارتفاع لسعر الفوسفاط في سبعينيات القرن الماضي: »المالْ كَيَحْرَقْ اليَدّينْ »؛دخل قادة الجيش أسواق التسلح البري والبحري والجوي،في روسيا وغيرها – حتى دون تهديد خارجي حقيقي- لتصريف العائدات الطاقية وصولا إلى نسبة زيادة سنة2009،تقدر ب 300%؛ والى مبلغ 12،7 مليار دولار في السنة الحالية2014.
ولا يخفى جانب حشد النصير الدولي لأطروحات مصطنعة اصطناعا ،وتبرير الإنفاق العسكري- بما يضمنه من عمولات شخصية- في هذا التهافت.
وفيما يخص الداخل ارتفعت الأجور ،ويُسرت القروض ،ولو بدون ضمانات بنكية ؛كما سالت الأموال بين أيادي الولاة للجم الاحتجاجات الشعبية.
حقل الألغام:
وهي ألغام اقتصادية أساسا ،اعتبارا لكون الدولة الحقيقية في الجزائر هي دولة البترول والغاز،بقلب نابض واحد ووحيد هو شركة صوناطراك؛كعب أشيل الذي سيقوض النظام الجزائري على مدى ما تبقى من عمر للمخزون الطاقي(ما بين 10 سنوات الى 15 سنة):
بدءا من 2006 دخل الإنتاج النفطي مرحلة التراجع:انتقل الإنتاج من 85 مليون طن إلى 76 مليون طن سنة2012؛بنسبة تراجع تصل إلى 10,6%.
أما إنتاج الغاز فقد انتقل من 89 مليار متر مكعب،سنة 2005 إلى 83 مليار متر مكعب سنة 2011.
أما التصدير فقد سجل انخفاضا بنسبة 25%،ما بين 2005 و2012:من 65مليار متر مكعب إلى 49مليار متر مكعب.
(حسب إحصائيات أوردها خبير المحروقات الجزائري ،والنائب السابق لرئيس شركة صوناطراك،حسين مالطي).
ورغم أن هذه الأرقام – حتى في حالة اكتشافات غازية جديدة- لا تحتمل أكثر من وصف:السقطة الحرة chute libre
فان هناك عوامل خطيرة أخرى من شأنها تسريع حلول ما يسميه خبراء التنمية بلعنة الموارد:
*اطراد ارتفاع الاستهلاك الداخلي،وهو اليوم بنسبة12 الى 13% سنويا. في مقابل نسبة عالمية في حدود 2.5%..
*ظهور صعوبات في ما يخص تسويق صوناطراك للغاز؛ولعل ما يتهدد الغاز الروسي الموجه للاتحاد الأوروبي من انقطاع – في حال الحصار- سيحل مؤقتا هذا العائق دون أن يلغيه( من مواضيع زيارة جون كيري الأخيرة للجزائر).
*ارتفاع نسبتي النمو الديموغرافي ،و ميزانية الدولة،عاما بعد عام.
*إضافة إلى هذه العوامل تتهدد صوناطراك –وبالتالي دولة الجزائر- تصفية شاملة اعتبارا لما عرفته من فضائح مالية عملاقة تورط فيها كبار النافذين في الدولة،من عسكريين ومدنيين.
هذه الفضائح المدوية كانت موضوع متابعات قضائية ايطالية،كندية وأميركية؛دون تثير القضاء الجزائري. بهذا استحقت عصابة شكيب خليل ،فريد لبجاوي وسعيد بوتفليقة ،وآخرين من الحماة والمشاركين:عبد العزيز بوتفليقة،الجنرال العربي بلخير،الجنرال توفيق مدين ،وخالد نزار قصب السبق ،ربما العالمي،في النهب الفلكي للمال العام ..إنها لعنة الموارد،وهي بشرية الصنع.
*وتتهددها – بدءا من سنة2001-تصفية رسمية ،من مستوى رهيب؛بحجة تطويع قطاع المحروقات ليستجيب لمقتضيات السوق العالمية الحرة.
في هذا الإطار تم توقيع عقدة مع البنك الدولي تهدف إلى إيجاد إطار قانوني ومؤسسي جديد يضبط إنتاج وتسويق المحروقات.
يرى الخبير الجزائري حسين مالطي أن هذا المرور عبر البنك الدولي لم يكن سوى وسيلة
لتمكين كبرى مكاتب الدراسات الأميركية ،في مجال الطاقة والمعادن ،من دراسة وصياغة قانون جديد للمحروقات الجزائرية ينسجم مع العقيدة الطاقية الجديدة التي شرع الرئيس الأميركي جورج والتر بوش في بلورتها من خلال
أعمال لجنة خاصة شكلها،يترأسها « ديك شيني الرئيس السابق لشركة « هالبورتن »HALIBURTON،والذي أصبح نائبا للرئيس الأميركي. تهدف إستراتيجية الرئيس هذه الى الهيمنة الأميركية ،بمختلف الوسائل بما فيها العسكرية(حالة أفغانستان والعراق)على المناطق البترولية الكبرى عبر العالم.
إن التوجه الجديد الذي يضبطه القانون الموقع من طرف شكيب خليل( الفار، والمقيم حاليا في الولايات المتحدة) يضع بين يدي الشركات الأجنبية –ويصفه خاصة الأميركية- من 70% الى 100% من حقوق ملكية حقول المحروقات في الجزائر. فماذا تبقى من صونطراك؟
الألغام السياسية: يتبع
Ramdane3.ahlablog.com
Aucun commentaire