حتّى يغيّروا ما بأنفسهم
تحضُرُني مقولة لمؤسس شركة آبل الرّاحل “ستيف جوبز”، يقول فيها :”وقتك في هذا العالم محدود جدّاً.. لا تضيعه في محاولة عيش حياة ليست حياتك. كن شجاعاً بما يكفي لتتبع قلبك وحدسَك لأنهما يعرفان بطريقة أو بأخرى ما الذي تريده بالفعل.. أي شيء آخر يبقى ثانوياً.”
كما يبدو واضحاً من خلال المقولة أن الأهم في هذه الحياة كلّها هو إيجاد المفتاح: ما الذي تريده بالفعل من وجودك؟
هل تريد ان تكون مجرد رقم يضاف إلى عدد سكان الأرض أم أنك تريد الرحيل وقد ساهمت في بناء شيء مفيد للأجيال القادمة؟
ثم إذا كان الحاضر رديئاً ببنياته الإجتماعية والفكرية والسياسية والإقتصادية، فما الذي سنراه في المستقبل؟ وهل هناك حالة أسوء لتوقعها؟
إذا لم نقم بالتفكير الجدّي في المستقبل ووضع علامات استفهام تحت الواقع فإننا سنصطدم بحقيقة النّدم حين يكون الخطر قد وصل حدّا لا يمكن معالجته، هذا تحت افتراض أنه لا يزال هناك أمل آخر، رغم أن كل نظرة واقعية للأمور تؤدي إلى استنتاج واحد: لا تغيير للجماعة ما لم يتغير الأفراد، وحتى يتغير الأفراد يجب أن يتحرك شيء في أعماقهم. وهذا الشيء يحتاج دفعاً قوياً كي يتحرك.. ما يستلزم عودة اضطرارية إلى المُجتمع.
ليس من السّهل أن تشعر بالمسؤولية تجاه مجتمع لا يعرف طعمها، وإنه من الصعب جدّاً أن تقضي ليالٍ من عمرك وأنت تفكر كيف ستجعلهم يهتمّون أكثر بالمعرفة واستغلال الوقت في البناء في الوقت الذي يكونون فيه نياما أو غارقين في الملاهي والمقاهي بعضهم يحلّ الكلمات المتقاطعة والبعض الآخر يستمتع بمراقبة العابرين في الشوارع..
الإشكال هنا لا ينتج إجابة كاملة بقدر ما ينتج نظريات لا تفيدنا في الواقع، لأن الوسائل منعدمة الوجود.. الشّروط المبدئية لتطبيق إحدى نظريات الإصلاح المُجتمعي وبناء مجتمع المعرفة غير موجودة، إذ من المستحيل أن تقوم فئة قليلة بقيادة مجتمع بأكمله لتحقيق الهدف إذا كان المجتمع يفتقر إلى الإيمان بهذا الهدف من جهة، والقادة يفتقرون إلى وسائل القيادة من جهة أخرى.
كان يمكن ترك الواقع جانباً وسرد تفاصيل نظريات حديثة في علم الإجتماع والإقتصاد المعرفي وقوانين المجتمعات الحضارية وكيف وصلت إلى النجاح (اليابان نموذجاً)، كما كان من الممكن أن يتم استيراد مناهج لإصلاح التعليم ورأينا في النهاية كيف أنها لم تصلح أكثر مما خربت، لكن كل هذا لن يصل بنا لأي مكان، لأن ما نحتاجه هو شيء مختلف تماما عن المعرفة التي تلقّن في الكتب، ولأن الإصلاح لا يأتي من الخارج.. لهذه الأسباب وغيرها لا يمكن أن نواصل عملية السّخرية من أنفسنا.
لكن ألم يحن وقت التغيير بعد؟
الجواب الوحيد الذي أملكه الآن هو : لا تنتظر أن يجيبك أحد. انهض أنت، فكّر بجدّية بنفسك، توقف عن التنظير وطبّق، استمع للجميع، استفد من طاقاتك المخزنة والضائعة بنفسك !
ثم إن ما يجب ان نفهمه في النهاية أن ما نعيشه هو واقع، وسط مجتمع مريض من الداخل سيكون من الغباء التعايش معه ومع نمطية أفكاره وسلوكاته.. سيقولون عن الخارج عن هذه النمطية “مجنون” أو “متعالٍ” وسنقول لهم هؤلاء الذين غيّروا مسارات التاريخ كانوا مجانين جياعاً للمعرفة ومصابين بالحساسية تجاه التقليد.
وإذا كان الحل هو التغيير الداخلي فإن هذا معناه عدم انتظار أن يكتشف الآخرون مواهبنا وقدراتنا، يجب أن نفرض أنفسنا وإلاّ سنظل على هوامش النهضة للأبد.
Aucun commentaire