Home»Enseignement»نموذج المعرفة والقيم : وعرض ونقد بديل بيداغوجيا الملكات

نموذج المعرفة والقيم : وعرض ونقد بديل بيداغوجيا الملكات

1
Shares
PinterestGoogle+

1-سياق فكري عام:

إن اختيار الدكتور محمد الدريج لنموذج التدريس بالملكات بعد اختيارات بيداغوجية أجنبية من قبيل التدريس الهادف والتدريس بالكفايات يأتي استجابة لمتطلبات تمثل صحيح لفعل الممارسة القسمية وتلبية لمقتضيات قراءة عميقة لوضعية منظومة التربية والتكوين داخل النظام التعليمي المغربي من خلال مسلسل إصلاحي بدأ محتشما سنة 1957 وانتهى فاشلا ما بين 1999 -2012 بسبب تغييب مكونات الهوية الوطنية بروافدها المختلفة…والجري وراء سراب الحداثة التي هي في نهاية المطاف مجرد تغريب ومثاقفة  وفي محصلة التحليل استلاب بفكر مقاولاتي  رافعته فعل ليبرالي وحشي وسنده فلسفة ذرائعية تمجد منطق المصالح  على حساب منطق  المبادئ والقيم وتكرس مفاهيم مغلوطة حول ثقافة الحقوق وقيمة  الحرية من عيار التحلل والتنصل  والفوضى والإباحية والفردانية واللامبالاة.. وتعتبر التبعية تحديثا والاستيراد منهجا للالتحاق بالركب… إنه توجه رجل تربية واختصاص أدرى بخصوصيات المرحلة .خبر سبل الخروج من الأزمة وثمرة قراءة جديدة للتراث العربي الإسلامي برؤى جديدة يستعيرها من عابد الجابري وحسين مروة والطيب التيزيني وحسن حنفي … وبمنهج جديد يمتشق معاول الهدم والبناء والحفر في الجذور والنبش في المركز والأطراف من منطلق الرجوع إلى الأصل قوة وعلى قاعدة القطيعة المعرفية مع جزء من التراث ومع نماذج ومناهج افتقرت إلى الموضوعية .ومن شأن هذا التحقيب المترتب عن القطيعة المعرفية  الجزئية أن  يصل الماضي بالحاضر ويبني مستقبل الأجيال على أساس التحرر من النظرة التراثية للتراث  في عالم معولم البقاء فيه لمن يتحكم في تراثه  ومقومات حضارته على طريق ترسيخ بصمات هويته وضمان مقتضيات وجوده من خلال ثنائية  التأصيل  والانفتاح لكسب رهان تربية وتكوين العنصر البشري الرقم الصعب في معادلة التنمية الذهنية والبشرية في أفق تثبيت قدمه في محيط دولي يختاره بوعي ومسؤولية.

2-عرض نموذج التدريس بالملكات:

إن نموذج التدريس بالملكات لا يشكل قطيعة مع نماذج مجربة كالتدريس الهادف والتدريس بالكفايات ولا فصلا تاما عن بيداغوجيات معمول بها  كبيداغوجيا التعاقد  وبيداغوجيا التشارك وبيداغوجيا النتائج وبيداغوجيا المعاييرواستراتيجية  التعليم المندمج بقدرما يمثل تكييفا حقيقيا لنموذج أصيل مع وضعيات جديدة لمجابهة مشكلات مغلقة أو مفتوحة بالاستعانة بخبرة تربوية وعلمية غربية  تقدمها نماذج تدريسية عالمية أثبثت نجاعتها.

الباحث معجب بنموذج التدريس بالكفايات ولكنه ناقم على إطاره المنهجي التنزيلي بيداغوجيا الإدماج بدعوى أنه ثمرة مكتب الدراسات الأجنبية الرامية إلى تكريس الفكر المقاولاتي الوافد دون استشارة الفاعلين التربويين وفي غياب وضع شروط موضوعية للأجرأة الحقيقية مما حتم عليه الاحتكام إلى تراثنا التربوي القديم ليستمد منه الشرعية والاعتراف بفعالية النموذج ويحيلنا هذا الاستلهام للتراث التربوي على فرضيتين :

1-نموذج التدريس بالكفايات كما نظر له دوكوتيل في الثمانينات وروجرز في بداية الألفية الثانية  وتأسيسا على جهازه المقولي والمفاهيمي والإجرائي المحيل على مرجعيات علمية  تشكلها خمس نظريات  وهي نظرية الأنساق لبيرتلنفي والبنائية لبياجي   والبنائية الجديدة لكليمون ودواز ومونك والمعرفة لباشلار وطارديف  والسوسيوبنائية  الذاتية لإتيانت فيلاس وثلاثة اتجاهات سيكولوجية كبرى أهمها سيكولوجية النمو لبياجي والدوافع لأليسكي لنيوتيف وروشيكس وشارلوت بوتيي والتصرف الذهني عند كالين بين هو  بمقتضى تأويل الباحث لهذا البديل تطوير غربي معصرن  لنموذج التدريس بالملكات العربي الإسلامي عند رواد التربية القدماء  كالرسول /ص/والشريف الجرجاني وابن خلدون وابن مسكويه وإخوان الصفا وابن سحنون والقابسي والماوردي والغزالي … فعندما يتبنى الباحث محمد الدريج  هذا النموذج يجد فيه ذات المغاربة الأصيلة ومنتظراتهم التكوينية والاقتصادية والثقافية … التي تشغل بالهم  .

2-نموذج التدريس بالملكات انطلاقا من مرجعيته التراثية  وإمكانية انفتاحه 

 على معطيات علمية و نفسية وسوسيولوجية ولسانية معدلة وأبعاد تربوية واجتماعية ولغوية وإنسانية مكيفة…مدخل أساسي لامناص منه لإخراج منظومتنا التدريسية من عنق الزجاجة لأنه يرتهن إلى استراتيجية متواصلة مع التراث تم تجريبها في التعليم الديني والتعليم العتيق والتعليم الموسوعي  تستند  إلى خلفية حضارية  تحمل هويتنا المتنوعة و تمتد في تراثنا العميق وتمتح من مرجعيتنا الأ صيلة الدينية والفكرية واللغوية والنقدية وتستمدد من نماذج أثبثت فعاليتها كالنموذج العلمي التجريبي لجابر بن حيان وابن النفيس والبيروني وابن الهيثم والخوارزمي…والنموذج الوظيفي النفعي الذي جسده باقتدار الهدي النبوي كما يمكن استلهام نماذج  أخرى لها راهنية ونجاعة مؤكدة كالمنهج اللغوي والقانوني والاجتماعي والأخلاقي والإنساني  مما يساهم في تيسير استساغته من قبل الرأي العام الوطني .

إنها صيغة أولى أصلية لمخطوط التدريس بالملكات  كما تمثلها تصور الباحث محمد الدريج من خلال ما عرفه أو عاشه مع  أسلافنا  في مسايد حفظ القرآن وحلقات الذكر وأسطوانات العلم ومجالس الحكمة والأدب هي تحت  قيد التطوير والصقل والبلورة واستنباث شروط التنزيل وإنضاج مناخ الأجرأة.

ويتكون هذا  التصور العملي لمحمد الدريج دون أن ننعته بالنموذج الإرشادي الديداكتيكي لأنه لحد الساعة لم يكشف  بدقة عن إطار التصرف وعن الإطار المنطقي وعن التمشيات  التي بني عليها النموذج ولا عن الإطار المرجعي الدقيق  المستوعب  للنظريات التربوية  والنماذج المجربة والفرضيات المعتمدة من منطلقات موضوعية  لذلك اكتفى الباحث بالانطلاق من قاعدة دينية نبوية مؤداها حديث نبوي أخرجه الترمذي واستغربه ورواه ابن ماجة  وصححه الألباني : » اللهم علمني ماينفعني وانفعني بما علمتني وزدني علما وكل علم وبال على صاحبه إلا من عمل به » ليؤكد على  تفضيل الإسلام  للعلم على العبادة وعلى توجهه  العملي والانتفاعي لطلب العلم ناسيا السياق الديني العام الذي تبلورت في كنفه العلوم الدينية والدنيوية وهو ظلال القرآن   بدءا من عصر التدوين وما تلاه من عصور ذهبية مما فرض على الباحث  الاكتفاء  باستعراض  عام لسبعة مرتكزات يقوم عليها نموذج الملكات :

1-توظيف الملكات.

2-تأصيل النشاط التربوي.

3-الاستجابة للحاجيات الحقيقية للمتعلمين.

4-رفض الصياغة السلوكية للنشاط التعليمي.

5-التخطيط الاستراتيجي واعتماد نظرة استشرافية.

6-اعتماد نظرة استشرافية للمنهاج.

7-اعتماد المنهاج المندمج عموديا وأفقيا .

بتأملنا لهذه المبادئ يتبين لنا  مدى تطبيق  الباحث للمصادرة الفكرية التركيبية للتراث القاضية بالتوفيق بين المكتسب التراثي والنظرات التجديدية التي تحيلنا عليها  المرتكزات 3و4 و5 و6 و7 .فإذا كان أجدادنا قد تبنوا هذا المنهج في تحصيل العلوم الدينية وعلوم الآلة وفقه اللغة المؤطر بنظرات القرآن الكريم  لأمر القراءة  الذي ربط بين السماء  والأرض ليحول عبودية الإنسان لله جل وعلا  على أساس العلم وكذا لوصايا الرسول /ص/ والصحابة رضوان الله عليهم لطلب العلم الذي هو فريضة على كل مسلم وكل مسلمة  من منطلقات دينية صرفة أولها النزوع نحو التقرب من الله عن طريق فهم وتفسير النص القرآني  و الثاني الإخلاص في العبادة والثالث الاستعداد للآخرة على قاعدة تكوين متعلم موسوعي متمكن من كل هذه العلوم الدينية والدنيوية يقول /ص/ :  » العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان وما دونهما فضائل   » ويقول الإمام علي كرم الله وجهه : »اكسبوا العلم يكسبكم الحياة  » ليحقق هدفه الإسلامي بواسطة تعلم مبني على الإلقاء والحفظ ثم الفهم والتفسير تحكمه علاقات بين المعلم/ الشيخ  والمتعلم/ المريد تنبني على الطاعة  والحياء وأخذ علم بلا حدود ولامتناه  بشكل متدرج و بسند من أهل الاختصاص والرسوخ عن طريق التلقي الحي في أماكن العلم الديني/المسجد والمسيد والمجلس  والجامعة… أو المصاحبة  في رحلة الاستكشاف والتلقي من شيوخ ثقات في الميدان … وكذا مدى إسقاط الباحث لمفهوم الكفاية وباقي المفاهيم المجاورة لها كالقدرة والمهارة والدراية…على الملكة وتماهي أنواع الكفايات : العليا والنوعية والدنيا مع أنماط الملكات: ملكات الحياة وملكات أكاديمية في التعليم وملكات مهنية في الصناعة وارتباطها باللغة الأم وبمقولات أساسية مرجعية  مفتاحية من قبيل  الملاحظة والوصف والتفسير والتأويل. فهل الهم الأساسي للباحث هو البحث عن سند فكري مسوغ لبيداغواجيا الملكات؟ أم الأمر يعود إلى تقاطعات بين أنساق المعرفة الإنسانية؟ ثم هل من فرق بين الكفاية عند دوكوتيل وروجرز  وجيلي وكروند كيو: « منظومة  مهيكلة من المعارف والمهارات الموظفة في نشاط شامل ومركب له معنى  معترف به اجتماعيا وهي تعبئ تشكلة من القدرات ويعبر عنها ضمن مجال مفاهيمي نوعي أو مجال مهني … « مؤطرة بالمقولات المعرفية والوجدانية  والتحفيزية والتطبيقية والاستكشافية   في الحقل اللساني والسيكولوجي النمائي والبسيكوسوسيولوجي وفي الحقل البيداغوجي ضمن منظور المدرسة الساكسونية  والفرنكوفونية وبين مفهوم الملكة كما استخلصه محمد الدريج  من تعاريف الشريف الجرجاني وإخوان الصفا وابن خلدون: »الملكة تركيبة مندمجة من قدرات ومهارات واتجاهات ، تكتسب بالمشاهدة والمعاينة وترسخ بالممارسة وتكرار الأفعال في إطار حل المشكلات ومواجهة مواقف، والملكة قابلة للتطوير والتراكم المتدرج ( هيئات وحالات وصفات) ويكون لها تجليات سلوكية خارجية »…ثم بين الكفاية اللغوية عند شومسكي باعتبارها : » قدرة فطرية عند المتكلمين بلغة ما لفهم وتكوين جمل نحوية » والملكة    اللغوية عند ابن خلدون بمعنى : »اللغة للعرب بالطبع أي بالملكة الأولى التي أخذت عنهم ولم يأخذوها من غيرهم » المقدمة. فرغم الاختلافات في السياقات المعرفية الموسوعية والمتخصصة الدقيقة والمعرفة الشاملة والمعرفة المفهومية والمهارية والتصرفية والوجودية ومساقات الوعي بالمفهوم والتبني دون وعي وخصوصيات العصرالذي تهيمن عليه الثقافة اللفظية والمعرفة النظرية والتطبيقية المحدودة بدافع ديني وبين عصر العولمة والمجتمع الالكتروني والمعرفة المختبرية  الدقيقة والبيداغوجيات الرقمية المتطورة  بحافز إبيستمولوجي  وحسب منطق  نفعي اقتصادي وثقافي وتكويني.فإن الرهان الكبير الذي على الباحث أن يربحه هودقة اختيار الإطار المنهجي لتنزيل بيداغوجيا الملكات وضبط المفاهيم الأساسية التي ستشكل الجهاز والمقولي والمفاهيمي والإجرائي..

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *