فسحة فكرية في طبيعةالأحلام:عصفور في القفص و عصفور في الشجرة
فسحة فكرية في طبيعةالأحلام:عصفور في القفص و عصفور في الشجرة
لو خير الإنسان بين عصفور في القفص وعشرة على الشجرة،لكان اختياره على عصفور القفص.فقد جرت العادة والمثل أن تعطى الأهمية لما في اليد على الذي خارجها.ولكن هذا المثل يبين من جهة ثانية عن تفضيل الحلول السهلة. الحلول السهلة هي الحلول السريعة،كالوجبات السريعة.فهي منهي عنها من طرف أطباء التغذية و أطباء الجهاز الهضمي.لكن أطباء التحليل النفسي أطلقوا على هذا العصر الذي نعيشه،بعصر القلق.وعلماء آخرون(السيبيرنتيقا)cybernétique/يرون انه عصر السرعة.ولكن أليس هناك قران بين السرعة و القلق؟كقران المتعة الموجود حاليا بين الأحزاب المؤلفة للحكومة،التي لا رابطة دموية أو عرقية أو اتجاه ديني يجمع أوصالها .الرغبة الجامحة و الملحة في الكرسي و الحكم هي الرابط والمشترك بينها،وليس غيرها.
الكرسي في البلدان الغربية متعب ومرهق جدا ،وقد يقود صاحبه إلى كرسي الزنزانة(من كرسي الوجاهة إلى كرسي المهانة)،خاصة إذا أتى يوم الحساب، و اكتشف المحاسبون زلة من الزلات ،فان مؤسسات المجتمع المدني لن تطفأ نار غضبها إلا بالقصاص المهين.لهذا عندما سئل الوزير الأول : Dominique de Villepin عن سبب عدم ترشحه كرئيس للجمهورية الفرنسية،أجاب أن أي شخص عمل في الحكومة لولايتين ،لا يصلح أن يبقى في الحكم لأن ليس لديه ما يقدمه للمواطنين(فكفاءته و جهوده و تفكيره كله استنفذ في فترة مسؤوليته).ولكن هذا الأمر لا يحدث عندنا نحن أبناء الأمة العربية.فكم من وزير قضى في الكرسي و الحكم 40 سنة وما يزيد، و يطلب المزيد.وبعضهم أقل بقليل من ذلك.فالمنصب عند إخواننا العرب تشريف وليس تكليفا.فهم يزينون المشهد السياسي لا غير.ولا يطلب منهم أن يفكروا في حل للمشاكل، و يبدعوا…بل في أحسن الأحوال،أن ينقلوا تجارب جاهزة(عصفور في قفص) من الأمم التي تفكر و تبحث،ولكن بتنفيذ أو تطبيق سيء.الدول المتقدمة في سباق جنوني و جهنمي في السعي إلى التقدم و الاكتشافات و الاختراعات.فالعمر عندهم لا يحسب بالسنة أو الشهر بل بالدقيقة و الثانية(كسباق 100متر عدوا آو سباحة).شعارهم في الحياة »من جد وجد ومن زرع حصد ».انه نقيض فلسفتنا في الحياة تماما.نحن لنا مبدأ فيها عنوانه: « في التأني السلامة و في العجلة الندامة »،و »اللي بغا ينجح العام طويل »و »لا زربة على صلاح » و « اللي زربو ماتو ».او ذلك المثل القاتل الذي جاء على لسان الحمار في الحكاية الشعبية(التبن و الراحة خير من الشعير والفضيحة)…
من يحب النوم يبحث عن الحلم،ومن يبحث عن الاسترخاء والاستلقاء تحت أشعة الشمس يبحث عن أحلام اليقظة.وهناك مؤسسات اختصاصها بيع الأحلام »شارك في القرعة تربح سيارة أو عمارة أو عمرة أو مليارا أو رحلة إلى جزر الواقواق ».إنها إعلانات يسيل لها لعاب العاطلين،وتفتح لهم العيون و الأذان و اللسان و الأسنان،وتشرئب فيها الأعناق حتى تصبح كعنق الزرافة.إننا مغرمون بالحلول السهلة نطبقها في قطاع التعليم، و الاقتصاد،وقضاء الأسرة، و الصحة الإنجابية،والتشغيل..الخ…فوظيفة الإشهار و الإعلان هي بيع الأحلام لمن لا يريد الحركة والعمل (ففي الحركة بركة).
لكن يمكن أن نستغل هذا الميل إلى الإشهار والإعلان في مؤسساتنا،ونحلم أننا نكتب في المؤسسة التربوية و القضائية و التجارية…وغيرها لافتات وشعارات: « من غش فليس منا « و « الظلم يهتز له عرش الرحمن »و »إذا لم تستح فاصنع ما شئت ».فيراها كل موظف أو مسؤول أو مواطن عادي/ صباح مساء…إن علينا واجب التذكير(فذكر إن نفعت الذكرى،سيذكر من يخشى،ويتجنبها الأشقى) من سورة الأعلى،آية9و10.
عصفور في القفص أم عصفور في الشجرة؟أذا اختار الإنسان العصفور في القفص فهو أناني.إن الطائر خلق ليكون حرا طليقا يستمتع بملكوت خالقه، و يأكل من خشاش الأرض،ويتغنى بجمال الورود و الأشجار و المياه و النسيم العليل،أي بجمال الخليقة و الخالق.فهل يرضى الكانسان أن تسلب منه حريته،ويقضي كل عمره في السجن؟…الحرية لا تقدر بثمن ،والشعوب المستلبة قدمت من اجل انعتاقها وحريتها الأرواح، ودمار بيوتها، و أرزاقها.فإذا كان الإنسان مستعدا أن يبذل حياته من اجل حريته فهل يسمح لنفسه أن يسلب حرية كائن خلق ليكون حرا.فما فائدة الجناحين إذا قضى البلبل حياته في السجن؟…من القفص إلى الشجرة يتحول الإنسان من أناني الى غيري،ومن حيوان إلى إنسان.
الأحلام لا تبيعها المؤسسات التجارية التي تقوم على الرهان(راهن على سيارة أو عمارة)،بل إن المرشحين في الانتخابات البرلمانية و البلدية كذلك يروجون لصنف من الأحلام،والمقابل (امنحني صوتك،وأنا سأمنحك حلما )…لنعش يوما في جمهورية الفيلسوف اليوناني أفلاطون،أو في أرض المدينة الفاضلة لأبي النصر الفارابي،ونتصور أن من يتقدم مرشحا للبرلمان ستكون خدمته لله و للوطن و للمواطنين،مقابل امتيازات رمزية(كالسفر بالمجان و الأكل و المبيت)،فهل سنشاهد ذلك السباق المحموم و الجهنمي و الصراعات الحادة وتبادل الاتهامات واللكمات و الركلات، على المنصب البرلماني؟؟…
إنها ليست إلا حلما في الجمهورية التي تخيلها أفلاطون،أو المدينة الفاضلة التي شيدها الفارابي في الاحلام،والتي تتهدم بمجرد استيقاظنا من النوم الحالم(حلم سعيد أم كابوس مرعب)…فكل عام و عصافيرنا على أغصان الأشجار و ليس بين قضبان الأقفاص بألف خير.
Aucun commentaire