Home»Enseignement»يوم من يوميات مدرس

يوم من يوميات مدرس

1
Shares
PinterestGoogle+

اسّي انْسطرو ؟
–  واه ..
اسي نكتبو التاريخ؟
نعم ،اكتبوا التاريخ؟
اسي انّقزو السطر
أجل ،قلت لكم ذلك مرارا.
اسي جيت نكتب وكتبت هنا غلطت. ماعليهش؟
ما عليهش.
اسي هذا هززني
هذا يكفي. اكتبوا في صمت.

شكواهم وتساؤلاتهم لا تنتهي. لا حد لها. مع توالي السنوات والتقدم في العمر اصبحت أشعر بالصداع والاتزعاج. لم تعد لي القدرة على الصبر كثيرا. مثل بطارية أُفرِغت من شحناتها. الذين يعتقدون أن مهنة التدريس غير مُرهقة لم يجربوا في حياتهم، ربما، المكوث مع أربعين تلميذ ليوم واحد. أكاد أراهن أنهم لو فعلوا لغيّروا رأيهم كما يغير بعض السياسيين مواقفهم وقناعاتهم ولو بدرجات متفاوتة قد تصل عند البعض إلى حدود 180درجة. وبعد ذلك يجدون من يدافع عنهم بالنيابة على اعتبار أن للضرورة أحكام و »اللسان مافيه عظم ». المبررات دائما جاهزة ومُقَولبة (بكسر اللام أو فتحها فالأمر لايختلف كثيرا).

أربعون تلميذا ناقص واحد. عددهم يطابق تماما عدد الوزراء في حكومتنا. لكن يختلفون عنهم في أن ليس بينهم تلميذ بدون حقيبة أو تلميذ منتدب، كما هو الشأن عند الوزراء. كلهم محشورون في قسم واحد. يجلسون مثنى وثلاث. هم مثلي، لا يفقهون في التوازنات المالية والماكروإقتصادية. همهم الوحيد هو رغيف الخبز. « يتدابزون » مع الحياة.

حتى وهم يتحدثون بصوت منخفض يُحدثون ضجيجا. لإسكاتهم أحاول أحيانا أن أتقمص أو أقلد شكل السلطة. سُلطة وهمية كسلطة رئيس الحكومة في بلدي. فمثلما تحاول السلطة تكميم الأفواه المشاغبة، وإخراس الأصوات المشاكسة، أجرب لغة التّخويف. أنهرهم. لكن سرعان ما أتراجع لأن أسلوب السلطة يبدو لي بذيئا. لا يروقني. فالذنب ليس ذنبهم بل ذنب السياسات التعليمية المُتّبعة التي رأت في التعليم قطاعا غير منتج. إنها قمة الاستخفاف بأطفالنا و انتهاك جسيم لحقهم في تعليم جيد. خصوصا أبناء الفقراء الذين لم يجدوا لغير المدرسة العمومية سبيلا. أم هذا لايهم ما دام أبناء الأثرياء والأوصياء على تعليمنا لا يلجون المدارس العمومية. « يدرسون خارج البلد، وإذا مرضوا يتعالجون خارج البلد. الشيء الوحيد الذي يفعلونه داخل البلد: سرقة البلد« *.
تمييز متواصل في التعليم و الصحة والتغذبة والسكن .ومع ذلك يتحدثون عن تكافؤ الفرص.

أراقب تلميذا. يطرد عن جرحه الذباب بطريقته الخاصة. « يقبسه » بمهارة فائقة. يتربص به. ما إن يرسو الذباب حتى ينقض عليه بطريقة فنية لا يُتقنها إلا الضالعون في « القبيس » .من سوء حظه ليست هناك مسابقة رياضية تهتم بوهبته. يُذكرني بطفولتنا الشقية. لمّا فطن إلى أني أرقبه، اعتدل في جلسته وتظاهر بالتفكير.
قلت في نفسي إن المدرسة التي في خاطري – إن جاز هذا التعبير – لا زالت بعيـــــــدة.

طالبت التلاميذ بالهدوء. قلت لهم لا تضطروني إلى استعمال وسيلة أخرى. لأن الحيوان كالحمار، مثلا، هو الذي يضربونه. علّق تلميذ وكان نجيبا: حتى الحمار لا يجب أن بُضرَب. أليس كذلك يا أستاذ؟
قلت مُحدّثا نفسي، بصوت خافت يكاد يسمعه التلاميذ، معك حق يا ولدي. فقد أصبح للحمير شأن مع شباط. تشارك في المسيرات. لقد باتت تملك وعيا سياسيا.

_________________
مقولة لم أعد اذكر صاحبها ولا أين صادفتها. ربما في الفايسبوك.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. أحمد بن علي
    25/11/2013 at 22:59

    أجدت و أصبت يا أستاذنا
    حفظ الله أساتذتنا و بارك في جهودهم و أصلح حال التعليم و السياسة ببلادنا

  2. مدرس مشارك في المهنة و المحنة
    26/11/2013 at 08:27

    موضوع شيق و جميل.اشكر الاستاذ الكريم على هذه الصورة الفوتوغرافية لما يدور في اروقة القسم.الحقيقة ان هده المواضيع يجب جمعها ووضعها اولا في المكتبة الملكية للباحثين الذين يريدون دراسة الواقع المدرسي بعدنا.و ثانيا ان تكون في مكتب اي وزير للتعليم سوف ياتي .فقبل ان يقرر شيئا يكون كارثة على ابنائنا و على المدرسي عليه ان يعرف مدى الافلاس و الفشل المتراكم منذ السبعينلت من القرن الماضي عندما شرع في التعريب (الابتدائي و الاعدادي و الثاوي) و توقف التعريب هنا زوكانت الكارثة لابنائنا الذين وجدوا انفسهم بلا سلاح للمقاومة في المعاهد العليا و في الجامعات العلمية.انه الفشل الذريع الذي يتحمله كل وزير منذ عزالدين العراقي الى الوزير الاشتراكي الى التقدمي الى التقنوقراطي(اظن) السيد احمد اخشيشن و عبيدة (جاءا بمدرسة النجاح و البرنامج الاستعجاي) ويعلم الله وحده ماهي الملايير من الدراهم التي بذرت و سرقت لانجاح مدرسة لن تنجح اذا لم نحصل على وزير وطني و مواطن وله غيرة على القطاع ,وبدون ذلك ننتظر ان ننزل الى الهاوية المنتظرة.وشدرا للاستاذ الكريم الذي ننتظر منه مواضيع اخرى ناجحة

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *