الاستقواء بالغرب
محمد أرغم
الاستقواء على من؟ ومن أجل من/ وماذا؟
حينما نتحدث عن « الاستقلال السياسي » في
العالم الثالث، الرابع،..ما قبل
الأخير…، يتبادر إلى ذهن المتتبع للشأن
العام( السياسي، الاقتصادي،
الاجتماعي..)، أن هذا الاستقلال الهش
والفج، يبقى مرهونا للقوى العظمى التي،
في الغالب الأعم، لا تماهي أنظمة هذا
« العالم » إلا إذا كانت حريصة على تحقيق
مصالح هذا « العالم الديمقراطي
والمتقدم »…درء لكل لبس واستجابة لمنطق
التحليل سوف أستعمل مفهومين أساسيين:
« العالم الأول: عالم متجانس وغير
متجانس »، والعالم الثاني: عالم غير
متجانس بالمرة »(أدَعُ جانبا العوالم
الأخرى سواء الحقيقية أو
الافتراضية)..فمهما تكن نوعية الأنظمة
« المستنبتة » في جهة من جهات هذا العالم
المتخلف، فهي مقبولة بما يكفي لهذا
« العالم الأول »، طالما مصالحه مصونة
ومضمونة من قبل أنظمة أقل ما يمكن أن
يقال عنها: أنظمة فاسدة، أنظمة عميلة،
أنظمة مستبدة، أنظمة غير ديمقراطية،…؛
حتى لا نضع كل البيض في سلة واحدة نقول
إنصافا: هناك أنظمة تحترم شعوبها ولو في
الحدود الدنيا من الاحترام، هناك أنظمة
تحاول تحقيق مطالب مواطنيها قدر
الإمكان، هناك أنظمة ترتد من حين لآخر
على مصالح شعوبها، هناك أنظمة تجسد في
الغالب بعض مطامح شعوبها،…كما يقول
فقهاء الدين: »كما تكونوا يولى
عليكم »…فهل، بالفعل، يكون النظام
الحاكم، في الغالب، صورة طبق الأصل
لشعوبهم الضائعة؟ ومتى يتطابق وجه
النظام مع وجه الشعب؟ وما موقع « كما »،
الواردة على لسان الفقهاء، في جيولوجية
طبقات النظام؟
« العالم الأول »، وباعتراف جميع خبراء:
القانون، الاقتصاد، الاجتماع… أنه
ومنذ أن اهتدى إلى سبيل الديمقراطية،
وضع، إلى حد بعد، حدا: للاسترقار،
الاستعباد، « الطبقية »، الإذلال..؛ حتى
صار « الإنسان » في صلب كل اهتمامات النظام
برمته؛ خبز مضمون، تعليم مكفول، مسكن
موجود،…وما يتفرع عن هذه الأسس
« البيولوجية »من حريات وحقوق يتنعم بها
حسب الظروف والأحوال. إنسان هذا « العالم »
يصنع: مصيره، منهجه، مستقبله،…إنه
« الفاعل المتحرك » بحرية في كل فضاء
« عالمه ».
أما « العالم الثاني »الذي، إن أقررنا
ومنذ البداية، بعدم تطابقه
التطابق »الشبه » التام مع « العالم الأول »،
فإنه وللأسف، يعيش بين اختيارين/نارين:
اختيار يجعله يطبق مجموعة من: القوانين
العرفية التي أجاد بها تراث أجدادهم
القدامى »التراث الديني » بالخصوص،
القوانين التي تسربت خفية مع البضائع
المستوردة، القوانين التي تخدم في
الغالب مصالح النظام الحاكم،…واختيار
ثاني هو في حقيقة الأمر استنساخ مشوه
لأنظمة الحكم في « العالم الأول »…من هذا
الباب العريض تنطلق « آلية » الاستقواء.
كيف ذلك؟
في كل حين تجري انتخابات، استفتاءات،
اقتراعات،…رغم كل هذا، يظل « العالم
الثاني » يتنعم في بحر السوء، وفي أحسن
الأحوال يبقى على حاله، دون تغيير
يُذكر…عالم هذا طبيعته، لمن شأنه أن
« يصنع » « نوعا » من البشر بمواصفات تقتضي
التكيف من « الوضع » الرديء؛ لكن ما إن
يفقد أو يفتقد « أجهزة التكيف »يصير »إنسان
هذا العالم القاتم » خصما عنيدا للنظام
الحاكم؛ يشق عصى الطاعة، يتمرد، يثور،
ينتفض…ينقلب مائة وثمانين درجة من
« فاعل جامد » إلى « فاعل متحرك » فسبحان مبدل
الأحوال !!!.فما النتيجة إذن؟ النتيجة
تخضع هي الأخرى إلى جدلية مماثلة
لجدلية »الجامد/المتحرك »…ف »العالم
الأول »لا يكفي بمراقبة ما يجري
في »العالم السفلي »، بل يتدخل في « صنع »
المسار الذي يجب على هذا العالم الأخير
أن يسلكه رغما عن أنفه…كيف لا يساهم في
« صناعة المنتوج » فهو الذي أمد بما يكفي
من الآليات: القانونية،
الاقتصادية…لتكون في نهاية المطاف
خادمة مطيعة لأطماع « العالم المتحضر ».
فأي نظام حاول أن ينادي ولو « بصوت خافت »
بمبدأ الاستقلال عن العالم الأول، يكون
والتاريخ شاهد على ذلك، عرضة للزلازل
والهزات السياسية العنيفة…فدرجة
الطاعة والولاء « للعالم الأول »هي الملاذ
الآمن من كل القلاقل لهذه « الأنظمة »
الفاسدة…أنظمة ما إن تحس بشعبها يسحب
البساط من تحت أقدامها، حتى تهرع إلى
« سيدها » لتشكو من: الإرهاب، الفوضى،
الإجرام،…هذه كلها حبال تستقوي بها
« الأنظمة المتعفنة » ب »العالم الأول »؛ فهي
تصف شعبها بأبشع الأوصاف لكي تحظى في
الأوساط « المتقدمة » بالقبول، بالشرعية،
…ف »العالم الأول » لا تعنيه تلك الأنظمة
بقدر ما تعنيه مصالحه؛ وهذا ما يترجمه
بكل وضوح الشعار التالي: ليس لأمريكا
أصدقاء دائمون، بل مصالح دائمة !!! وأنا
أقول: « يبقى العالم « الأول » سيدا ما دام
العالم »الثاني »رضي لنفسه الذل
والمهانة… »ومتى نبقى نعيش في فضاء هذه
« الرضائية »؟ وما حكم الشرع لمن اختار
العبودية لغير الله؟
Argham.m@hotmail.fr
Aucun commentaire