وصل حال المفتشين الى أسوأ حال بعد أن كان يعيش حالا سيئا. تناثرت المذكرات والقرارات الانفرادية التي قد يعتقد الدارس العابر أنها قوت مهامه وأدواره . وهي في الحقيقة حولته من مراقب إداري وتربوي الى مبلغ ومخبر يرصد ما يرى ويسجل دون أن يكون له الحق في التتبع والاستثمار. ولعل القارئ الكريم العادل المنصف قد يتساءل عن هذه العبارات في وقت قد يتضح من المذكرات التي صدرت في الأيام الماضية عكس هذه النبرات.

     صدقوني دوما أقرأ أي نص وارد مركزيا دراسة وفق خلفيات ما ونيات ما وتبعات ما واعتبارات  ما. حيث أثبتت التجارب أن وزارتنا ترى في جهاز التفتيش جهازا مزعجا ينغص عليها عيشها ويضايقها في حالها ومآلها. وتجامله فقط لتهادنه لا غير.

    صحيح صدرت المذكرة الإطار لتنظيم التفتيش سنة 2004 والمذكرات المرافقة لها من 113 الى 118 , والصادرة في نفس السنة , والتي نتحفظ على بعض بنودها ,إلا أنها وثيقة يعتد بها لما تضمنته من تقنين للعمل الفردي والعمل المشترك,حيث شكلت خمس فئات من المفتشين وعدة مجالس لتنسيق التفتيش على المستوى الإقليمي والجهوي والمركزي. إلا أن الإدارة  تعاملت مع هذه المجالس بشكل متباين , وعموما ببرودة دم لتجعل منها مجالس صورية شكلية مناسباتية,حيث لم توفر لها أية فرصة للقيام بعمل ما بشكل مستقل لتتبع المنظومة والوقوف على بعض منابع الخلل. بدليل تعطيل مجلس التنسيق المركزي الذي لم ير النور ولو يوما واحدا وبقي المنسقون المركزيون أطلالا بلا أفعال…. الى أن عمد السيد الوزير الى محوه من الخريطة في الأيام  الأخيرة .

    وصحيح أيضا أن الإخوة في أجهزة التنسيق الإقليمي والجهوي والمركزي , قد ساهموا بشكل أو بآخر في جعل هذه المجالس صورية شكلية , عن طريق عدم حرصهم على تفعيلها رغم أنف الإدارة, رغم بعض الاستثناءات هنا وهناك والتي كانت في مجملها محتشمة وخجولة,أو كانت أحيانا تصطدم بتعنت الإدارة المتشبثة بحقها الإشراف على كل شيء ومنع أية عملية  تتم بعيدا عن أعينها.

   لكن …. الضربة القاضية التي أرى أن القائمين على شؤون التربية ومن خلال المذكرات التي صدرت بين 16 و 17 يونيو 2013  , والتي تلزم كل مفتش بوضع برنامج  عمل سنوي , إنما تروم في مظهرها الى تفعيل دور المفتش وتبيان مدى تواجده. لكنها في عمقها تبعده عن العمل المشترك الذي كان يتم بين المفتشين على مختلف أصنافهم  وبمشاركة موظفي الأكاديميات والنيابات في بعض الأحيان.

   إن وضع برنامج عمل يعني في عمقه أداء عمل صفي عادي ورقي بواسطة زيارات صورية وتقارير شكلية … في وقت يتوقف عمل الكثير من المفتشين على العمل المشترك الذي يساهم في حل قضايا إدارية وتربوية في عين المكان بواسطة لجان مشترك وعمل دءوب .

     – فعلى سبيل المثال عندما يختلف رئيس المؤسسة مع جمعية دعم مدرسة النجاح ,فإن الخلاف قد يكون متداخلا بين ما هو مالي وما هو اداري وما هو تربوي.

     – وعندما يختلف بعض أعضاء مجلس التدبير مع رئيس المؤسسة , فإن الخلاف متجذر وذو خيوط عدة.

    – وعندما نريد تتبع وضعية المؤسسات المعتمدة ومدى جاهزيتها , فإن العمل المشترك ضروري لمعرفة وضعيتها من عدة جوانب.

    – وعندما تطرح إشكالية الاكتظاظ  في نيابة ما , فإن العمل المشترك مفروض لتداخل المهام بين ما هو إداري وتربوي ومالي ومادي,فقد يرى رجل التخطيط ما لا يراه رجال التفتيش التربوي أو رجل التوجيه….

     – وعندما تدخل جمعية الآباء مع إدارة المؤسسة في نزاع ما ,فإن الاختصاصات تتداخل والمواكبة لتتبع الوقوف على منابع الخلل تتطلب فريقا مشتركا من مفتشين تربويين والمالية والتخطيط والتوجيه, وذلك حسب طبيعة النزاع ….. وهكذا….

   أكثر من هذا وذاك , عندما تضع برنامج عمل فإنك  ومن المفروض أن تلتزم به دون غيره , بالتالي لست ملزما بما هو خارج برنامج العمل . ثم كيف لك أن تتوقع برنامج عمل لسنة لا زالت في بدايتها وتحمل من المستجدات ما لا تعلمه وقت وضعك لخطة العمل؟

   إذا كنا نريد لجهاز التفتيش دورا فاعلا ,علينا منحه مجالا للتتبع عن طريق أجهزة مركزية وجهوية فاعلة مستقلة قادرة على تقديم المقترحات وتتبع العمليات وفحص الخروقات . لن يتغير جهاز التفتيش عن طريق ذر الرماد على العيون. فمن السهل وضع برنامج شكلي ,ومن السهل زيارة مؤسسات تعليمية لمدد قصيرة وكتابة تقارير مفصلة.

   نريد جهاز تفتيش قوي قادر على التتبع والمصاحبة وتقديم المقترحات  تلزم الإدارة بالرد عليها بشكل جدي … بدل شكليات لن تخدم المنظومة في شيء بقدر ما ستغير زايد … بعمر …. والله المستعان.