الشرعية والثورة الثانية
الشرعية والثورة الثانية
بقلم / عبد الله لحسايني
باحث في العلاقات الدولية
رغم ان خطاب الرئيس مرسي جاء في ظرفية مفصلية تستوجب التوقف والتامل و رغم أن إكثار الرئيس مرسي الحديث عن الشرعية حتى « ضننا أنه سيورثها » على نحو حديث الجار ،يستحق ان يُتحدث بشأنه كثيرا من حيث صفات الرؤساء الجدد للعالم العربي وكفاءاتهم الميدانية والخطابية وكيف يسجلون اهدافا في شباكهم عن طريق الخطب الارتجالية التي تكشف هشاشة في البلاغة .الا أن هدف هذا المقال لن ينصب إلا على اشكالية ومغالطة ستؤدي إلى ديمومة الاحتقان السياسي في مصر وسكب المزيد والمزيد من الدماء
فمن أواخر ما تلفظ به الرئيس المثير للجدل ، قوله أنه سيضحي بدمه مقابل الشرعية. والسؤال الذي سيكشف ألغام هذه الكلمة ، هل تستحق هذه « الشرعية » دماء الرئيس التي تعني دماء جماعة الإخوان بأسرها ودماء من ستحاربهم هذه الجماعة .. وبمعنى أبسط هل تستحق هذه « الشرعية » حربا أهلية؟؟؟
فمن ناحيتهم ، يورد مناصروا الرئيس حجة أن غياب هذه الشرعية يفتح الباب على ثورات لا نهائية، موحين أن هذه الثورة الثانية هي عناد لا أساس أو سبب له يوجب عنادا مضادا ، وفي الحقيقة هذا الرأي كان سيستقيم لو لم يقم الرئيس بما يبرر المطالبة بتنحيته خصوصا في هذا الظرف الحساس من استئثار بالسلطة عبر تعيين نائب عام موال يجعله في مأمن من المحاسبة وعبر تمرير للدستور الذي يفترض فيه إجماع للأطياف الوطنية قبل عرضه على الاستفتاء لكونه وثيقة نظام شامل وليس مجرد سياسة مؤقتة.
لتفكيك هذا اللغم الذي سيتفجر في وجه مصر ككل، لندقق في المعنى القانوني للشرعية .
يقصد بالشرعية كل سند مقبول يضفي المصداقية لنظام أو حكم ما ، وتتنوع مصادر هذه الشرعية ، فهنالك الشرعية التاريخية تخص بالأخص الأنظمة الملكية التي اكتسبت شرعيتها من رصيد تاريخي من الحكم وقبول الشعوب بها طيلة هذه المدة يعني منحه شرعية لهذا الحكم على مدى التاريخ، وهنالك شرعية ديمقراطية تستمد مصداقيتها من رأي الشعب عبر صندوق الاقتراع وهنالك شرعية ثورية تستمد مصداقية نظامها السياسي من عمليات التمرد التي يقوم بها الشعب الذي ينسخ الشرعية السابقة ويعطي شرعية جديدة على اعتبار أنه مالك الشرعية الأصلية حسب مبادئ الديمقراطية. وهنالك شرعيات أخرى ..
وفي ما يخص موضوعنا ، فالشرعية الثورية هي من أنشأت النظام الجديد في مصر، وهي بذلك ناسخة للشرعية التاريخية والديمقراطية للنظام البائد. أي أنه إذا سلمنا بشرعية الحكم الحالي الذي تأسس على ثورة قام بها عدد معين من المواطنين ، فإن النظام الذي ينتج عنها يتكئ على شرعية نسبية تعادل من حيث قوتها نسبة الجماهير التي خرجت وكانت فاعلة في التغيير.
بمعنى أنه إذا قام 10 في المائة من الشعب بالتغيير ، تكون نسبة الشرعية 10 في المائة ، مما يعني أن نسبة أعلى من هذه يمكنها نسخ هذه الشرعية في أية لحظة عبر ثورة أخرى وبحجم أكبر .
وبمعنى أوضح ، فالشرعية الثورية الثانية نسخت الشرعية الأولى بسبب العدد الغير مسبوق من البشر الذين قاموا في تظاهرات 30 يونيو المطالبة بقلب النظام في مصر.
كما أن شرعية الانتخاب الذي يتكئ على مبرر الشرعية الثورية الأولى ينهار بنسخ الشرعية الأولى ، و حتى لو لم يكن ذلك كذلك ، فإن الانتخابات هي الأخرى تنسخ بالثورة إذا غضضنا الطرف عن كون الانتخابات نفسها مطعون فيها من قبل المحكمة العليا التي « استحى » أعضاؤها عن النطق بالحكم في القضية بسبب الاستقطابات السياسية الحادة.زد على أن الفارق بين المرشحين السابقين للرئاسة ليس بذلك الفيصل الحاسم.
وبعد هذا التشريح لمعنى الشرعية ، نسائل الرئيس مرسي من جديد ، هل صحيح أن الشرعية سابقة الذكر تستحق وتستأهل أن نضحي بالوطن والمواطنين من أجلها ؟؟ عبر التحريض الغير مباشر على استرخاص الدم وخراب مصر لأجلها؟؟
أم أن الشيء الوحيد الذي يستحق التضحية هو الوطن والمواطن ، وأن أي شرعية إنما تستمد من هذا الأخير ؟؟
Aucun commentaire