Home»International»خروق في سفينة المجتمع 31 ـ الشغب والمشاغبون

خروق في سفينة المجتمع 31 ـ الشغب والمشاغبون

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين
خروق في سفينة المجتمع
31 ـ الشغب والمشاغبون
بقلم: عبد المجيد بنمسعود
إذا ذكر الشغب تبادر إلى الأذهان ظاهرة الشغب التي تسود في بعض الأقسام التعليمية ويتزعمها شرذمة من التلاميذ الذين يغلب عليهم طبع الشقاوة الذي يعود إلى اختلالات في بنائهم النفسي، وتنشئتهم الاجتماعية، تولد لديهم شعورا بالغربة والانسلاخ عن كيان جماعة القسم، ينزعون إلى إزالته أوتخفيفه بواسطة الشغب، ويجدون معينا لهم، لتصريف حماقاتهم وإطلاق  إبداعاتهم في « فن » المشاغبة، فيما يلمسونه من ضعف في قيادة القسم التي تعوزها القدرة على التحكم والضبط، والحكمة في تدبير المشهد التربوي، فضلا عما يأنسونه في الهيكل الإداري والمناخ الداخلي، من تحلل وارتخاء، قد يبلغان درجة التسيب والانهزام التام أمام مظاهر الجنوح والانحراف الصادرة من جماعات الشغب.
وغير خاف أن خضوع فضاء الأقسام التعليمية لمثل هذا السلوك المرضي، يحولها إلى معترك للصراع والمعاناة، ويجعل من السلم والهدوء مطلبا عزيز المنال، ويعطل وظيفة القسم باعتباره فضاء للتعلم والتربية وبناء الأجيال.
غير أن هذه الصورة المتبادرة إلى الأذهان عند ذكر موضوع الشغب لا يمكن أن تحجب عنا الشغب الذي تتعرض له سفينة المجتمع الكبرى، والذي يتولى كبر صناعته وإفرازه شرذمة من الخارجين عن سياق الأمة الحضاري، والشاذين عن مقتضى المنهج الفكري الذي ارتضته أداة للتحليل والتعامل مع القضايا والأشياء. ومدار الشغب عند هذه الشرذمة المتفلتة على صناعة الأراجيف والترهات، وزرع السموم والأكاذيب، وبث التحاليل الزائفة المخادعة، الملفوفة في شعارات مبهرجة من قبيل القيم الكونية لحقوق الإنسان، كالحرية والمساواة وتحرير المرأة، وإرساء الديمقراطية، وما إلى ذلك.
وإذا كان شغب القسم يطول رقعة محدودة ومغلقة، مع ما يتوفر من إمكانيات لمحاصرته وتحجيمه، بل ولمعالجته وتجفيفه، فإن شغب الفئة الخارجة عن قانون الأمة، المتمردة على أصولها وثوابتها يتسع مداه ليشمل كل من هم على متن سفينة المجتمع بسمومه وشظاياه، بغض النظر عن التفاوت في قوة المناعة لدى هؤلاء ومدى قدرتهم على إبطال مفعول تلك السموم، أو ما هو في حكم السحر الذي تعقد عقده في دهاليز النفوس المريضة والعقول المظلمة.
إن شرذمة المشاغبين، وهي تمارس فتنتها في سفينة المجتمع، دون كلل، قصد الإيقاع بها، بنية إغراقها في نهاية المطاف، تراهن على ضعف الوعي الفكري الذي يصيب شرائح الأمة في مقاتلها، فضلا عن اطمئنانها لما تفترضه من فراغ على مستوى حراسة الحصون مما يستهدفها من قذائف الباطل، وهو فراغ قاتل حقا، لأن الأفكار الباطلة والدعاوى المغرضة يينع غرسها الشيطاني وتلتف حباله وأغصانه الشائكة على أعناق مستهدفيها في غياب حراس الحصون والحدود، أو حين يطمئن أصحابها إلى ضعف هؤلاء الحراس.
ومن المعلوم أن أقوى جهاز يصد عن سفينة الأمة غوائل الأخطار، هو جهاز العلماء والمفكرين المخلصين الأصلاء، الممثلين لضميرها ووجدانها، فهم الذين يملكون القدرة على  كسح الألغام وإبطال مفعول سموم المبطلين، وأراجيف المرجفين، وتقعيد الأسس والمبادئ والمنطلقات العقدية والمنهجية للأمة، إنهم ـ وفق سياق الموضوع الذي نحن فيه ـ بمثابة فرق مكافحة الشغب، مع فارق نوعي وعميق، بين صفة الشغب المنسوبة للقلاقل الاجتماعية ذات الطابع الاحتجاجي أو الفوضوي، وصفة الشغب الذي يكتسي طابع الإيديولوجيا في مفهومها المخادع القدحي.
وأضرب مثلا لحالة من حالات الشغب ـ  الذي انطلقت أذرعه الأخطبوطية في كل اتجاه داخل سفينة مجتمعنا المغربي، في عملية إصرار عنيدة ومكشوفة تبغي بأهل السفينة فتنة واضطرابا، عبر تشكيكهم في ثوابتهم العقدية، وزعزعة ثقتهم في رموزهم ونماذجهم المقدسة ـ  الهجمات الموتورة التي درج على تصعيدها في الآونة الأخيرة شرذمة الشانئين للإسلام ولرسول الإسلام عليه الصلاة والسلام، ولعلماء الأمة الذائدين عن حياضها الحامين لذمارها، فقد انبعث أشقى الشانئين وأكثرهم جرأة على الله ورسوله وكتابه، ليخرج فحيحه المذموم، وحقده المحموم، متطاولا على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، بكل بجاحة وصفاقة، ناعتا رسائله، عليه الصلاة والسلام، لملوك عصره بالإرهاب، ليس فقط على أساس فهم سقيم، أو جهل بفحوى خطاب الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ولكن انطلاقا من موقف عام، تحكمه الكراهية الشديدة للإسلام. وليست تخفى على المتتبعين خرجاته المسعورة التي يعرض في كل واحدة منها بمعلوم من الدين بالضرورة، ساعيا إلى نفي الحرمة عنه، والتشويش على إحساس المسلمين بالقداسة تجاهه. فلم تسلم من لمزاته لاعقيدة ولا شريعة ولا أخلاق، ونذكر هنا أن من آخر مكايده الشيطانية، تحامله على الصلاة، واعتبارها عائقا من عوائق التنمية، واتهام المصلين باتخاذها ذريعة للغش والاحتيال والتهرب من الواجب، واتهامه لفتوى المجلس العلمي الأعلى حول الردة بكونها منافية لحق الإنسان في حرية الاعتقاد، مراهنا في اتهامه ذاك على عدم التحرير العلمي للقول في هذه القضية، فلطالما انطلى على الناس زعم العلمانيين الآنف الذكر، إلى أن هيأ الله رجلا من الراسخين في العلم، هو العلامة مصطفى بنحمزة حفظه الله، ليحرر القول في المسألة بمنطق علمي صارم، وحجة قاطعة، وشواهد من صميم الواقع، تضع الخصوم أمام واحد من أمرين: إما الإذعان للحق المبين، وإما المكابرة والاستمرار في التمسك بالأطروحات الباطلة. إن وظيفة العلماء الحاملين لرسالة البلاغ والمنافحة عن دين الله، هي مظهر ناصع من مظاهر أمر الله عز وجل القائل: « بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون »
وإن التأمل في واقع الشغب الذي تضج به الساحة الثقافية والإعلامية، وتسخر لتأجيج نيرانه ترسانة متنوعة من الوسائل والأجهزة، بقصد تمكينه من أن يغطي على صوت الحق، ليفرض على قوى الأمة الحية، وفي طليعتها جهاز العلماء والدعاة إلى الله عز وجل، أن يرسموا استراتيجية شاملة وفاعلة، لمكافحة المشاغبين، بإظهار عوارهم العلمي وسقوطهم الأخلاقي، ليعرف الناس شرهم فيحذروهم ويحذروه.
وجدة في 28 ـ 04 ـ 2013

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *