لقد بقيت المدرسة سيدة المعرفة منذ ظهورها كمؤسسة مستقلة عن غيرها، تُعلم الناس كل أصناف المعرفة، وتقدم بين أيديهم ما تفتق عنه الفكر البشري من علوم وغيرها، كما لعبت بالإضافة إلى مؤسسات أخرى كالأسرة، دور تربية الأجيال وتنشئتهم اجتماعيا، وحققت في ذلك نجاحات متفاوتة بين مجتمع وآخر..

واليوم يطرح السؤال عن دور المدرسة في عصر المعلومات وهل يمكن الحديث عن تواريها؟

 لمعرفة ذلك نجد أن وسائل الاتصال والتواصل قد جعلت المعلومة متاحة للجميع كبيرا وصغيرا، وبأسرع وقت وأقل مجهود، فيكفي الضغط على زر، (أي زر سواء كان زر لوحة مفاتيح الحاسوب أو زر هاتف نقال أو زر جهاز التحكم في التلفاز)، لتجد نفسك وسط ركام هائل ومتدفق من المعلومات غثها وسمينها نافعها وضارها؛ هذا بالإضافة إلى الوسائل القديمة الحديثة كالصحف والمجلات والكتب والمسرح والسينما… فهل بقي للمدرسة دور؟

المدرسة تقدم لمرتاديها الأهم من المعلومات ألا وهو كيف نتعامل مع المعلومة؟ وكيف نفرز الأنفع والأكثر ملائمة من وسط هذا الركام الهائل؟ لذلك يمكن القول أننا اليوم أحوج إلى المدرسة من أي وقت مضى، فوسائل الاتصال الحديثة تفرض قدرا معينا من التعلم مسبقا حتى نتمكن من التعامل معها وذلك من جهتين: من جهة تقنيتها غير المتاحة للكل، فلا يستطيع جاهل أن يستفيد منها؛ ومن جهة أخرى فهي كنهر دافق، ما أن تفتحه حتى تغرق في بحيرة لا أول ولا آخر لها، ولهذا لا بد من ثقافة مسبقة تمكنك من الفرز والتصنيف، وهذا دور المدرسة.

لعل الدور الأبقى للمدرسة هو دور التربية والتنشئة الاجتماعية، وبالأخص مع تراجع دور الأسرة وخروج الأبوين للعمل، وحلول هذه الوسائل محلهما، مع ما تحمله من قيم غريبة تهدد المجتمع في أساسياته. لذلك فالمدرسة منوط بها الحفاظ على خصوصية المجتمع ونقل قيمه من جيل لجيل، وغرس القيم والمبادئ والمثل العليا في نفوس النشء، وذلك من خلال تقديم النموذج بجعل فضاء المؤسسة صورة مصغرة لما نريده ونصبوا إليه.

يبرز دور المدرسة حين تمكن أبناءنا من مفاتيح تسهل عليهم اقتحام هذا العالم المتلاطم الأمواج، وتمكنهم من امتلاك ناصية العلوم، مع الحفاظ على قيمنا ومبادئنا الراقية.