Home»International»العالم الاقتصادي الذي « يصرخ » بخيبة أمله في سنوات استقلال العالم الثالث، الراحل عزيز بلال ذكرى وفاة فقيد

العالم الاقتصادي الذي « يصرخ » بخيبة أمله في سنوات استقلال العالم الثالث، الراحل عزيز بلال ذكرى وفاة فقيد

0
Shares
PinterestGoogle+
في ذكرى وفاة فقيد حزب التقدم والاشتراكية وشعبنا؛ الرفيق الراحل عزيز بلال… ثم اختنقت الضحكات فجأة…
أما نحن فسنستمر في الاختناق ولكننا لن نيأس أبدا..

الآن، وبعد الصدمة الأولى للخسارة المفجعة.
الآن، وأنا أحاول أن أتصفح كراستي لمراجعة هذا الرأسمال العظيم، هذا الكنز الثمين… الذي تركته لطلبتك.
الآن أشعر بدافع قوي، يحدو بي إلى أن أبوح ببعض بنات أفكارك وآرائك، وتأملاتك.. التي كان لنا نحن طلبتك حظ وامتياز تلقيها في أوانها وسبر أغوارها من خلال نبرات صوتك، الخالية من علامات الانفعال والاندفاع.
كل كلمة نطقت بها، وكل عبارة كانت عميقة المغزى، تكشف لنا عن أكثر من سر، وتساوي أكثر من مرجع ثم إعداده بعناية! وحتى صمتك كان معبرا وبليغا ! ألم نكن في مستوى ما كانت تريد أن تقوله لنا، ألم نصل بعد إلى النضج الكافي لاستيعاب ما كنت تنوي أن تبلغنا أياه ؟
ضحكاتك، لم يكن ليخفى عنا معناها، لقد كانت تنقل لنا اخلاصك وإيمانك، وتهدينا صورة إنسان رزين.. لكنه يتألم دون ريب.. لأنه يحمل على عاتقه عبء بؤس واستغلال شعب بأكمله… واستغلال كل شعوب العالم الثالث.. وفضلا عن ذلك كله لم يكن غير ذي حساسية تجاه ما يعانيه جميع فقراء العالم، سواء أكانوا فقراء »السيد » ريغن أو فقراء « السيدة » تاتشر.
ضحكاتك لم تكن لتعبر عن شيء آخر، غير مشاعر إنسان شهد فظاعة تدهور الأوضاع، شهد تهميش الجماهير وتفقيرها النسبي والمطلق شهد تبذير العديد من الموارد والثروات على السفاسف والترهات، وشهد الحط من قيمة ذلك الرأسمال الذي كان غاليا لديك « الرأسمال البشري » ذلك المنسي الكبير في بلدان العالم الثالث: « الاستثمار البشري ».
عبر « ضحكاتك » وحركاتك » نلمس الإنسان، المناضل، رجل العلم الفيلسوف، العالم الاجتماعي والنفساني، ناهيك عن العالم الاقتصادي الذي « يصرخ » بخيبة أمله في سنوات استقلال العالم الثالث، لي خيبة أمل وأوهام شعوب العالم الثالث، التي تجد نفسها بعد مرور عشرات السنين من الاستقلال السياسي في حيرة وارتباك داخل تبعيات أشد ما تكون انحرافا وفظاظة، وزيادة على أقلها قتامة: التبعيات الاقتصادية والتكنولوجية والمالية… »
وهناك الأخريات الأكثر إيذاءاً وتدميرا التي تصيب الشخصية وتحطمها وكنت تحدثنا عن « سراب » الانسان العاطل بالدارالبيضاء، أمام الواجهات المغرية، في المدينة- المصيدة. وتحدثنا عن حرمانه وتقول « أن هذا الانسان وهو يرى كل هذه الأشياء يشعر أنه محبط معنويا ونفسيا وثقافيا ».
ويعلم الله كم هم عديدون أولئك المحرومون والمحبطون في بلدان العالم الثالث، ليس العاطلون وحدهم ولكن كذلك كل الفئات المهمشة والمستلبة ومن بينها النساء ! وكنت تحدثنا عن أولئك الأطفال، ضحايا الاستغلال الفاحش، الذين يشتغلون في ظروف غير إنسانية، داخل سراديب معامل البيضاء، وكنت تحدثنا عن كل ذلك وأنت تبتسم وتضحك. فكانت ضحكاتك تخنقك وتخنقنا جميعا.
ونحن في مرحلة الإجازة كنت تفتح أمامنا آفاقا واسعة لتطلعنا على « الجبال الجليدية » التي تحجبها العوامل الاقتصادية للتنمية، وتقدم لنا عالما من  » العوامل غير الاقتصادية » مع كل المنعرجات التي تحتوي عليها البنيات العليا « والايديولوجيات ».
ولم تكن لتنسى لا الأفلام « البليدة » التي أصبحت غذاء يوميا لشعوب العالم الثالث على الشاشات الصغيرة والكبيرة ولا « أم كلثوم » المطربة التي تملك جاذبية لا جدال فيها، والتي لا تتلاءم أغانيها مع هموم شعوبنا التي هي في حاجة إلى أغاني حماسية مثل أغاني « فيروز ».
أما التيارات الايديولوجية فقد كانت لك ملكة تفسير غوامضها، فتجعل كل شيء « شفافا وصافيا، و « الكلمات الرنانة » للتيار العدمي لا تخدع أحدا ! أما في « باب الحواجز » نلاحظ أن « تغيير العقليات » هي المهمة التي تحظى بالأسبقية وهي أصعب مهمة تحقيقا في أي مشروع مجتمعي .. كنت تشعرنا بجسامة وضرورة مثل هذه المهمة، وتجعلنا نلتمس أهميتها القصوى التي كانت تبدو لنا عبئا يثقل كاهلك أنك كنت تتحمله بوضوح ومسؤولية…
وما كنت أبدا « لتشيح بوجهك » عن رؤية الواقع أمامك، وعن الواقع المرير والعنيد كنت تخلق مدرستك اليومية، كنت تواجه هذا الواقع بحماسة وشجاعة، كي تتمكن من فهمه وتحليله من أجل إدماجه في نظراتك الشمولية إلى الأشياء. وإذا بالواقع والنظرية اللذين كنت تلم بهما إلماما رائعان ينصهران بداخلك ويدور بينهما حوار مستمر ومثمر.
وفي بداية « مطافك » و « مطافنا جميعا » فتحت حقلا شاسعا لازال بوراء والذي كان موضوعا لعدة مناورات ايديولوجية. لقد عالجت المسألة الدينية التي تمس واقع كل البلدان الإسلامية. ومرة أخرى وكعاداتك دائما دحضت الايديولوجية العربية التي تنقل صورة مغلوطة للواقع والتي تنادي باستحالة التوفيق بين الإسلام والماركسية اللينينية، كنت تفضل تلك الثغرة الكبيرة في الفكر الاقتصادي الذي لم يتوصل إلى فهم الحركة الاجتماعية بتعقيداتها والذي لا يعطي في تحليله اعتبارا للبعد الديني.
وكنت تقول لنا: إن البعد الديني حاضر باستمرار، وهنا يكمن واقعنا الاجتماعي كبلدان إسلامية، ذلك البعد الديني لا يمكن أن نغفله بأي حال من الأحوال، فعدم ادماج النظرة الدينية في تفكيرنا حول التحولات الاجتماعية والاقتصادية، وعدم تعميم الإشكالية، مثل هذا التفكير لن يؤدي، تبعا لذلك، إلا إلى « تخولات اقتصادية » أثبتت فشلها لحد الآن.
وقد يحاول البعض اتهامك باطلا ب « تصريحات انتهازية » نظرا للمناخ السائد حاليا داخل العالم الإسلامي هؤلاء احيلهم على مؤلف « الاستثمارات بالمغرب 1912-1964 ص 391، لأقول لهم بأنهم مخطئون، وأن هذا الطرح ليس جديدا عليك وأنه يعكس اهتمامك منذ زمن بعيد والذي يمكن العثور عليه بسهولة منسجما في العديد من أعمالك.
وكانت المناظرة التي انعقدت بالرباط أيام 15-16-17 أبريل 1982 حول موضوع : « نظريات التنمية، الأزمة والعالم الثالث » مناسبة لك لتقدم لنا صورتك من خلال امتحان الضمير الذي التزمت به. وذلك الجواب الرائع الذي اجبت به على إحدى الأسئلة التي القيت عليك لغنى عن كل تعليق:
« إنني أتحدث عن مصير بلدي وشعبي، لي كفاءتي، أستفيد من تجارب الأخرين، وأحاور » وأضع نفسي بكل تواضع في الميدان العلمي ».
ضحكاتك كانت تخنقك… ثم اختنقت الضحكات فجأة… أما نحن فسنستمر في الاختناق ولكننا لا نيأس أبدا.. لقد قلتها بطريقة رائعة في مناظرة الرباط الأخيرة:  » « إن المشروع التاريخي قد وجد ويستمر وجوده في ضمير جماهيرنا وشعوبنا التي أصيبت بخيبة أمل كبيرة.. »
ويظل هذا المشروع حاضرا في التطلعات مع امكانية صياغته وشرحه من جديد.
إن الجماهير التي أمنت بها وناضلت من أجلها تبكيك اليوم بدموع حارة، لكنها لن نخيب أملك أبدا.

بقلم: عبدلاوي نجاة طالبة بكلية الحقوق بالرباط
طالبة بكلية الحقوق
(ترجمة نور الدين برشيد
وإدريس الملياني)

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *