اللغز المثلث:أميناتو،شباط ،و الفيتو الملكي
رمضان مصباح الإدريسي
داوود و جالوط:
أميناتو،اسم علم أعتمده عنوانا لغزوة الحقوق بالصحراء المغربية ؛وهي غزوة اعتبارا لعنصر المباغتة فيها:
مباغتة المغاربة ،ملكا وحكومة وشعبا.وكما في صد الغزوات، يهب كل حمال سيف إلى مقارعة النصال بالنصال
دون أسئلة:من أين « المغيرات صُبحا » ،ولماذا؟
وكما بدأت الغزوة بنفير ونقع مثار ،و »عاديات ضبحا »،انتهت بشتات الغزاة وانجلاء الغبار ,وتمكين في الصحراء ؛بل وثناء على كتاب مرفوع فوق السيوف عنوانه: أطروحة الحكم الذاتي.
وانتهت بالجنرال الجزائري البليد -راكب الناقة المعلومة-إلى عض اليد ،و استقذاء العين الحمراء : »هاذي فاتَتْ، هَيَّا فيكم آلَمْرارْكا ».
ألا ترون معي ،في كل هذا ، « طانغراما » صينيا بسبع قطع؛ لغزا عصيا على فهم محلل متواضع مثلي ،من خارج الدائرة الأكاديمية والسياسية؟
كيف وصلت الأمور إلى حد غضبة ملكية ،مرعدة،جيشت كل الأحزاب السياسية،والمثقفين،وباقي فعاليات المجتمع؛في وقت قياسي: « هذا أوان الشد فاشتدي… »؟
كيف تم تحريك قوة دولية داعمة،من مستوى راق؛لم يكن لنا علم بالمدى الذي يمكن أن تصل إليه- خارج الدبلوماسية العلنية- حتى ارتقت فوق تمثال الحرية الأميركي، تخاطب ساكن البيت الأبيض؟
كيف تَهدر الإستراتيجية الأميركية ،المقاتلة للإرهاب الدولي،كل احتياطي الأوكسجين الذي يختزنه المغرب؛تحسبا لغازات خانقة صاعدة من منطقة الساحل،ومن وجهاتها الاتحاد الأوروبي أيضا؟
كيف تقصد فرق الزلازل الأميركية صحراء ثابتة في خريطتها ،ودولة مستقرة ,تغالب مشاكلها،وعينها على الغد؛متجنبة(الفرق) – في نجدتها العمياء- عين الإعصار،وكل الدمار في دول الجوار العربي والإفريقي؟
كبف تُسيِّج ،في الصحراء المغربية،محميات , و ترفع عرش بلقيس لأميناتو حيدر، تحتضن فيه ،وبه، ما يتناسل من إرهاب في تندوف المغربية،الفاسية،كما عبر – معماريا- أحد المراجع العسكرية لثعلب الصحراء، العالم « تيودور مونود »؟
كيف نفهم الفرح وهو يقول لنا :كسبنا عاما آخر؛نحن الذين لانتواجد ،محتلين، في أي أرض؟
وماذا لو لم نكسب هذا العام ؛هل ستطلقون للجزائر اليد في المغرب لتُسكن قوافل الإبل الشاردة حيثما شاءت؛وصولا الى مراكش؟
كل العناصر توفرت لتلقي بالعديد من التفسيرات المقترحة في مياه أبي رقراق.
غارة أميركية،مبهمة، وفيتو ملكي : داوود في مواجهة جالوط. ثم لا تجدون في الأمور ألغازا .
وتتوهم أميناتو أنها بلقيس الصحراء فعلا ،هكذا ؛كما أتى بها الهدهد الجزائري ،ترفل في غلالاتها ،وتغوي –كعادتها-شباب الصحراء ؛ليس بعلم البوليساريو ،هذه المرة، بل بنجوم جورج واشنطون ..
وكما الألغاز دائما ،لاحرج من تقديم كل التفسيرات الممكنة ،ولا ضرر في أن تتبع مثيلاتها :زوارق تعبر ،من أبي رقراق،صوب الأطلسي ،بحر الظلمات –حقيقة ومجازا- حيث القوة الرهيبة ،في العالم،التي تستعد لحرب عاتية تعيد رسم العالم ،اشباعا لنزوة غادة شبقية ،اسمها العولمة الأحادية القطبية؛وتنفيسا لأزمة مالية لم تنفع كل ثروات الخليج العربي في تنفيسها.
أميركا ،وفق ما كشف عنه « جون كيري »,وزير الخارجية الأميركي، في خطابه الشهير بجامعة جورج واشنطن – لاحظوا المكان المختار -غداة تنصيبه، مقبلة على تمفصل جديد ،في علاقاتها مع العالم،وفي حربها المزمنة ضد الإرهاب الدولي ،الذي تراه إسلاميا متطرفا ،بمداد سعته البحار،حتى الهادئة المعتدلة؛ لتستمر مهيمنة ،لكن بدون تبجح وغطرسة . انها مقبلة – وقد شرعت- على إعادة توزيع قطع الشطرنج من أجل لعبة جديدة ،بتكتيكات جديدة.
في إطار هذه الإستراتيجية، هي بحاجة ،طبعا، إلى حلفائها ،النشيطين والخاملين،الكبار والصغار؛ولا باس أن ترج الأخيرين رجا حتى ينتبهوا إلى أن توجها جديدا يرى النور: فجرا أميركيا يشرق ،كما عبر عن ذلك،في ظرف آخر، الرئيس الراحل ريجن،مهندس حرب النجوم ؛وهو يودع مواطنيه ؛إذ أيقن أنه يلج غيابات « آلزايمر ». »حتى لا يعلم بعد علم شيئا » صدق الله العظيم.
رُجِجنا هنا في المغرب،واهتزت حتى الأرض تحت أقدامنا،مرات،وظننا أن الأمور تسير في رئاسة الولايات المتحدة ،كما تسير في العالم العربي كله: الرئيس هو الذي ،إن كره قتل،وان أحب أتعب،وخير لك ألا يعرفك حتى لا يكرهك أو يحبك ؛كما وصف ابن المقفع ملوك زمانه . ظننا أن أوباما يتحرش بصحرائنا إكراما لعيون أميناتو حيدر .بل هي نفسها توهمت أنها تيمته حبا ,و »سرى ليلا خيال من سليمى »،ليضيق على السيدة الأولى،رغم عضلاتها المفتولة فتلا.
مهلا أيتها المغربية العاقة ليس العرس لك ،وللبيت الأبيض رب يحميه من الحب المستحيل.
ورُج معنا ،بكيفية غير مباشرة،حلفاءُ خاملون آخرون،لأن الذئب –كما يُحكى- يفضل أن تصيبه ضربة المقلاع ،على أن تحاذيه في فراره. توقع الصفعة أقسى من الصفعة.
مثلا هؤلاء الجنرالات الذين يعيشون على الميراث القتالي لجبهة التحرير ؛لكن على خريطة رسمها الاستعمار الفرنسي على مقاس قهره وغلبته ذات تطويع . حاربت الجبهة فرنسا الاستعمارية ،لكنها أحبت خريطتها ؛حيث الحيف للمغرب بين ،بل ناطق.
إياكم أن تصدقوا أن جنرالات الجزائر أغضبتهم تصريحات شباط الأخيرة ,في ما يخص مطلب الصحراء الشرقية،فالمسألة أكبر منه ومنهم.
وَرُج َّ- في التوجه الاستراتيجي الأميركي « الجديد » – الحلفاء العرب النشيطون ،هؤلاء الأثرياء الذين اقتنعوا بمخطط أميركا الساعي الى تنفيس الاحتقان العالمي بعجلتيه:الإرهاب والأزمة المالية؛مادام يعدهم بمنعة من جارهم الشيعي،
الذي لم يعد ينتظر المهدي فقط ،بل حتى المهدية النووية المنتظرة؛إن لم تكن ضمن الحريم.
ورُج ،أيضا، حلفاء نشيطون تقليديون ،من الاتحاد الأوروبي ،وان بدبلوماسيات مختلفة.
إنها مناورة إستراتيجية أمريكية جديدة ،تختلف كلية عن المناورات العسكرية المعهودة ؛ ومنها حتى التي تم الاستغناء عنها في آخر لحظة ببلادنا.
مناورة استهدفت خلق وضعية استنفار ،صادق ،للدخول بالعالم في منعطف حرب في جبهتين :الجبهة الإيرانية والجبهة الكورية الشمالية. رُجَّ الصديق لاستقطاب أصدقائه ،بالاستجابة لتدخلاتهم،وهم يتعصبون له .مناورة رابح/رابح.
حتى الجزائر وُعِدت خيرا ،لأن المشكل الذي تفتعله مع المغرب أهون بكثير من الزحف الأسود القادم من جنوبها .
وقد سبق أن ذكرت أن من يبني جامعة للانفصال عليه أن يستقبل الطلبة الجدد أيضا؛خصوصا إذا كانوا من مواطنيه.
يوم قلتها لم أكن أعلم أن في تيندوف جامعة بألف مقعد ؛عدا جامعة الخيام ،وما بها من أنعام وابل.
شباط على خطى الجنرال ادريس بن عمر:
بعد غزوة آل الفاسي،اذ ضعفوا أو تواطئوا -في بطحاء لم تعرف غير وطأتهم – انتقل الى السرعة الثانية « غزوة ذات السلاسل » ليشد وثاق وزراء، ويعفوا عن آخرين ؛مبادرا أو مدفوعا من مراكز قوى حزبية وغير حزبية.هذا ليس موضوعنا الأساسي هنا؛وهو من صميم التمارين الديمقراطية ،ومع التعود لن يعود غريبا عنا ،وعن التقاليد المخزنية المرعية،،كما حاله اليوم.
ما يهمني الآن الغزوة الثالثة ،وهي ببعد جزائري ،بل مغاربي. واعتبارا لانشغالات شباط الكثيرة- الحزبية والنقابية-
لا يمكن أن تكون هذه الوثبة له ,ولو أقسم من أعلى النخلة الفاسية الفولاذية.
لا أراها الا ركنا في اللغز الاستراتيجي الكبير :حلحلة المنطقة كلها ،كما اسلفت، استعدادا لحرب دولية كبرى ترتسم ملامحها واضحة في الأفق. حرب لن يدخلها المغاربة والجزائريون إلا في خندق واحد ،وإلا أصابهما دمار كبير:
لأن العدو-حتى لو صُمَّت آذان الجنرال الجزائري،وغُم َّعليه الهلال- مشترك ؛اسمه الدولي « الإرهاب »،وتعاني منه الجزائر،منذ سنين، أكثر منا ؛واسمه الإقليمي « الانفصال « ،ونعاني منه ،ومنذ سنين، أكثر من الجزائر.
هي مرشحة لانفصال أعتى من نسخته المغربية ؛ونحن مرشحون لنحتل موقعا دوليا متقدما في حرب الإرهاب ،ومنابعه.
ألسنا في خندق واحد؟
أميناتو حيدر ،كما ذكرت، بلقيس وهمية تُهَدهدُ إلى حين ،وستتقوى أكثر ،داخل صحرائنا ؛ليس لأنها قوية ولكن لأن الإستراتيجية الأميركية أرادت ذلك،وهي غير ملزمة بتقديم تفسير لأحد.
هل سبق لأحد منا أن توقع أن تحمل هذه المرأة،وكتائبها، راية أميركية في العيون؟ ها قد حصل ،في حضور جهات دولية ترى وتصور.
شباط بدوره –مع استحضار الفوارق- حُمِّل ،بخصوص الصحراء الشرقية، راية الجنرال إدريس بن عمر ،ذات حرب قذرة بين أخوين ،حُرِّضوا على بعضهما البعض. راية انتزعها المرحوم الحسن الثاني من يد الجنرال ،دون أن يلتفت اليه ، وهو يشير- متوثبا- الى جيوب الخريطة المغربية التائهة في الصحراء الشرقية.
شباط لا يحمل اليوم هذه الراية فقط ؛وهي –لعوامل عديدة- لا تبدو بين يديه الا كالسرج يوضع فوق ظهر البقرة.
أذكر فقط،من هذه العوامل،أن بين ظهرانينا ،في المغرب ، سياسيين شاخوا وطنية ،تبدو راية المطالبة بالصحراء الشرقية ،خفاقة ناضرة،بين أياديهم. لو كانت المسألة جدية ،لما سكت هؤلاء ونطق شباط.مع كامل الاحترام لوطنيته أيضا ؛لكنه تابعي ,والصحابي مقدم على التابعي.
هكذا يزداد اللغز تعقيدا ،واقناعا بلغزيته التي تستدعي كبار المفسرين الأكاديميين والاستراتيجيين ؛سواء في المغرب أو في الجزائر.
شباط يحمل ،إلى جانب هذه الراية،راية إسقاط ركن في معمار الحكومة؛فهل يستقيم أن يتم الجمع ،في نفس المجلس، بين نفيري الصحراء الشرقية المغربية ،وإسقاط الحكومة؛والتثليث بتعجيل الحكم الذاتي والتربيع بمطلب تعجيل تنزيل الدستور؟
لا لا،وراء الأكمة ما وراءها؛ولن أصدق أبدا أن شباط- وان كان يشكل مدرسة في نضال القرب- هو المبادر بطرح المسألة الحدودية ،في هذا الوقت،وهو بكل ثقله الحكومي.
ولن أصدق أيضا أنه فاتته التقاليد المخزنية المرعية ،بخلقه أزمة حكومية ،أولا؛ وباختياره توقيتا يكون فيه الملك خارج البلاد،ثانيا؛وبإيقاف كل شيء ،استجابة لمكالمة هاتفية ،انفرد برواية خبرها، ثالثا.هل فهمتم شيئا؟ وهل تحبك الألغاز لتفهم بكل يسر؟ أما كان لهذا الرجل –طوع الهاتف فقط- أن ينتظر عودة جلالة الملك؟ أما كان له أن يراعي حرج حكومة تغا لب الوضع الحقوقي –المزعوم- في الصحراء؟
وهل يستقيم ، أن تعجز الحكومة ,ورئيسها ،عن حل أزمة « طارئة،،حكومية حكومية؛ وتصبح معلقة بفحوى مكالمة ملكية هاتفية ،لا احد قال بها غير شباط؟ أين الدستور ؟ أين دولة المؤسسات؟ أين الصلاحيات؟
إنها اليوم تماسيح وعفاريت دولية لا قبل لك حتى بالكلام عنها،يا رئيس الحكومة، كدأبك.
التزمت حكمة الصمت في غزوة الحقوق ,وفي غزوة ذات السلاسل ؛وألزمت رفاقك بها.
فيتو ملكي مزدوج:
اشتغل شطره الأول أميركيا ،بل دوليا ، بكيفية جديدة ؛تؤشر على أن ملكية « تازة قبل غزة » حققت أهدافها ،واستنفذت
أغراضها ،بعد أن أرست نموذجا تنمويا قائما على سياسة القرب والتتبع.لا أعتقد أن مدرسة القرب هذه لن تخرج ساسة يتمثلونها في تدبير الشأن العام.لن يستمر الملك ،إلى ما لانهاية،ميدانيا متتبعا لأوراش التنمية،والوزراء يتفرجون كغيرهم. انتهت المحاضرات الميدانية وأزف زمن الامتحان.
بُعدُ الملكية الجديد دولي ،وقد فاجأنا الملك –ولا ينكر هذا غير جاحد- بوثبة دبلوماسية دولية صنعت الحدث ،وانخرطت في جميع أبعاده ؛ما نقوى على معرفته ،وما نقف دونه عاجزين ،لغياب المعطيات.
لقد خرج المغرب من غزوة الحقوق ،أكثر من فرح بالنصر.خرج متوثبا مستعدا للنزال ،من أي جهة لاح باعثه.
وهذا طبعا يستدعي تحريك مفاصل الدولة ،وتمرين عضلاتها ,وتنشيط القشرة الرمادية ,حتى تنخرط في الإستراتيجية الدولية الكبرى ،التي نسالمها ,وندعمها ما سالمت حقوقنا الترابية.
واشتغل الفيتو الملكي في شطره الوطني ،بالكيفية التي انفرد شباط بروايتها.
هل هو تعديل وزاري ؟أم انتخابات سابقة لأوانها ؟أم صلح ،حكومي حكومي ،وفق أسس جديدة؟
لا أحد يعلم ؛لكننا جميعا نريد حكومة قوية،مخلصة ,تتحمل مسؤولياتها فعلا ؛دون تمكينها من مشاجب تعلق عليها فشلها.
الظروف الدولية ،الإقليمية والوطنية ،لم تعد تسمح بالغفوة الخفيفة ،وبالأحرى النوم العميق.النحل ينتج العسل ويحرسه ولا ينام فيه.
كفى من احتراف المعارضة البئيسة .ان الحكومة الحقيقية هي حكومة المعارضة ؛ما أخلصت لقضايا الوطن والمواطنين.
الانتخابات تفاصيل لا غير ، هدف عمره يوم ؛وتبقى الغايات النبيلة شامخة تصنع المجد الحقيقي،للوطن وللأشخاص.
ها نحن ،كما لم نتصور أبدا، ضمن إستراتيجية دولية كبرى ،تم الإعداد لها بكل حبكة ودقة؛ولا شك أن وضعنا سيكون أفضل لو تحدثنا مغاربيا مع كل القوى الأخرى.لكنهم هناك في الولايات العسكرية الجزائرية يتحدثون لغة حجرية لا تنتمي لهذا الراهن الدولي بكل تعقيداته..
Aucun commentaire