النظام التعليمي المغربي وسؤال التاريخ.
النظام التعليمي المغربي وسؤال التاريخ.
إن أول سؤال يمكن طرحه بعد إلقاء نظرة تاريخية على النظام التعليمي المغربي هو :
بأي معنى يمكن القول إن للنظام التعليمي المغربي تاريخا؟
إن الجواب على هذا السؤال يتخذ أبعادا متعددة يمكن حصرها كالتالي:
1 ــ معنى التطور الأحادي البعد ،إن تطور النظام التعليمي المغربي هو في الحقيقة تطور لجهاز المجتمع السياسي،تطور لاختياراته الانفرادية وتطور لاستماتته في تغييب الآخر.
2 ــ المراوحة في الزمن،أي إن تاريخ النظام التعليمي المغربي يغلب عليه طابع المد والجزر،وطابع عدم الاستقرار،بل وأكثر من ذلك يغلب عليه أو تصح عليه القاعدة التاريخية القائلة بأن التاريخ يعيد نفسه أحيانا.
3 ــ البحث عن الهوية وذلك بالمعنى الذي يعيد البحث عن معالم حد أدنى من الاتفاق الاجتماعي والتراضي الطبقي.ويجسد ذلك طبعا البحث عن أربعة عقود من الزمن عن ميثاق وطني للتعليم.ومن المفارقات العجيبة في هذا المجال،إن هذا البحث تم في الغالب (عبر ما يقرب من 30 سنة)بدون أداة للبحث ألا وهي المجلس الأعلى للتعليم.
4 ــ غلبة الحمولة السياسية على الحمولة الفلسفية، ونعتقد أن هذه الغلبة ناتجة عن غياب الأداة المذكورة مما يحيلنا على الاستنتاج التالي:
إن تاريخ النظام التعليمي المغربي هو تاريخ السياسة التعليمية وليس تاريخ فلسفة تعليمية،أي هو تاريخ اختلاف وليس تاريخ اتفاق ،وما يمكن إضافته هنا هوأن المسارالاختلافي هذا، حول النظام التعليمي عبر التاريخ إلى بؤرة الصدام الاجتماعي والتطرف السياسي.
5 ــ مدى النضج التاريخي،إلى أي حد يمكن القول بأن تاريخ النظام التعليمي يفصح عن قاعدة النضج التاريخي،أي التقيد بنضج الشروط التاريخية في عملية الانتقال من مرحلة إلى أخرى.
من الصعب إضفاء صفة النضج التاريخي على النظام التعليمي المغربي ،إن التغييرات التي حصلت ولا نقول التغيرات إنما هو نتيجة قرارات فوقية أكثر مما هي وليدة سيرورة تاريخية،وهذا ما أوقع النظام التعليمي المغربي عبر تاريخه في قطائع غير تاريخية،إذا فهمنا من التاريخ معنى استمرارية الأصالة وتحقيق الاستقلال الحضاري،ولعل أكبر قطيعة تحققت في هذا المجال هي قطيعة مع تاريخ الذات للدخول في تاريخ الآخر.
وكيفما كان الجواب حول هذه الأسئلة،فإنه أكيد أن صناعة تاريخ النظام التعليمي المغربي كانت وفية للقاعدة التي ترى بأن الصراع الاجتماعي والطبقي هو محرك التاريخ،ولعل لصحة هذه القاعدة مؤشرات دالة مثل التمييز بين نوعين من التعليم العام والمهني،التخلي عن التوحيد،استشراء البيروقراطية….بل وأكثر من ذلك توظيف بعض المبادئ الأساسية لتحقيق أهداف معاكسة (مبدأ التعريب).
غيرأن كل ما تقدم لاينبغي أن ينسينا المكاسب التي حققها النظام التعليمي المغربي عبر تاريخه والتي يمكن تقسيمها إلى مكاسب كمية والمتمثلة في نسبة المتمدرسين والأطر المكونة والتجهيزات المحققة والمؤسسات التي برزت إلى حيز الوجود،كل ذلك يدل على أن النظام التعليمي المغربي قد توسع من ناحيته الكمية،وواكب إلى حد ما النمو الديمغرافي للبلاد.
أما بخصوص المكاسب الكيفية فتتمثل في محاولة تحسين المردودية الداخلية للنظام التعليمي،وذلك بخلق آليات بيداغوجية جديدة،وخاصة ما يتعلق بها بالآليات لتقويمها،كما تتمثل هذه المكاسب الكيفية في تبني بيداغوجيات جديدة،رغم ما يمكن ملاحظته بصدد مدى النجاح في تكييفها مع الخصوصيات وكذا محاولة خلق توجه جديد على مستوى التعامل مع قضية إصلاح التعليم المتمثلة في الانطلاق من التشخيص العلمي الميداني لمشاكله.
المرجع: محاضرات المرحوم الأستاذ محمد الإمام الفكيكي ـ مركز تكوين مفتشي التعليم ـ الرباط ـ 1996
Aucun commentaire