Home»International»وقفة تأملية أمام صيرورة الثقافة الأمازيغية

وقفة تأملية أمام صيرورة الثقافة الأمازيغية

0
Shares
PinterestGoogle+

د. بلقاسم الجطاري
كلية الاداب وجدة
وقفة تأملية أمام صيرورة الثقافة الأمازيغية

قد يبدو لكل عاقل متفقه في عوالم الثقافة الإنسانية، أن سكان شمال إفريقيا  ظلوا ومازالو يحافظون على ثقافتهم الأمازيغية عبر قرون مضت ولم تنل منها رياح التغيير الجارفة ومعاول الهدم التي ما فتأت تغرر بها، متهمة إياها أنها لا تشكل سند وعضد قوي إلى جانب قريناتها المتواجدة بالمغرب.
إن دليل متانة وصلابة اللغة الأمازيغية، هو استماتتها القديمة عبر العصور لما يربوا على ثلاثة آلاف من السنين ،حيث ورثها الإنسان الأمازيغي عن أجداد له عاصروا قرطاجة في نشأتها وناهضوا روما إبان صولتها وتمرسوا بلغات أخرى كان لها شأنها آنذاك.
إن زخم وغنى الثقافة الأمازيغية عبر العصور، جعلتها تقف سدا منيعا للمحاولات المتعددة التي أرادت القضاء عليها، وإن غناها في خصوصياتها، وأهم تلك الخصوصيات هي الجذور الثقافية التي تربطها بهذه الأرض، وتجعلها تتجاوب مع سهولها وجبالها وأنهارها وصحاريها، وتستجيب لندائها كلما اكفهر الجو وادلهم الظلام، تلك الجذور التي تجعلها تسمع نداء هذا الوطن صادرا عن أعماق التاريخ الضارب في القدم، وما الكتابات والنقوش الصخرية الحجرية لخير دليل على صمود الثقافة الأمازيغية، بالرغم من ضعف الجانب المادي الذي يجعلها تقاوم وتنمو ككائن بشري حي، لا يريد أن يذوب في قالب اللغات والثقافات الأخرى .
والغالبية المغاربة لم تتنكر بعد لتلك الجذور تنكرا كليا، بل لم يمنع المغاربة تقبلهم لكل جديد حسن أو مستحسن من صيانتها والمحافظة عليها حية تأخد وتعطي. وخير جديد تقبله المغاربة الإسلام، ومع أن الإسلام لا يفرق بين العربي والعجمي إلا بالتقوى، فما فتئ المغاربة يسعون حتى تمكنت نخبة منهم من أسرار اللغة العربية وشوقت من كان دونهما همة وطموحا إلى معرفتها والغوص على كنوزها، وظل الحال كذالك طوال ثلاثة عشر قرنا ونيفا، وهاهم اليوم، يجارون في الميدان كل معتز بفصاحته العربية وكل فخور بتملكه ناصية اللسان العربي. ألا يحق لهم، بل ألا يجب عليهم، أن يتوقفوا هنيهة لينظروا وراءهم، ثم حولهم، وأمامهم، ويستنطقون العالم المعاصر لهم ويستنطقون حاضر البشرية ومستقبلها سائلين: أين تسير الثقافة المغربية والى ما ستؤول أمام معاول العولمة الجارفة للأخضر واليابس؟
لونفعل نتيقن من أننا قد حافظنا على أغلى ثروة ثقافية كنا نملكها قبل دخولنا الإسلام،  حافظنا عليها تلقائيا، فلم يكلفنا ذالك عناء ولا تبذير طاقة أو مال. حافظنا عليها من غير وعي لنفاستها. فهل يجدر بنا أن نتركها للضياع أو نعمل من اجل إتلافها، ونحن واعون؟ فأكبر تنكر لجميل الثقافة الأصلية حينما نكون واعون بأننا نخرب ثقافتنا بأيدينا بعدما علمناها وخبرناها نفرط فيها أشد تفريط فنكون كحال الذين يخربون بيوتهم بأيديهم. وأما تلك الثروة الهائلة التي لم يحرمها دين ولا مذهب فهي اللغة والثقافة  الأمازيغية.
إن الاختلاف اللغوي يمكن أن يكون ركيزة تنمية فعالة خاصة  إذا عملنا على استغلال التعدد الثقافي واللغوي لبلدنا الحبيب ففي الاختلاف رحمة ولقد تألمنا، نحن المغاربة، غير ما مرة إذ شعرنا من أناس من ذوي النيات الحسنة، أنهم يتذمرون غير مصرحين من استمرار وجود الأمازيغية في هذا البلد العزيز. ولكننا مع ذالك نعذرهم كل العذر، لان فاقد الشيء لا يعطيه، ومن جهل شيئا عاداه والجاهل عدو لنفسه فكيف لا يكون عدوا للآخرين؟، ترى هل سنغني ثقافتنا بالترك والقطع، أم سنغنيها بالصيانة والتعهد بجميع مقوماتها، كلا على مستواه وفي مكانته التي يؤدي فيها وظيفته؟ إن الثقافة لا تعالج سلبا، وإنما تتفتح للموجبات، وتتقوقع كلما أريد بها بتر،لأنها كائن حي من أقوى الكائنات الحية إحساسا .
وإذا كان قوم يرون أن في بقاء تلك الثقافة (الأمازيغية  ) ضررا بالعروبة، فلا يجب في حال من الأحوال أن يؤاخذوا برأيهم ما لم يبين لهم أن الأمر قد يكون كذالك إن نزع، عن قصد أو عن غير قصد، إلى اضطرار الناطقين بالامازيغية والعارفين لها إلى الدفاع عنها وحدهم. أما أن ينظر إليها المغاربة كلهم نظرة المرتاح لوجودها. الراغب في إدماجها في النسق الثقافي المغربي، فذالك هو القصد والغاية وهو السداد المبين القاضي بالحفاظ والصيانة على تعددنا الثقافي والإثني والذي يشكل قوة ومتانة اللغة في صمودها أمام معاول الهدم المفتعلة

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *