Home»National»الإسلام بين المراهنين عليه كمشروع إصلاح وبين المشككين فيه

الإسلام بين المراهنين عليه كمشروع إصلاح وبين المشككين فيه

0
Shares
PinterestGoogle+

الإسلام بين المراهنين عليه كمشروع إصلاح وبين المشككين فيه

محمد شركي

مقولة  أو شعار:  » لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أمر أولها  » تحظى بقبول وتأييد المراهنين على الإسلام كمنهاج حياة  يصلحها ، وتواجه بتشكيك المشككين والمعارضين للإسلام باعتباره نموذجا ماضويا  لا يصلح لهذا الزمان أو لكل زمان. وبين المؤيدين لشعار صلاح الأمة بالإسلام  والمعارضين له كان ولا زال وسيبقى الصراع بينهم إلى قيام الساعة . وعبر التاريخ كان هذا الصراع  يحتدم ويشتد بين الطرفين  ، ولا غرابة  أن يشتد ويحتدم هذا الصراع  بعد الربيع العربي  الذي جاء نتيجة انتفاض الشعوب العربية ضد الفساد المتمثل في أنظمة ما بعد فترة الاحتلال الغربي للوطن العربي  ،حيث  حلت  بعد الاحتلال أنظمة تعتبر استمرارا لمرحلة الاحتلال  بل تمثل  مرحلة استبداد وفساد  لا تختلف عن  استبداد وفساد المحتل مع وجود استقلال صوري   مع تبعية واضحة لمحتل الأمس تشريعا . والربيع العربي  أعاد إلى الواجهة الوضع الذي كان عليه العالم العربي  قبل فترة الاحتلال الغربي  حيث  ولت الشعوب العربية وجهها صوب الإسلام  تماما كما كان حالها يوم  فاجأها المحتل الغربي  باحتلال أرضها ،فلجأت إلى الإسلام حفاظا على هويتها أمام الغزو الأجنبي الذي حاول طمس معالم  هويتها . ولقد كان اللجوء إلى الإسلام سببا في تخلص الشعوب العربية من نير الاحتلال  حيث نشأت حركات المقاومة والجهاد بين أحضان الإسلام ، وفي مؤسساته. وقد يحاول البعض اختزال الربيع العربي في مجرد انتفاضات شعبية ضد أنظمة فاسدة بدوافع اقتصادية واجتماعية ، والحقيقة أن الربيع العربي  إنما قدح شرارته عودة الاحتلال الغربي إلى البلاد العربية والإسلامية من جديد في العراق  وأفغانستان . وكما فعلت النكسات المتتالية بسبب اغتصاب الكيان الصهيوني لفلسطين  والأراضي العربية الأخرى المحتلة  تحت غطاء الاحتلال الغربي ،فعلت نكسة احتلال العراق وأفغانستان فعلتها  في الأمة العربية فانتفضت  لكرامتها  منتقمة من  أنظمتها الفاسدة التي كرست اغتصاب  فلسطين ، وفسحت المجال لعودة الاحتلال الغربي من جديد إلى أقطار عربية وإسلامية أخرى . وكما  لجأت الأمة إبان الاحتلال الغربي في القرن التاسع عشر إلى الإسلام باعتباره  ضامن هويتها  واستقلالها، لجأت إليه أيضا بعد تكرار الاحتلال الغربي  في القرن الواحد والعشرين  خصوصا وأن هذا الاحتلال كان بذريعة محاربة  الإسلام الموصوف بالتطرف والإرهاب  ومعاداة الحضارة الغربية  في شكلها العلماني . ولم  يخطر ببال الغرب  أن تلجأ الشعوب العربية إلى الأساليب السلمية في ثورتها ضد الأنظمة الفاسدة المدعومة من طرفه ، وذلك من خلال  مواجهة رصاص هذه الأنظمة بالصدور العارية  حيث  فوتت على الغرب  تهمة الإرهاب التي يتخذها ذريعة لمعاودة غزو البلاد العربية والإسلامية من جديد. ولم  يكن رهان الشعوب العربية على الإسلام  من خلال  اختيار الأحزاب الإسلامية  لتقودها  بعد مرحلة سقوط الأنظمة الفاسدة مجرد صدفة ، بل كان خيارا واعيا عكس وعي الأمة بهويتها التي لا تتحقق إلا بالإسلام  الضامن الوحيد . وكان لا بد أن  تواجه إرادة الشعوب العربية معارضة من قبل  فلول الأنظمة الفاسدة البائدة من جهة ، ومن قبل فلول العلمانية التي استنبتت في الوطن العربي  ، وكانت من  نتائج  محاربة الغرب  لهوية الأمة حيث استلبت  هذه الفلول فكريا ، ورفضت شعار :  » لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أمر أولها «   بل  ذهبت الفلول العلمانية إلى حد الزعم بأن  سبب الاحتلال الغربي ، وما نتج عنه من تخلف  الأمة هو  الرجوع أو الرجعية أو الرهان على الإسلام . وتزعم الفلول العلمانية أن  سبب تفوق الغرب  هو التحرر من  الدين، لهذا تقيس الإسلام على  المسيحية أو بتعبير دقيق على الصليبية، وشتان  بين مسحية وصليبية ، والفرق  بينهما عقدي والهوة سحيقة بينهما يعكسها ما بين الاعتقاد  بوفاة المسيح عليه السلام  ورفعه إلى السماء وبين قتله وصلبه . وقد تصح مقولة فلول العلمانية بأن تخلي الغرب  عن الصليبية  هو سر تطوره المادي والتكنولوجي مقابل  إفلاسه الأخلاقي ،لأن الصليبية تقوم على أساس اعتقاد فاسد ، والاعتقاد الفاسد يفضي بالضرورة إلى تشريع فاسد. والذين يحاولون قياس الإسلام  وأساسه اعتقاد صحيح يترتب عنه بالضرورة  تشريع صحيح على الصليبية  يقعون في أوهام . وهدف فلول العلمانية في نهاية المطاف هو تحويل البلاد العربية إلى  نموذج علماني غربي  بتطور مادي وتكنولوجي مع خراب  منظومة القيم والأخلاق . وفي أحسن الأحوال  يدعي بعضهم أنه يحاول  الجمع بين  التطور المادي التكنولوجي ومنظومة القيم والأخلاق الإسلامية  ، وهي مقولة  واضحة التهافت لأنها تفرق بين ما هو عقدي وما هو تشريعي  مع أن العلاقة جدلية  بين الاعتقاد والتشريع بحيث  يأتي التشريع وفق الاعتقاد ، ولا يمكن أن  يعتقد الإنسان  بطريقة ، ويشرع بطريقة مخالفة لما يعتقد .فالمعتقد بالإسلام  يكون تشريعه إسلاميا بالضرورة كما أن المعتقد بالعلمانية يكون تشريعه علمانيا  بالضرورة أيضا ، ولا  مجال ولا مبرر للخلط أو الخبط بين  المعتقدات وتشريعاتها . وقد تلجأ أحيانا بعض فلول العلمانية إلى أساليب ماكرة ومكشوفة من أجل  التشكيك في الإسلام كمشروع إصلاح الأمة  من خلال نقل الخلاف معه إلى خلاف مع من يعتنقونه بدعوى أن هؤلاء لا يجيدون فهمه وتنزيله  التنزيل الصحيح . وقد يذهب بعض هؤلاء الفلول العلمانية إلى استحالة تنزيل الإسلام في الواقع نظرا  لطبيعته المثالية  وغير القابل  للتنزيل حسب  زعمهم ، ومن  ثم يشككون في كل من يراهن على المشروع الإصلاحي الإسلامي ، ويتهمونهم بأنهم مفارقون للواقع  من خلال نشدان المثال غير القابل للتنزيل على هذا الواقع . وأزمة فلول  العلمانية أنهم بسبب تضخم الأنا والثقة الزائدة في اعتقادهم ينطلقون من مسلمة امتلاكهم لناصية الحقيقة  ، ويجعلون أنفسهم  مقياسا يقاس عليه غيرهم . فالواقع  عند فلول العلمانية هو واقعهم الخاص بهم والذي لا يلزم غيرهم  ، وهو الواقع الذي لا يناسبه الإسلام المثالي كما يصفونه ، ولا وجود  عندهم لواقع  يمكن أن  ينزل عليه الإسلام ، وهذا هو غرور فلول العلمانية  ، وثقتهم العمياء بصواب نظرتهم إلى الواقع، لهذا يغيبون كل واقع لا يناسب  واقعهم  ويعتبرونه مثاليا. وأكثر من ذلك تريد فلول العلمانية   تطويع الإسلام لواقعها  ، ولا  تقبل بخضوع  واقعها للإسلام ، ولهذا ترفض  رفضا قاطعا  شعار :  » لا يصلح أمر هذه الأمة إلا  بما صلح به أمر أولها  » لأنها تنطلق من قناعة أن  الأول يختلف  بالضرورة عن الآخر ، ولا يمكن أن يصلح للآخر ما صلح للأول  ، وهذه هي نقطة الخلاف  بين من يراهن على الإسلام كمشروع إصلاح  ، وبين  من يشكك  في ذلك . ومعلوم أن الإسلام  هو  خاتمة رسالات  السماء إلى الأرض  بعد فساد الرسالات السابقة بالتحريف  والتزوير ، وهو رسالة إلى البشرية  ، ولا يمكن أن يكون خاتمة ولا صالحا لكل البشرية  وهو دون مستوى مواكبة أحوال هذه البشرية مع تراخي الزمن واختلافه . وقد تصدق مقولة عدم مناسبة دين ما  لغير عصره ولغير قومه ، ولكن  لا يمكن أن تصدق  هذه المقولة على دين جاء للبشرية كافة ، الشيء الذي  يسقط بالضرورة من الاعتبار التاريخ والجغرافية ، ويجعل مقولة فلول العلمانية  في حالة شرود أو خارج التغطية . ومن تناقضات فلول العلمانية الصارخة  أنها تعتبر النموذج العلماني  فوق التاريخ والجغرافية أي صالحا لكل عصر ومصر ، في حين  تنكر  هذا الوصف عندما  ينسب إلى الإسلام .  وأخيرا لا بد من التنبيه إلى خطإ جسيم  يقع فيه المراهنون على الإسلام حين يتأثرون بمقولات الفلول العلمانية ، ويحاولون  تطويع الإسلام ليناسب مطالب  هذه الفلول رغبة في إرضائها  ، وهو تلفيق وليس توفيقا كما يظنون ، ولا يمكن أن  يجتمع  تشريع واحد مع وجود  اعتقادين  على طرفي نقيض . والوضعية الحالية اليوم في  المجتمعات العربية  التي  تحاول التلفيق  بين الإسلام والعلمانية  وضعية هجينة  وغير طبيعية وغير منطقية  ولا منسجمة  ، وهي  ليست وضعية صلاح الأول الذي لا يصلح  إلا به أمر الآخر ، ذلك  أن عصر النبوة والخلافة الراشدة لم يكن  عصر تلفيق  بين الإسلام وبين ما كان  قبله  ، بل  كان الإسلام  يحل محل ما كان قبله بالتدريج  نعم، ولكن ليس  بالتعايش  والتلفيق ، ذلك أن  الإسلام باعتباره مشروع صلاح وإصلاح لا يمكن أن يتعايش مع  وضعيات فساد وإفساد . ولا معنى لتعايش  الصلاح مع الفساد  على طريقة الطرح العلماني ، ذلك أنه إذا كان لا يصح إلا الصحيح ،فلا بد أن  يصح الصلاح  ولا يمكن أن يصح معه الفساد. ولا معنى لتجاور المساجد مع الخمارات ، ولا لتعايش  الفضيلة والأخلاق مع الرذيلة والانحلال . وعلى غرار هذا القياس  يقاس ما بين الإسلام والعلمانية من تناقضات في المعتقدات  التي تترتب  عنها  تناقضات في التشريعات الغير قابلة  للتعايش إذا كان للمنطق معنى . وإذا ما زعم المراهنون على  الإسلام  والمشككون فيه  أنه بإمكانهم التعايش ، فهم واهمون ومجرد حالمين ، لأن  وجود طرف  لا يمكن إلا على حساب وجود الطرف الآخر. ولقد مرت حقب تاريخية  وجد  الإسلام في جغرافيته ، ووجد غيره في جغرافيته ، وكانت العلاقة  بينهما تتراوح بين  صدام ومهادنة على أساس اختلاف الحيز الجغرافي  بينهما ، أما  الرهان على تعايشهما  داخل الحيز الجغرافي الواحد فمحض وهم . وأما القول  بقبول  الحيز الجغرافي الإسلامي للأقليات غير المقتنعة بالإسلام  ، أو  قبول  الحيز الجغرافي العلماني  للأقليات غير المقتنعة بالعلمانية فموضوع آخر ، وهو يدخل  ضمن المهادنة والتعايش بين الإسلام  وغيره عندما  لا  يخترق حيزه الجغرافي الذي اكتسبه بتضحيات  جسام  لا يمكن الدوس عليها  . ولا مبرر لترجيح كفة الأقليات  العلمانية داخل الحيز الجغرافي  الإسلامي  وسط أغلبية مسلمة ، تماما كما لا يقبل ترجيح كفة الأقليات المسلمة  داخل الحيز الجغرافي  وسط أغلبية علمانية  ، وهو ما يسمى في الثقافة الإسلامية دار الإسلام ودار الكفر ، وحتى  لا يغضب  العلمانيون نقول دار الإسلام ودار العلمانية . فعلى كل أقلية سواء كانت إسلامية أم علمانية  لا تقبل  بوضعية أقليتها داخل حيز جغرافي  للأغلبية أن  تفكر في الالتحاق  بالحيز الجغرافي  الذي  يناسبها  عوض أن تحاول  فرض منطق  أقليتها على الأغلبية المناقضة لها  اعتقادا وتشريعا في عقر دارها وداخل حيزها الجغرافي  .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *