جمعيات »المبادرة الوطنية للتنمية البشرية « و الأدوار الغير الإيجابية
المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مشروع اجتماعي هام أعلن عنه من طرف جلالة الملك، إبان الخطاب الملكي التاريخي ليوم 18 ماي 2005، والحامل في ثناياه عدة قيم هامة كالحكامة و الشفافية و تكافؤ الفرص ، و الديمقراطية التشاركية، وتجاوز ثقافة الإتكالية وغيرها،و من خلاله اعترفت الدولة،و بجرأة سياسية غير مسبوقة، عن الخصاص الإجتماعي، و عن التدابير الممكن العمل بها لأجرأة هذا البرنامج.
وفي علاقة ذي صلة، خصصت الدولة،ابتداء من سنة 2005، أموالا ضخمة لتمويل مشاريع، تستهدف بالدرجة الأولى الإنسان،عبر مشاريع مدرة للدخل ، و دعم البنيات الأساسية، و تقوية قدرات الفاعلين الأساسيين.و اتخذت مقاربات تعتمد على إشراك المجتمع المدني، باعتباره لبنة أساسية لا محيد عنها.
في البداية، ومن أجل إزالة غشاء اللبس، و إبعاد كل التأويلات التي يمكن أن تنزاح عن جادة صوابها،أقصد بجمعيات « المبادرة الوطنية للتنمية البشرية »، بعض الجمعيات التي لم تحدث في سياق تجمع عضوين أو أكثر، قصد المساهمة في الإجابة عن مشاكل معينة،و/ أو أنهم يحملون رسائل و قيم و استراتيجية واضحة، بقدر ما أن هذه الجمعيات التي أتحدث عنها، أنشئت في غالبيتها بعد الإعلان عن المبادرة الوطنية سنة 2005،وتشترك كل من هذه الجمعيات في غالب الأحيان في الخصائص التالية:
– وجود فسيفساء من القناعات المختلفة في أوساط ممثلي هذه الجمعيات، و لا يتقاسمون بالطبع قيما مشتركة، و يشكلون تنظيما هرميا، يكون رئيس(ة) الجمعية حاكمه و واجهته، في ظل غياب شبه تام لأعضاء الجمعية الآخرين.
– لا تعبر غالبا هذه الجمعيات عن مقترحات مشاريع ناتجة عن الخصاص، بقدر ما تكون رهن إشارة المشرفين على المبادرة، لتسيير مشاريع معينة كمراكز اجتماعية و غيرها، مما يعني أن الجمعية لم تطالب بالمشروع، و لكن المشروع هو الذي يحتاج إلى جمعية، في مقاربة تشاركية أشبه بالمقلوبة.
– يتملك المتربعين على رأس هذه الجمعيات إحساس جامح من أجل التقرب إلى السلطة،.و قد أصبحنا نشاهدهم في الصفوف الأمامية إبان الإحتفالات الرسمية.
مقابل هذا الإنسياق الجامح لهكذا نوع من الجمعيات نحو التقرب من صناع القرار المحلي، و حتى الوطني، فهم مطالبون أيضا بإسداء خدمات متعددة، تتجلى في أمور عدة،من بينها حشد و تعبئة المنخرطين عشية إقبال المغرب على محطات سياسية كبرى، و هذا ما لوحظ إثر المظاهرات التي أقيمت في العديد من المدن المغربية للتصويت الإيجابي و تأييد دستور فاتح يوليوز 2011، و حضور التظاهرة الوطنية التي اقيمت في الدار البيضاء ضد تصريحات الحزب الشعبي المناوئة للوحدة الترابية المغربية. و آخرها تمثل في التنديد بالعدوان الإسرائيلي الذي تعرضت له غزة. وفي هذا الإطار، يشير السيد محمد الساسي، في مقال له بعنوان » آلية الإنزال » بجريدة المساء بتاريخ 06 دجنبر 2012 تحت عدد 1928: »أكدت المصادر الصحفية المتنوعة أن أجهزة السلطة عبأت للمشاركة – يقصد المظاهرة ضد عدوان غزة الأخير- في وقت قياسي ، عددا من جمعيات الأحياء و التنظيمات المهنية و الرياضية و الثقافية و الإجتماعية – وخاصة تلك المستفيدة من برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية – و أشرفت مباشرة على نقل آلاف المواطنين إلى مكاني التظاهر » . و يواصل الساسي مقاله طارحا سؤالا: » هل تمثل بعض الجمعيات المستفيدة من برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية نواة حزب فعلي غير معلن؟ » معتبرا أن التعاطي مع هذه الجمعيات يشكل » طريقة في التعامل مع المواطن تفتقر إلى الحد المطلوب من الإحترام ».
إن تسخير نسبة مهمة من الجمعيات في أهداف، لا تدخل في صلب غاياتها الحقة، تعتبر مسا بحيادية المجتمع المدني، و بالأدوار المنوطة به، و كأني بها تخلق لنا واقعا كالذي عشناه في الثمانينات أين برزت جمعيات السهول و الجبال، لضرب الجمعيات الثقافية الجادة التي مثلت امتدادا لأحزاب المعارضة ، في إطار صراع الدولة معها للسيطرة على المجتمع.فالجرأة السياسية تقتضي نمو المجتمع المدني في أجواء صحية، وتوفير الظروف المواتية لنشأته الطبيعية.و أن نترك جمعيات » المبادرة الوطنية للتنمية البشرية » ، لتتنافس بشكل شريف مع باقي الجمعيات المكونة للنسيج المدني. و هذا أقل ما يجب فعله.
.
Aucun commentaire