Home»International»أولى ثمرات الربيع العربي

أولى ثمرات الربيع العربي

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم  الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين

 

                          أوائل قطوف الربيع العربي

                                                      بقلم عبد المجيد بنمسعود

قبل أن تهب أولى نسائم الربيع العربي على جغرافية العرب المترامية الأطراف، كانت تخوم هذه الجغرافية وتضاريسها قد وصلت إلى درجة    قصوى من الصدأ والشلل، ومن البؤس واليأس، دفعت قطاعا واسعا من الناس، بمن فيهم  المتفائلون، إلى الاعتقاد شبه الجازم، بأن جسم العرب قد أصبح في حكم المتهالك الذي أنهكته العلل والأمراض، فهو يوشك أن يلفظ ما تبقى فيه من أنفاس، أو هو كجسم تناوشته السهام من كل اتجاه، حتى لم يعد من السهل تمييز قسماته، والتعرف على هويته، جراء ما خلفته تلك السهام من ندوب وجراح ، غير أن الأيام كانت حبلى بما لم يكن في الحسبان، ربيع أخرج شطأه من المحيط إلى الخليج، وهو يحمل بين ثناياه هداياه السنية لكل الناس، ووعده بالاستغلاظ والاستواء على سوقه بعد حين، لينتزع البسمة والإعجاب، من وجوه طالما عشش فيها الوجوم والاكتئاب.

ورغم موجات التشويش وحملات التشكيك التي حرص أصحابها على إفراغ الربيع من أصالته ومصداقيته، والتي أعقبت طلائعه الأولى المتمثلة في إسقاط  رؤوس الفساد والطغيان والاستبداد، فقد أثبتت الأيام أصالة الربيع ومصداقيته، فما ظنك بربيع سقت شتائله الدموع والدماء، وباركت طلعته مواكب الشهداء؟

وماظنك بربيع يحمل في أعماقه من فسائل النور وتباشير الإبداع، وينابيع الحكمة، وجينات الرحمة، ما هوكفيل برسم خريطة انعتاق الإنسان، الكفيل بدوره باستكمل التحرير وإعادة البناء، على هدى وبصيرة من المنهج الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟

إنه سرعان ما تأكد لكل من به حد أدنى من الاعتبار والإنصاف، أن الذين تحملوا كبر التشكيك والتشويش، هم فلول من البلاطجة والغربان الذين ساءتهم تباشير الربيع، ليقينهم الجازم بأن أنفاسهم الخبيثة ستتعرض في ظله للاختناق، وأن إمكانية عيشهم في ظل المناخ الجديد، هي من الضآلة التي تجعلهم يندفعون، بكل ما تبقى في كيانهم من قدرة على المغالبة والمشاكسة، إلى وضع عصي تمردهم وعنادهم في عجلة الربيع، التي تحركها بكل إصرار وعنفوان، إرادة الجماهير التواقة إلى الانعتاق من ربقة التيبس والجمود، والمذلة والهوان، المتطلعة إلى الكرامة والعزة والقوة والمنعة، في ظل الدخول في السلم كافة، بتحقيق العبودية الخالصة لله الواحد القهار.

لقد نقل الربيع البهيج ـ حقا وصدقا ـ أمة العرب، بفعل تجدد الروح وتجدد الدماء، وتجدد الوعي بالذات، التي طالما طمرت لآماد متطاولة تحت أنقاض التبلد والجهل والغفلة، والجور والطغيان والاستبداد، نقلها إلى وضع شرعت عنده في تلمس خيوط الزمام، خيطا خيطا وشعرة شعرة، في ظل تدافع محتدم وصراع مرير، لا بد أن يتوج في نهاية المطاف بامتلاكها لزمام الأمور، والإمساك بأسرار التمكن والاستخلاف.

ألم تلقح رياح الربيع الطيبة إرادة الجماهير العربية التي ظلت خامدة في دهاليز التماوت والخمول، فتحولت ـ بإذن العلي القدير ـ إلى نهر مبارك يجري بالخير عبر التلال والسهول والهضاب؟  

ألم تحمل رياح الربيع العربي إلى مرابع الشعوب المكلومة ثلة من الأقوياء الأمناء، يحمون الديار، ويسرون عن الوجوه المكلومة غبار الكآبة والوجوم، زادهم فيما يفعلون: صدق وإباء، وغيرة وإخلاص لرب الأرض والسماء؟

ألم يمسح بلسم الفرحة والاستبشار قلوب الصغار والكبار، وهم يشاهدون الطغاة يتهاوون ويسقطون من تحت صيحات الشعوب الغاضبة كما تسقط الأعجاز الخاوية؟

ألم تجد فئات المستضعفين المهمشين بوادر الدفء ونسائم الرحمة في أحضان من حملوا همومهم وقاسموهم المر من أبناء الشعب البررة الذين آلوا على أنفسهم أن ينتزعوا ،من بين فرث ودم، ولو جزءا من مما سلب منهم من مقدرات وحقوق، على رأسها الحرية والعيش الكريم؟

ألم يعزف الصغار والكبار نشيد الثورة المجيد، وملء صدورهم زفرات الفرحة والحبور؟  ألم يعلقوا قناديل الفرح على كل الأبواب،  وينثروا أزاهير البهجة في كل الميادين والساحات؟

ألم يجد رعاة الظلمة وسدنتهم الكبار أنفسهم مجبرين ـ من باب المكر والخداع ـ على مباركة الربيع الميمون، وعرض خدماتهم على أبطاله ومؤطريه، تحت دعوى مناصرتهم للشعوب، والذود عن حمى الديموقراطية والديموقراطيين، في مشهد من الشماتة فيمن لعقوا أحذيتهم ودانوا لهم بالعبودية والولاء  في الحقب العجاف الخالية؟

ألم يتنفس أهل غزة الأشاوس الأبطال الصعداء، عندما عادت لمصر روحها الخلاق، فانتصبت جدارا عتيدا يحمي ظهر المرابطين على أرض الإسراء والمعراج، وموطن المسجد الأقصى المغصوب، بعد أن كانت في عهد الأنجاس المناكيد تحاصرهم بالجدر الإسمنتية النكراء؟

ألم تخترق حجارة السجيل ،التي أرسلتها كتائب القسام المجيدة أجسام الصهاينة المجرمين في القدس وتل أبيب وأسدود وغيرها، وتغرق بني صهيون جميعا في الويل والثبور، وتورثهم الرعب والكمد والنكد العظيم؟

سيقول المخذلون، المكشوفون منهم والمندسون: إن هذه المنجزات التي تزعمون أنها من ثمرات الربيع اليانعة، لا يشتم منها إلا رائحة الأصولية الضاربة في التاريخ، ونحن نريدها حداثية تمت بصلة وطيدة إلى العصر وفتوحاته التقدمية، التي تقدس الفرد على حساب المجموع، والانبتات على حساب الانتماء، إلا إذا كان هذا الانتماء للشيطان، وأذرعه المبثوثة في جميع الأصقاع.

ونقول لهؤلاء: لقد أبنتم عن منطق متهافت ونزعة خرقاء، وعن انعدام حياء، وأنتم تسوقون للأطروحة التي قادت إلى الهزيمة والتيه، وأنتم بين أمرين لا ثالث لهما، إما جهال أغبياء، وإما خونة أشقياء، وأنتم بهذا الاعتبار تمثلون الشذوذ عن خط الأمة العتيق والعريق، والذي مآله إلى مزبلة التاريخ، والربيع العربي ماض ـ بإذن الله وعونه ـ في نسج مستقبل الأمة الباسم الأغر، زاده في ذلك ماء الحياة الخلاق، الذي الذي ليس هو إلا روح الإسلام وقيم الإسلام وشريعة رب العالمين القائل في محكم التنزيل: » وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله » صدق الله العظيم.

                           بتاريخ 09 محرم 1434 ـ 24 نونبر 2012

 

 

 

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *