وإذا الهُوّية سُئلت بأي ذنب قتلت؟
عبد الحميد الرازي –فاس المغرب-
جحظت عيناي واغرورقت بالدموع،
وتسارعت وتيرة الخفقان في قلبي حتى كأني
أصَّعَّدُ في السماء أو أهوي في مكان
سحيق، وضاقت علي الأرض بما رحبت، وبلغ
قلبي حنجرتي، وفقدت السيطرة على
سيارتي، وظن بي أولادي الظنونا …
ما بك يا أبي؟ ما الذي حدث؟
التزمت الصمت، لم أنبس ببنت شفة،
تسمرت عيناي في اتجاه واحد تَتَبَّعَهُ
الأولاد ليرتد إليهم البصر وهو حسير،
قال أوسطهم إنه (برج إيفيل) ( واووو.. )،
عندها أخذت أردد وكأني عمدة المدينة أو
واليها أو كبير برلمانييها… من سمح
بهذا؟ من أمر بهذا؟ من دبر لهذا؟ من رضي
بهذا؟… ولكن بيني وبين نفسي حتى لا
يسمعني العمدة أو الوالي أو المنتخبين
جماعيين كانوا أم برلمانيين، لأن نشوة
الإنجاز عند صاحب القرار قد تفقده
الصواب ويرد علي في اعتزاز ومن أنت حتى
تسأل من لا يسأل؟
لأني لست سوى ناخب أسهم في صعود من يملك
حق القرار نيابة عن الأمة بوكالة عامة
بلا قيد أو شرط.
كظمت غيظي وذهبت إلى بيتي أردد
ودائما مع نفسي: « عار على مدينة دام العز
لها قرونا أن يستبيح حماها رموز
المحتلين الغاصبين… عار على قوم خلد
التاريخ وثيقة مطالبتهم بالاستقلال أن
يسمحوا بعودة الاحتلال من الكوة بعد أن
أخرج من الباب عنوة، عار على ساكنة
عاشوا طوال قرون يفخرون بجامع القرويين
الذي بث فيهم روح المقاومة ونبذ
الاحتلال أن يرضوا بنصب تذكاري يعود بهم
إلى أيام الإذلال »
فيا أهل فاس اشهدوا والتاريخ معكم
من الشاهدين أننا بغير مبادئنا وقيمنا
وحضارتنا وتاريخنا فقراء كالهباء
المنثور، ضعفاء كالعصفور المكسور،
ذاهلون كالغريق عند تلاطم الموج وهجمات
الحوت الجسور.
نحن بحاجة إلى مجسمات تحفظ تاريخنا
ومقدساتنا ومعالمنا، فلسنا أقل من
الفرنسيين الذين شيدوا « برج إيفل » ليكون
متنفسا لأهل البلد وقبلة للسياح كواحدة
من المزارات التي تغري كل قاصد وزائر،
لسنا بحاجة إلى استيراد القطع الحديدية
الجامدة التي لا تعبر إلا عن انهزامنا
وضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على
الناس،
ألا يستطيع صناعنا التقليديون في فاس
وغيرها من المدن أن يشيدوا مثالا لجامع
القرويين أو جامع حسان أو جامع
الكتبية… لنزين به شوارعنا ومداخل
مدننا تعبيرا عن تراثنا الزاخر وإبهارا
لكل زائر، ألا يستطيع صناعنا
التقليديون أن يشيدوا على منوال المسجد
الأقصى أو قبة الصخرة الجميلة نصبا
تذكاريا يذكرنا بمسرى نبينا الكريم
ويذكرنا بواجب النصرة والتحرير، ألا
يستطيع صناعنا التقليديون أن يصنعوا من
الرخام أكبر كتاب في العالم رمزا إلى
عاصمة العلم ندخل به في قائمة الأرقام
القياسية العالمية؟، وحتى لا يصدق فينا
قول ربنا: {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي
هو خير.}
يا أهل فاس لا يزين فاس إلا ما كان من جنس
فاس.
يا أهل فاس لا تزين فاس إلا بما يليق
بتاريخ فاس.
إننا بحاجة ماسة إلى تصحيح مسارنا
الثقافي والتربوي في البناء والتشييد
والتخطيط وتلقينه صافيا نقيا لأبنائنا
فيما يخص ارتباطنا بهويتنا الإسلامية
وانتمائنا الحضاري وغيرتنا على ثوابتنا
ومبادئنا وقيمنا.
وأما تزيين مدخل أكبر شوارع فاس -عند
انتهاء الأشغال- بنصب تذكاري مستورد من
باريس فهو أكبر عار، أم أننا أصبحنا من
عشاق الاحتلال والاستعمار؟! أم أنا نملك
الجواب عن السؤال: « وإذا الهوية سئلت بأي
ذنب قتلت؟ »
Aucun commentaire