عيد الأضحى مناسبة لتجديد العهد للخالق سبحانه بأن حبه يفوق حب كل محبوب
عيد الأضحى مناسبة لتجديد العهد للخالق سبحانه بأن حبه يفوق حب كل محبوب
محمد شركي
نشرت الكاتبة الأديبة المحترمة الأستاذة الأخت رامية نجيمة مقالا بعنوان : » الخروف في الإسلام قصة حب وأكثر » ومما جاء في مقالها الممتاز ما يلي : » العابد لا حب عنده يعلو على حب معبوده » . وهذه العبارة دعتني لنشر ما ألقيته خطبة جمعة تزامنت مع ذكرى عيد النحر. أجل لقد غابت عن أذهان كثير من الناس دلالة عيد النحر حتى أغرى الجهل بها بعض السفهاء لرفع شعار تافه : » ما معيدينش » رفعوا هذا الشعار، وهم لا يدركون أنهم يقطعون صلتهم بقيمة حضارية راقية اسمها » الحب » في أسمى معانيه . وقصة هذا الحب الأسمى بدأت عندما قضت إرادة الله عز وجل أن تختبر شيخ الأنبياء سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام في موضوع الحب الأسمى، حيث خير الخالق سبحانه عبده إبراهيم بين حبه وحب من سواه من نفس ووالد وعشيرة وولد وأهل وبلد ، فاختار حب الخالق عز وجل على كل هذه المحبوبات . وخيره الله تعالى بين حب نفسه وحب خالقه حين أمره أن يجادل ملك زمانه الجبار الذي تجاسر على ألوهية الله عز وجل وزعم بادعائه أنه يحيي ويميت ، فبهت حين طلب منه إبراهيم الخليل أن يأتي بالشمس من المغرب لأن الله عز وجل يأتي بها من المشرق. وكانت مجادلة الملك الطاغية الجبار المتجاسر على الله عز وجل مغامرة خطيرة استرخص من خلالها إبراهيم الخليل روحه فداء لحب الله عز وجل ، وعبر عن تفضيل حب الله عز وجل على حب النفس. وكذلك الشأن عندما حطم أصنام قومه ، وعرض نفسه لغضبهم حيث عاقبوه بالحرق ، وهو أشد عقوبة يعاقب بها البشر بعضهم البعض . وبهذه المغامرة الخطيرة عبر إبراهيم الخليل مرة أخرى عن تفضيل حب خالقه سبحانه عن حب نفسه. ولما خير الله تعالى عبده إبراهيم الخليل بين حبه وحب أبيه اختار حب الخالق عز وجل على حب الوالد الذي اختار الضلال . ولما خيره بين حبه وحب الولد اختار حب الخالق سبحانه على حب الولد الغالي الذي ليس مجرد ابن بل هو ابن رزق به بعد شيخوخة وطول انتظار ، وهو ولد الشوق كما يقول العوام ، وهو أكثر من ذلك نبي الله عز وجل. وفي كل مرة كان إبراهيم الخليل يفضل حب الخالق سبحانه على حب من سواه ، كان الخالق جل في علاه ينجيه من كل مكروه مهما كان ، نجاه من مكروه الملك الجبار ، ومن مكروه القوم الظالمين ، ومن مكروه الأب الضال ، ومن مكروه الفاجعة في الولد الحبيب. وبعد كل البلاء العظيم نال نبي الله إبراهيم درجة الخلة حيث اتخذه الله عز وجل خليلا ، وهي مرتبة في الحب لم يحزها إلا سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم بعده .
والمسلمون عندما يحتفلون بعيد النحر ، فإنهم لا يحتفلون بعيد اللحوم والأكل كما قالت الكاتبة الفاضلة الأستاذة رامية نجيمة، بل يحتفلون بتجديد العهد مع الخالق سبحانه بأن حبه يفوق حب كل محبوب من المخلوقات . وتجديد هذا العهد يقتضي أن يكون القول في مستوى الفعل بحيث لا يمكن أن يوجد مدعي تفضيل حب الخالق سبحانه على حب من سواه وما سواه في حال مخالفة أوامره تماما كما كان حال إبراهيم الخليل عندما كان يلتمسه خالقه ،فيجده حيث يرضى وجوده. هذه هي دلالة الاحتفال بعيد النحر بحيث تعتبر عملية النحر تجسيدا رمزيا للتضحية بحب الشيء الغالي مقابل حب الخالق سبحانه الذي لا يوجد أغلى منه . ولقد أنطق الله عز وجل الكاتبة الفاضلة الأستاذة رامية نجيمة حكمة عندما قالت : » العابد لا حب عنده يعلو على حب معبوده » ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا . وعلى أصحاب شعار : » ما معيدينش » أن يدركوا تفاهة شعارهم أمام عظم المناسبة لأنهم لا يرون فيها إلا مناسبة أكل للحوم مع تغييب الدلالة الرمزية لعملية النحر.
Aucun commentaire