ظرف مكان وجنون البشر
إنها حكاية حدثت في زمن مضى من القرن
الماضي,كنت شاهد عصر عليها .حدثت في بعض
الاعداديات التابعة لمدينة وجدة .لم تكن
الاعداديات بالوفرة كما هو الحال الآن
.كان الفرنسيون هم الذين يشكلون
الأغلبية الساحقة في الاعداديات
والثانويات والجامعات.أما المغاربة فلم
تكن لهم إلا مادة واحدة يدرسونها هي
اللغة العربية والتربية الإسلامية .كان
الفرنسيون يأتون إلى عملهم في أناقة
تامة ورشاقة جسمية .فاغلبهم كان يمارس
الرياضة في حديقة للا عائشة,أو ينتمون
إلى أندية رياضية لها شعبية في فرنسا ,
وهي لكرة المستطيلة,.وفي حركة سريعة
ونشيطة ينسحبون إلى الأقسام التي
يعملون فيها .إن المدرسين المغاربة
كانوا يأتون في بدلات غربية ,واقمصة
وربطة العنق التي لا تفارقهم .مع اختلاف
بسيط,إن المدرس المغربي لا يحرص على
الرياضة.ولهذا كان معظمهم يحمل معه كرشا
كبيرة مستديرة تتدلى على حزام
سرواله.كانت السمنة عنوان الصحة والقوة
.ويمشي ببطء نحو حجرة الدراسة .وبما انه
يلبس بذلة انيقة فانه كان يترك امر
الكتابة على السبورة ومسحها إلى
التلاميذ ’الذين يتنافسون على هذا
العمل في أول الحصة وفي وسطها وفي أخرها
.رغم ما يتبع هذا العمل من أوساخ على
اليدين والوجه والرأس والملابس .
كان المدرس المغربي يعامل التلاميذ كما
يعامل المدرس الفرنسي ولكن بقسوة أكثر
.إذ كانت المصطلحات مثل |حمار .بغل
.بليد.كسول من العبارات التي ألف
التلميذ سماعها .ولا يكون له أي رد فعل
.بل انه يتعرض لعنف أخر كإفراغ أوساخ سلة
المهملات على رأسه ,او تلقي لطمات على
وجهه ورأسه ,أو لسعات على أذنيه أو ضرب
بالممسحة على رأسه …فلا يمكن ضبط
الخروقات التي كان المدرس يقوم بها
.لأنه سيد القسم .والآباء يتواطئون معه
.فكلما كان عنيفا في عقابه كان مدرسا
جيدا ,.
كانت المدرسة مثل ثكنة عسكرية ,يسود
فيها الانضباط.حتى المعيدون كانوا
ينتشرون في كل المواقع ’يتصيدون كل
تلميذ قام بحركة غير عادية ليشبعوه ضربا
وركلا.وقد يحدث هذا أمام مدرس فرنسي
…إنها التربية التقليدية في كل مظاهرها
المذلة في جانبها البيداغوجي
الديداكتيكي والتربوي.انها السلطة
المطلقة والسيادة اللامحدودة للمدرس…
كانت حصة في اللغة العربية |درس النحو
|عنوان |المفعول فيه ._كتب المدرس تاريخ
ذلك اليوم .والمادة وعنوان الدرس.بخط
جميل كلفه وقتا.وأمر احد التلاميذ
بكتابة الأمثلة ,وتلوين الظاهرة بلون
مغاير ,حتى يعرف التلاميذ الظاهرة
ويتعرفوا على التغيرات اللغوية في
الجملة.ثم ننتقل إلى كتابة القاعدة
ونختم الحصة بالتطبيقات الشفوية ثم
الكتابية.
توجه المدرس إلى التلاميذ بالسؤال
التقليدي:من يعطيني جملة تحتوي على ظرف
مكان .رفع احد التلاميذ النجباء أصبعه
للإجابة…كان التلميذ الوحيد الذي
ينحدر من طبقة ميسورة .والوحيد الذي
يأتي إلى الدراسة أنيقا في شعره ووجهه
ولباسه.ويغير ملابسه صباحا وبعد الزوال
.وأحذيته من النوع الرفيع .والوحيد الذي
يلتف حوله الأصدقاء.كما ا ناباه كان
يحرص ا نياتي به في سيارته .بيتما
الاخرون كانوا يترجلون ومن مسافات
بعيدة ,وبالبسة رثة وبالية ومرقعة من
الامام والخلف..حتى احذيتهم من النوع
الردئ يسهل تمزقها بدون سبب ,وتنبعث
منها رئحة كريهة …لم يكن التلاميذ
الاخرين لهم اهتمام بملبسهم ’او
بهندامهم او بشعرهم ولا بنظافتهم
…كانوا ينحدرون من اسر فقيرة وامية من
احياء ضيقة .لا يعطون اهمية لأمور
النظافة ما دام هم الفقير ان يقاتل
الجوع الذي قد يستمر اياما ,,
اجاب التلميذ :فوقك سماء ..
استحسن المدرس هذه الاجابة ..وطلب من
باقي التلاميذ ان يبحثوا عن اجابة
مماثلة في سياق اخر .تظاهر التلاميذ
بالتفكير وكانهم يبحثون عن اجوبة اخرى
’مستغرقين في شروذ اصطناعي . كان الصمت
دليلا على الملل رغم انه يملا حجرة
الدراسة …علا صوت ذلك التلميذ للمرة
الثانية يطلب ان يجيب .وبما ان لا احدا
من التلاميذ تطوع للاجابة,فان المدرس
امر التلميذ ان يقدم اجابته التي كانت
على الشكل التالي:تحتك ارض
فجاة وفي غمرة الصمت الرهيب ,انفجر
التلاميذ ضحكا وقهقهات مدوية .واستمر
هذا الجو مدة من الزمن .كان يظهر انها
طويلة .مما جعل المدرس يستغرب .بل وينادي
على التلميذ .ولما كان قاب قوسين او ادنى
من المدرس ,امتدت يداه نحو اذني التلميذ
,ورفع جثته الى اعلى ,ورمى بها نحو
المقاعد الامامية ..ساد الصمت .ولم نعرف
لماذا قام المدرس بهذا الفعل..
قد بكون سوء الظن بالتلميذ اللذي كان
بريئا هو الدافع الى الفعل العنيف غير
المسؤول …لقد قذف بالتلميذ الى ارض
مملوءة اوساخا ..نهض التلميذ كجندي وقع
في المعركة ,يزيل الاوساخ عن قميصه
وسرواله.واتجه في سكون واذلال الى مكانه
حائرا يبحث عن تفسير لما حدث…
انتهت القصة من شاهد على العصر.لكنها
تركت في نفسه تساؤلات كثيرة وملاحظات
:لو حدث هذا الان هل بمقدور المدرس ان
يخرج مزهوا بنفسه بهذا الانتصار العظيم
كما فعل ذلك المدرس في ذلك الوقت..| هل
يستطيع اسكات الصحافة والمنظمات
الحقوقية ؟هل يقدر ان يتجنب الوقوف امام
المحاكم .؟.هل يستطيع ان يقنع اب التلميذ
ان فعله تربوي؟
مدرس اليوم لا يتمنى من يومه الدراسيسوى
ان لايحدث لاي تلميذ اي مكروه .وينهي
يومه بدون صراعات او مشاكل مع اي كان
..بل وينهي حياته المهنية باقل ضرر حتى
لو كان على حساب ضميره المهني وحبه
للعمل.نلاحظ ان بعض التلاميذ يلتحقون
بالقسم وهم لايحملون دفترا او كتابا او
ادوات ,وبعضهم اتى ليمتع اصدقاءه
بالتهريج والضجيج ,واستفزازالمدرس
.معتقدا ان ذلك سيجعله بطلا. كما نلاحظ
من ياتي متاخرا عن الحصة او متغيبا .بل
منهم من يختار الحصص التي يحضر فيها
والحصص التي يتغيب فيها ,مع سهولة
الحصول على ورقة الدخول.
انها الحرية المطلقة التي يتمتع بها
التلميذ والسجن الذي وضع فيه المدرس
.انه الحق المطلق لفعل اي شيء بدون احساس
بالمسؤولية او القانون .انها ملامح
الثورة الكوبرنيكية في مجال التربية
,التي قلبت مركز العملية التربوية من
المدرس الى التلميذ…
الثورة الكوبرنيكية صححت المفاهيم
القديمة التي اعتبرت الارض مركز الكون
.فاصبحت الشمس هي مركز الكون ,والكواكب
حولها تدور .تمنح الشمس محيطها من
الكواكب النور والحرارة والدفء وحساب
الزمن ….ولكن اية مقارنة يمكن قبولها
بين الشمس والتلميذ ؟ اليس هذا هو
الجنون البشري؟؟
2 Comments
حبذا لو أعطيت الفرصةللكتاب المبدعين وذوي أهل الفكر لمعالجة هذه الظاهرة تنظيريا حبذا لو فكرت الوزارة الوصية في هذه الأفة واتخدت الأجراءات اللازمة لمعاقبة ذوي الأيادي الآثمة التي تجاوزت الحدود المنظومة التربوية في خطر ولابد من حلول تضمن العيش الكريم لأسرة التعليم والاالنفور التام والعزوف عن هذه المهنة اللعينة التي جلبت الذل والهواناالمطلوب وضعفي كل حجرة درس حارس امن غليظ يتدخل لكل من سولت له نفسه ابراز العضلات هذا هو الحل لحماية رجال التعليم والا سوف نعيش المعارك تلو المعارك ويصبح التعليم في خبر كان
وا بوكماخاه
اخي الصايم مقالتك بقدر ما افرحتني اقرحتني خاصة وانني امارس هده المهنة قرابة ربع قرن*لقد دكرتني بداك الزمن الجميل حيث كان المدرس هو المركز وهو الزمن الدي انتج الاف الاطرالمغربية التي يعتز بها الوطن/ اعلم اخي الصايم انني اخترت هده المهنة ليس طلبا لطرف خبز كما يقول المعاربة بل حبا ورغبة فيها لازلت اتدكر معلمي رحمه الله تعالى والدي كان يعاقبنا صبيحجة الاثنين لا لشيء سوى لانه رمقنا نلعب في الدرب/الحومة
لا اخفيكى سرا ان قلت لك انني ندمت ايما ندم في اختيار هده المهنة النبيلة/الملعونة في بلدنا
لقد توالت الاصلاحات تلو الاصلاحات وغرق المدرسون في مجيط من المصطلحات دون جدوى اد لازالت دار لقمان على حالها
يبدو لي ان منظومتنا التعليمية والمنتخب الوطنيلكرة القدم سيان/ومن غرائب الصدف ان المنتخب وصل الى الحضيض على يد البلجيكي غريتس/ وان قطاعناوصل الى نفس المرتبة على يد مواطنه غزافيي