سورة النساء مقصد العدل الإلاهي
سورة النساء ومقصد العدل الالاهي
تشكل سورة النساء المدنية التي يبلغ عدد آياتها 176 آية وكلماتها 3748 كلمة الدليل القاطع على صلة القرآن لكونه كتاب دين خاتم لسائر الرسالات ومنهجا ربانيا وشريعة في الحياة بعالم الشهادة وقضايا الناس على مستوى الأسرة والمجتمع والأمة. ويحيل العنوان باعتباره خطابا مقدماتيا وعلامة مكثفة بدلالات محيلة على ظلال من المعنى تسمية السورة بالنساء بصيغة الجمع تكريما وإنصافا لهن من حيف الحضارات القديمة التي صادرت أهليتهن وأجهزت على حقهن في الميراث بعدما حولتهن بضاعة ومتاعا يورث ولايرث وإقرارا بوجودهن الفاعل كصنف له حقوق وواجبات ورسالة تنهض بتكوين النشء وتربية الأجيال وتدبير شأن الأسرة باعتبارها طرفا أساسيا في مأسسة المجتمع والأمة إلى جانب شركائها الذين تلدهم وتنشئهم أو تتزوج بهم أو تتعهدهم . إن سورة النساء تشريع للحياة من منظورات مختلفة مالية وقانونية واجتماعية وقيمية و مدونة أحكام حقيقية تهم في معظمها المرأة و تستهدف بناء الأسرة وتحصينها من التفكك وتقوية مناعتها بعد غياب أحد طرفيها بكفالة اليتيم ومترتبات الطلاق وشروط الزواج…. واعتمدت هذه المدونة على نظامين كونيين : نظام دوران حياة الكائنات الفردية أو الأسرية أو المجتمعية حول نفسها وحول بعضها البعض من خلال تبادل الوظائف والمهام والخدمات وفق قوانين مضبوطة وارتباطها جميعا بعقد العبودية مع خالقها مما يؤمن توازنها واستقرارها داخل الوسط المعيش . أما النظام الثاني فهو نظام الزوجية فلا ارتباط مباح ولا بناء مشروع للأسرة إلا بعقد الزواج المحلل بصداق محدد بالاستطاعة ومفصل بتعدد مشروط بالعدل .هذا وتطرح السورة الكريمة قضايا مفصلية تدخل في إطار الإعجازالقرآني البياني الذي يحتفي بسمو المعنى وسداد المقصد و يتجلى في ترددات موضوعة العدل 02 ومرادفاتها القسط 02 وما يدل على انتفاء الصفة ونقيضها 08 وتزيد هذه الترددات من ترسيخ منطق الربط الاقتضائي بين حقوق الله وحقوق رسوله الكريم وحقوق النساء وارتهان بنية تكريم النساء ببنية الصلاح على صعيد الفرد والأسرة والمجتمع في تناغم الحقول الدلالية لموضوعة العدل التي تحيل على مداليل الاستقامة والرحمة والأمن على المستوى النفسي والمادي نشدانا للتمامية الهندسية وكمال البناءات التشريعية بدءا من نظام كفالة اليتيم المرتكز على الحرص على ماله وتعهده إلى أن يبلغ أشده ومرورا بنظام الزواج وعدم تحديد قيمة الصداق ليتساوى الفقراء والأغنياء ونظام الطلاق آخر الحلول وأبغض الحلال إلى الله مع التشديد على تسديد الحقوق والواجبات وانتهاء بنظام الإرث الدقيق الذي تولى الله بنفسه جل وعلا توزيع التركة على ثلاثين قسمة تراعي أدوار أفراد العائلة وجنسهم وطبيعتهم من الأصول أو الفروع حيث يتجلى مقصد العدل الإلاهي في أبهى صوره وتجلياته ممايغري أنظمة وضعية بشرية بالأخذ به كالقانون الشخصي الإنجليزي وغيره. هذا ويعتمد التكوين النصي للسورة الكريمة على نظام التناسل الداخلي المتشكل من تمفصل البنية الأساس: »حقوق النساءإلى أربع بنى صغرى:
1- الطاعة والعبادة.
2- الأحكام.
3-الإحتكام.
4-التأسي.
وتتولى بلاغة التكرار تلحيم الروابط بين البنية الإطار والبنى المؤطرة انطلاقا من قانوني: الاقتضاء والارتهان مما يزيد من التماسك بين مفاصل النص القرآني و موضوع القيمة للسورة العظيمة : »العدل الإلاهي مصدر حقوق النساء وباقي أفراد الأسرة المسلمة ورهنه بأداء الواجبات العقدية والعبادية والحكمية والمعاملاتية » رغم ما قد يفد على ذهن القارئ المستعجل من سيادة بلاغة الاستطراد بينما تغيب عن رجاحة عقله اللبيب بلاغة خير الكلام مالا كلام بعده وهي المعتمدة في السورة الكريمة .
ولعل الخيط المعنوي الرفيع الناظم لمكونات نص السورة العظيمة هو مستويات موضوعة العدل :
1-المستوى الاجتماعي : أو المساواة بين الجنس الواحد :
ففي منظور السورة الكريمة النساء على قدم المساواة فهن سواء في الحقوق والواجبات كما ونوعا فلا فرق بينهن بحسب لونهن أو نسبهن أو جاههن أو جمالهن … فهن كيان واحد له استقلالية وأهلية و روح مبادرة ومناط به رسالة عظيمة غير مأجورة ماديا ولكن أجرها عند الله كبير: إنجاب النشء وتربيته وغرس القيم فيه وتكوينه وإعداده للنهوض بالأمة.
2- الحقوقي :
فالعدل بين النساء في حالة الزواج المتعدد مشروط بتحقيق الإنصاف من ناحية الميل النفسي وتلبية الطلبات المادية بين الزيجات ومرتهن إلى جانب ذلك بكفالة الأيتام وسد نقص الرجال العددي بسبب الجهاد أو النمو الديمغرافي أو الاقتصادي ويشكل هذا قمة العدل بين جنس النساء من جهة وبين نوع النساء والرجال من جهة ثانية فالسورة تقارب المسألة النسائية والرجالية من منظور شمولي تحكمه علاقة العدل لا المساواة الكمية مراعاة لاختلاف الأدوار والطبائع بين صنف النساء وصنف الرجال بحيث تتحول المؤسسة الأسرية إلى خلية وظيفية للتكامل وتبادل المنفعة. بل وإلــــــــى
وحدة اجتماعية صغرى معتمدة في التحليل الاجتماعي للمجتمع الإسلامي إلى جانب وحدة المجتمع المتوسطة ووحدة الأمة الكبيرة. وهنا تكمن براعة السورة في الاسهام في البناء المجتمعي وصياغة مشروع الأمة الذي يقود إلى العالمية باعتبارها تعاونا بين الأمم في مجالات الدين والقيم والسلم والخيروتبادل المصالح على قاعدة الاحتكام إلى الحق والإقرار بالسيادة والمحافظة على الهويات والخصوصيات المحلية وهذا ما يجسده دال الحوار الذي أطلقه القرآن بين الإسلام والمسلمين وأهل الكتاب من اليهود والمسيحيين.
3-المستوى المادي :
يتمظهر أيضا مقصد العدل في التعامل مع مستوى مرادفات موضوعة العدل حسب السياق الملائم لمجال توزيع الأرزاق والثروة على قاعدة أن المال لله وأن الإنسان مستخلف في الإنفاق في وجوه البر المشروعة. وإذا كانت أرزاق الله لا حد لها فإن تقسيــم
التركة على الورثة من الذكور والإناث من الأبناء والبنات وأقرب المقربين للميت يعتبر أحد أبوابه وفق ميزان إلاهي دقيق يخفض النصيب من الرزق ويرفعه ويقلله ويكثره مراعاة للأصول والفروع ومن تجب عليهم النفقة ومن لاتجب عليهم من أصناف الإناث حسب المراتب وأنواع الرجال وفق الدرجات درءا لكل ظلم وسعيا لإرضاء النفوس المفطورة على حب المال وامتلاكه. ولعل أهم ما في نظام الإرث في السورة العظيمة النظام الكسري الدقيق الذي يستحضر كل احتمالات التقسيم تعالج تسعين في المائة من قضايا الإرث ويحصرها في أربعة عشراحتمالا فيها إنصاف كامل للمر أة التي كانت محرومة من الإرث عند حضور الذكر سواء في التوراة الذي لحقه التزوير وكذا في نظام الجاهلية وفي الكثير من الأنظمة الوضعية البشرية في عصرنا الحاضر وعلى رأسها النظام الفرنسي . كما ينصف نظام الإرث في القرآن الأب والأم وزوجة صاحب التركة وأقرب المقربين للمتوفى وفي هذه الأطراف المرأة حاضرة بكل ثقلها أيضا . كما يقدم قسمة النصف أو السدس أو الثمن أو الثلث أو الربع في ثلاث آيات هي الآيات :11 : وتختص بقسمة الأصول والفروع : الأب والأم والأبناء من الذكور والإناث والآية 12: التي تتعرض لنصيب الأزواج والإخوة والأخوات من جهة الأم والآية 176 : التي تختص بقسمة الكلالة من الأب أو من الأب والأم حصة الأخت والإخوة في حالة عدم وجود الأبناء بأسلوب حسابي معجز يتميز بالإيجاز والتكثيف والوضوح والدقة والشمول.
إن سورة النساء خطاب حقوقي شامل ومنصف لجنس المرأة يقارب المسألة النسائية من منظور اجتماعي نسقي وازن يرد للمرأة وضعيتها الاعتبارية ويمنحها هامشا من المبادرة بقسمتها في الإرث ويحدد بدقة رسالاتها الأسرية والمجتمعية كشريك فاعل وأساسي للرجل من منظور الشقائقية لاالندية مصداقا لقوله /ص/ : » النساء شقائق الرجال » وقوله/ص/ : » خيركم خيره لنسائه وأنا خيركم لنسائي » مما يجعل المرأة المسلمة ترضى بعدل الله وتعمل على طاعته والوفاء بواجباتها تجاه خالقها سبحانه لتتحرر من كل العبوديات المادية والثقافية والاجتماعية والنفسية والقانونية الوضعية فتكون بمنأى عن كل التفاف رجولي مغرض على حقوقها يسوق صورتها الطاهرة تسويقا إشهاريا تجاريا أو سياحيا جسديا .
Aucun commentaire