الرئيس الأمريكي يعتبر الفيلم المسيء للمسلمين مسيئا للأمريكيين أيضا ولكنه لا لم يتوعد أصحابه بما توعد به من هاجموا سفاراته
الرئيس الأمريكي يعتبر الفيلم المسيء للمسلمين مسيئا للأمريكيين أيضا ولكنه لا لم يتوعد أصحابه بما توعد به من هاجموا سفاراته
محمد شركي
غريب تصريح الرئيس الأمريكي بالجمعية العامة للأمم المتحدة،والذي اعتبر فيه أن الإساءة إلى مشاعر المسلمين من خلال الفيلم المسيء لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم هي في نفس الوقت إساءة للأمريكيين ، ولكنه توعد الذين هاجموا سفارات بلاده بالمتابعة والملاحقة ، واعتبر هجومهم هجوما على بلاده دون أن يتوعد أصحاب الفيلم المسيء بشيء مع أنه أقر وعلى مرأى ومسمع العالم وفي محفل أممي بأن الفيلم مسيء أيضا للأمريكيين . ويبدو أن الرئيس الأمريكي لا يعرف شيئا اسمه التناقض إذ كيف يعتبر الهجوم على السفارات الأمريكية بمثابة هجوم على بلاده يقتضي الملاحقة والمتابعة ، في حين لا يلاحق ولا يتابع الذين أساءوا إلى الشعب الأمريكي من خلال الفيلم المسيء للمسلمين على حد تعبير الرئيس الأمريكي . فإذا كان الهجوم على السفارات الأمريكية يعتبر عملا عدائيا ضد الولايات المتحدة الأمريكية ، فمن باب أولى أن يكون ما يسيء إلى الأمريكيين عملا عدائيا ضدهم أيضا . وإذا كان القانون الأمريكي قد أقر الإساءة إلى مشاعر المسلمين باسم حرية التعبير ، فهو حسب تصريح الرئيس الأمريكي قد سمح بالإساءة إلى الأمريكيين ، فالمشكل إذن يكمن في هذا القانون الذي هو في غير صالح الأمريكيين قبل غيرهم. وإذا كان الرئيس الأمريكي قد صرح بالوعيد من منبر محفل دولي ضد من يعادي بلده ، فهو يقر بقانون الانتقام أو لنقل قانون القصاص ، ولكنه لم ينتبه إلى أنه يكيل بمكيالين حين يطلب القصاص من الذين اعتبرهم معتدين على بلاده من خلال استهداف سفاراتها دون أن يقر لغيره بقانون الانتقام أو قانون القصاص ممن اعتدى عليه بالإساءة من خلال الفيلم المسيء . ومعلوم أن مهاجمة السفارات الأمريكية كانت ردة فعل لنقل عنيفة على فعل عنيف أيضا وهو الإساءة إلى مشاعر المسلمين الدينية . ومن العيب أن يقف رئيس أكبر دولة في العالم للتهديد بالانتقام أو حتى القصاص لبلده دون أن يقر بالانتقام والقصاص لغيره . ولا شك أن قول الرئيس الأمريكي بأن الإساءة للمسلمين هي إساءة للأمريكيين مجرد خطاب ديماغوجي وأنه لم يصدر عن قناعة حقيقية ، أو هومجرد مجاملة مكشوفة النفاق ، إذ لو كان الرئيس الأمريكي صادقا فيما صرح به لتدخل لمنع الفيلم الأمريكي ، ولمتابعة أصحابه لأنهم كانوا سببا وراء مهاجمة السفارات الأمريكية ، ومن ثم كانوا سببا في الاعتداء على الولايات المتحدة الأمريكية حسب منطق الرئيس الأمريكي نفسه ، إن صح أن له منطق بالفعل . ومعلوم أن الرئيس الأمريكي كغيره الرؤساء الأمريكيين لا يملك ولا يستطيع وما ينبغي له أن يقف ضد إرادة اللوبي الصهيوني الذي يقرر مصير الشعب الأمريكي، ويعبث به كما يشاء . فالإساءة إلى مشاعر المسلمين صنيع اللوبي الصهيوني المتحكم في مراكز القرار السياسية والاقتصادية . ولن يستطيع أحد في الولايات المتحدة الأمريكية أن يرفع صوته فوق صوت هذا اللوبي المستبد. ولا أدل على ذلك قرار الإساءة الآخر في محطات قطار مدينة نيويورك حيث أثبتت ملصقات تنال من فريضة الجهاد الإسلامية ، وتصف المسلمين بالهمج، بينما تصف الصهاينة بالمتحضرين ، وتطلب من الشعب الأمريكي أن يقف مع المتحضرين ضد الهمج ، وفي أسفل هذه الملصقات عبارة : » من أجل دعم دولة إسرائيل » . وقد رفض القضاء الأمريكي منع هذه الإساءة كما رفض منع الفيلم المسيء بدعوى حرية التعبير. ومن المؤكد أنه لو كانت الملصقات إسلامية وفيها عبارة : » من أجل دعم المقاومة الفلسطينية » وتتضمن وصف الكيان الصهيوني بعبارة قادحة لما سمح القضاء الأمريكي بإلصاقها في الأماكن العمومية ، وهذا يدل على أن الولايات المتحدة الأمريكية إنما يحكمها اللوبي الصهيوني ، وليست فيها حرية كما تعتقد ، وكل ما يوجد فيها هو حرية هذا اللوبي المستبد الذي يبرر كل ما يريد . و واضج أن الهمج الهامج كما يقول العرب وهم رذال الناس ورعاعهم من الحمقى الذين لا خير فيهم هم الصهاينة. ولم يثبت في التاريخ أن وجدت همجية في حجم همجية الصهاينة الذين اقترفوا من الجرائم ضد الإنسانية ما لم يحصل في تاريخ البشرية الطويل قط ، ذلك أن ما ارتكبه الصهاينة من مجازر وفظائع ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية خلال ستة عقود يعدل ما وقع من جرائم طيلة العصور البشرية السابقة. وهذا الكلام لا يعني المبالغة لأن الجرائم لا تقاس بعدد الضحايا ، وإنما بأساليب التقتيل والتعذيب الوحشية والهمجية . ولما كان الشعب الأمريكي كعادته مشغولا بهمومه اليومية المادية الداخلية نظرا لطبيعة مجتمعه الرأسمالي أكثر مما يهتم بالخارج لأن اللوبي الصهيوني المهيمن على وسائل الإعلام والاتصال هكذا أراد له ، كما أنه لا يزوده بأخبار الخارج إلا بما يريد وبما يخدم الكيان الصهيوني العنصري فإنه شعب مستخف به ، استخف به اللوبي الصهيوني ، والاستخفاف يعني الاستهانة بعقل المستخف به ، وذلك باعتباره خفيفا ، و العقل الخفيف يعني الحمق وفساد الرأي .والاستخفاف أيضا حيلولة دون وصول المستخف به إلى الحقيقة والصواب.
فإعلام اللوبي الصهيوني الذي يفرض الوصاية على الشعب الأمريكي لا ينقل له همجية الكيان الصهيوني في الأراضي العربية الفلسطينية وغيرها ، وإنما ينقل له تحضرا مغشوشا ومموها من خلال نقل الصور التي توهم الشعب الأمريكي المستخف بعقله أن الصهاينة في الأراضي المحتلة متحضرون مثله ويعيشون وسط قوم همج من العرب الذين لا يعرفون سوى القتل. ولا يخطر على بال الشعب الأمريكي المستخف به أن العكس هو الصحيح ، وأن الصهاينة قوم همج وسفاكون للدماء وأنهم يبيدون شعبا عربيا متحضرا. و لقد بدت صور الأمريكيين في إحدى محطات القطار بمدينة نيويورك كما نقلتها قناة الجزيرة القطرية مثيرة للضحك والسخرية، وتعكس مدى وقوع هؤلاء الأمريكيين ضحايا استخفاف اللوبي الصهيوني حيث وقف أحد المسلمين الأمريكان يوزع منشورات تسفه ملصقات الصهاينة، فأخذ المارة من الأمريكيين يتحاشونه وكأن به جرب أو كأنه يلبس حزاما ناسفا ، وقد منعهم الاستخفاف الذي يعانون منه من مجرد الاطلاع على ما يوجد في منشورات الرجل المسلم، وهو مواطن منهم. وهكذا بدت صورة الشعب الأمريكي الذي يقال له أنت سيد شعوب العالم ، وأنت الذي تقود الحضارة الإنسانية وتمثلها ، وهو لا يشعر بأنه مستخف به إلى درجة الغفلة التي تجعله يمتنع عن مجرد معرفة ما يقوله غير اللوبي الصهيوني الذي يسوقه سوق الأنعام. ولم يخطر ببال الشعب الأمريكي الغافل عن مكر اللوبي الصهيوني أن وصف فريضة الجهاد عند المسلمين بأنها همجية هي حيلة مدبرة من أجل مصادرة حق الشعب الفلسطيني في المقاومة والدفاع عن أرضه وحقوقه التي سلبت منه عن طريق همجية الكيان الصهيوني . واللوبي الصهيوني ينعت الجهاد الشرعي والمشروع دوليا بالهمجية من أجل التغطية على عدوانه الهمجي. ومعلوم أن الصهاينة كانوا عبر تاريخ البشرية الطويل أصحاب دهاء وكيد وحيل تشيب الولدان. وكانوا عبر التاريخ وراء الحروب والمآسي البشرية ، كما كانوا عبر التاريخ عرقا عنصريا يضع نفسه فوق كل الأعراق ، ويستخف بها ، ويستغلها ليظل فوقها سيدا ويستعبدها . واللوبي الصهيوني مهما حاول التمويه على همجية الكيان الصهيوني المحتل، فلن يخفى أمره على أكياس الناس وعقلائهم . وإن استطاع اللوبي الصهيوني أن يستخف بالشعب الأمريكي الذي يعيش مشغولا بحياته اليومية وبهاجس الاقتصاد والضرائب ، حتى أن هذا اللوبي بخبثه ومكره أقنعه بأن رخاءه رهين بوجود الكيان الصهيوني المتحضر ، وأن زوال هذا الرخاء مرتبط بالكيانات الإسلامية الهمجية على حد وصفه ، فلن ينجح أبدا في ذلك مع العقول المتحررة في العالم .
ولقد عبر بعض المارة بمحطة قطار مدينة نيويورك عن تبرمهم من ملصقات اللوبي الصهيوني معتبرين إياها عنصرية ومثيرة للعداء والحقد الشيء الذي يعني أن النخب الأمريكية الواعية لا يمكن أن تنطلي عليها حيل اللوبي الذي يريد استغفالها ويستخف بعقولها . وعلى الرئيس الأمريكي أن يخجل من موقفه بمقر الجمعية العامة للأمم المتحدة، لأنه يكيل بمكيالين ، وهو ما يمس مصداقية الديمقراطية الأمريكية في الصميم . وكرد على ملصقات اللوبي الصهيوني على المسلمين أن يعرفوا ـ بضم الياء وفتح العين وكسر الراء مع التضعيف ـ بفريضة الجهاد مقابل فضح همجية الكيان الصهيوني بالطرق الحضارية دون الانسياق وراء الاستفزازات الصهيونية التي تروم جرهم إلى العنف في غير مواضعه من أجل إقناع المستخف بعقولهم بأن المسلمين أصحاب عنف غير مبرر . فالجهاد و المقاومة ضد المحتل الصهيوني هما منتهى الحضارة من أجل إنقاذ الحضارة العربية الإسلامية التي يريد الصهاينة طمسها في أرض فلسطين وما حولها . وعلى العالم أن يعي حجم الخسارة الإنسانية بسبب اختلاق الغرب للكيان الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط ودعمه على حساب حضارة عربية إسلامية رائدة ، وعلى حساب قيم إنسانية خالدة .
Aucun commentaire